امرأة تحصي نقودها في معرض للطعام بقرية أوليانوفكا الروسية عام 2015
امرأة تحصي نقودها في معرض للطعام بقرية أوليانوفكا الروسية عام 2015

ظهرت منذ بضعة أشهر في سان بطرسبورغ آلات صغيرة من أصل كازاخستاني يمكن الحصول منها بشكل فوري على قروض صغيرة بمجرد إدخال جواز السفر فيها، ولكن بمعدلات فائدة سنوية باهظة تصل إلى 365% .

وتكشف هذه الآلات عن حمى اقتراض تنتشر منذ أكثر من عام بين الروس الذين يقبلون بشكل متزايد على الاقتراض للتعويض عن تراجع قدرتهم الشرائية.

ويثير هذا الوضع قلق السلطات، وحذر وزير الاقتصاد بأن الوضع قد "ينفجر" ويتسبب بانكماش.

وفيما تتراجع العائدات الفعلية للسكان منذ سنوات، شهدت القروض الاستهلاكية فورة في الأشهر الـ18 الماضية، وسجلت قروض الأسر زيادة بلغت نسبتها 25 بالمئة في يونيو على مدى عام.

وتأتي هذه الفورة بالرغم من تدابير اتخذها البنك المركزي بهدف ضبط القروض.

وأصدر وزير التنمية الاقتصادية مكسيم أوريشكين مؤخرا إنذارا محذرا بأن "الاقتصاد سيدخل حتما في ركود" إذا لم تتدخل السلطات قبل انهيار الفورة.

وقال في مقابلة أجرتها معه إذاعة "أصداء موسكو" في نهاية يوليو: "نعتبر أن الوضع قد يصبح متفجرا في 2021"، مؤكدا أن العمل جار على وضع تدابير لمساعدة السكان الرازحين تحت عبء الديون.

وأوضح الوزير أن ديون المستهلكين ازدادت عام 2018 بنسبة 25 في المئة لتصل إلى 1800 مليار روبل (24.6 مليار يورو بسعر الصرف الحالي)، وأن خدمة سداد القروض بالنسبة لثلث الأسر المقترضة كانت تستأثر بأكثر من 60 في المئة من دخلها الشهري، في حين لجأ العديدون إلى قروض جديدة لسداد قروضهم السابقة.

وأثار هذا الوضع توترا مع البنك المركزي، إذ ألمحت الحكومة إلى وجوب أن يقوم بمزيد من الخطوات.

"الناس لا يملكون المال"

لكن رئيسة قسم الاقتصاد في مصرف "ألفا بنك" ناتاليا أورلوفا أوضحت أن "الزيادة المتواصلة في القروض الخاصة تشكل حاليا العامل الوحيد لدعم النمو: ففي الفصل الأول من العام 2019، كان الاستهلاك الخاص العامل الوحيد خلف نمو إجمالي الناتج الداخلي" الذي لم يتخط 0.5 في المئة على مدى عام.

وفيما تعاني البلاد من عقوبات اقتصادية أوروبية وأميركية غير مسبوقة مفروضة عليها منذ 2015 على خلفية الأزمة في أوكرانيا، يبقى الفقر منتشرا بنسبة مرتفعة ويطال حوالى 19 مليون شخص في جميع أنحاء روسيا.

وتابعت أورلوفا: "بالتالي، فإن تشديد شروط منح القروض قد يضر بشكل آني بالنمو" الذي تحتاج إليه الحكومة في وقت يعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن هدف للنمو بمستوى 4 في المئة خلال ولايته.

وقال الخبير السياسي أندري كوليسنيكوف من مركز كارنيغي: "المشكلة أن الناس لا يملكون المال، وبالتالي يقترضون. لذلك نشعر بتوتر السلطات المالية والاقتصادية".

وانتقد اقتصادا منهكا لا يملك وسيلة سوى "جمع أموال إضافية من السكان وإنفاقها على أهداف تحددها الدولة على أنها مشاريع وطنية".

غير أن "المشاريع الوطنية" الطموحة التي أعلن عنها في مطلع ولاية بوتين تبقى أمل الكرملين الوحيد لتحفيز النمو.

وتقارب الكلفة الإجمالية لهذه المشاريع الموزعة بين 12 مجالا منها الصحة والبنى التحتية، 400 مليار دولار بحلول العام 2024، بينها 115 مليار دولار يفترض أن تأتي من استثمارات خاصة سواء روسية أو أجنبية.

وتساءل الخبير قائلا: "ما العمل إن انهارت الفورة فجأة، ما سيكون ردّ فعل الناس؟ هل يبقون بلا مال في حين أن السلطات تعتزم بناء طريق سريع باهظ، سيتبين حتما أن تشغيله غير مربح وعالي الكلفة؟"

ولكن هل تكون المشاريع الضخمة المعلن عنها لمجرّد التمويه؟ قال الخبير بهذا الصدد: "يمكن إضافة الجسر الذي يربط جزيرة ساخالين في أقصى الشرق الروسي إلى القائمة، وكذلك تحويل مدينة الأديرة السابقة سيرغيف بوساد إلى فاتيكان روسي"، مضيفا: "كل ذلك كلفته مخيفة".

أندريا بلاسيانو- فرانس برس