تكرار الشعارات في اليوم العالمي للمرأة دعا البعض للتساؤل حول الجدوى الفعلية لهذه الفعالية على أرض الواقع
تكرار الشعارات في اليوم العالمي للمرأة دعا البعض للتساؤل حول الجدوى الفعلية لهذه الفعالية على أرض الواقع

في كل عام يحتفل العالم بيوم المرأة العالمي، وتنظم الفعاليات في كل حدب وصوب وترفع الشعارات المنادية بالمساواة وتحسين ظروف النساء، تزامنا مع اليوم الرسمي الذي حددته الأمم المتحدة الموافق للثامن من مارس للاحتفال بالمرأة.

لكن تكرار الشعارات دعا البعض إلى التساؤل حول مدى فعالية الاحتفال باليوم العالمي للمرأة ومدى تأثيره على القضايا التي تناقشها الدول على أرض الواقع.

"كليشيهات" 

ترى بعض الناشطات أن هذا الاحتفال تحول إلى نمط متكرر يسلط الضوء على قضايا يجب أن تبرز بكثافة على مدار العام.

ريما نزال، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، وعضو الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ترى أن الشعارات المرادفة ليوم المرأة العالمي تحولت إلى "كليشيهات" تقليدية "تجمّل" الحال الذي تعيشه المرأة العربية ولا تطبق فعليا على أرض الواقع، لتتحول إلى "نظريات دون تطبيق وسط حالة النكران التي تعيشها السلطات". 

أما الصحفية والناشطة الأردنية رنا الحسيني، ذكرت أنه من الجيد أن يكون هناك رمز للاحتفال بالنساء، وأن اليوم العالمي للمرأة يوفر الفرصة لمناقشة القضايا التي تهم النساء ونشر الوعي بحقوقهن.

ورغم أن أي فعالية تسمح بتسليط الضوء لصالح المرأة تعتبر أمرا جيدا، وفقا لما تراه الحسيني، إلا أن "الاحتفال بالمرأة في يوم واحد هو أمر مرفوض"، مضيفة أن "المرأة تستحق أن يكون دورها أكبر من مجرد يوم أو وردة تقدم تكريما لها".

تقول الناشطة الكويتية في مجال حقوق المرأة، الدكتورة، ابتهال الخطيب، إن كل الأقليات حول العالم تحظى بأيام عالمية للاحتفاء بها والتركيز على قضايا تهمها، وأن المشكلة لا تكمن في تحديد أيام عالمية بل "في الطريقة التي نحتفي بها"، والتي تركز على الكلام "المنمق" دون نتيجة أو تحليل لمعناها.

تحولت بعض الشعارات إلى "كليشيهات" قد تضر بالقضايا التي تدعو إلى تحقيقها

ما وراء الشعارات 

أشارت الخطيب إلى أن الفعاليات للاحتفال بيوم المرأة العالمي تتضمن العديد من الشعارات، التي تطلقها الحركات النسوية، من شأنها "في بعض الأحيان أن تضر بالمرأة دون انتباه من فحواها الخطير"، مثل استخدام عبارة "المرأة هي الأخت والزوجة والأم"، وأن هذه العبارة تحمل الكثير من المعاني، منها ارتباط وجود المرأة وقيمتها بالعلاقة التي تربطها بالرجال، من جهة، وإن لم تنطبق هذه الأوصاف على امرأة فإن ذلك "قد يعني أنها بلا قيمة بالنسبة لتلك المعايير". 

من الضروري التركيز على الجانب الاجتماعي بحثا عن المساواة، فإن وصف "تمكين المرأة" لن يعكس منح السلطة والقوة للنساء إن لم تتوفر لهن حرية القرار داخل منازلهن، وفقا لما تراه الخطيب، بالتالي أن نخرج من إطار الشعارات لتطبيقها فعليا. 

عضو المجلس الوطني الفلسطيني ريما نزال تضيف إلى أن الدعوات الحالية تجبر الرجال والنساء على المواجهة في "خنادق متقابلة"، وأن الكثيرين لا يرون ضرورة لتطبيق بعض القضايا، مثل المساواة، حتى أن بعض تلك الآراء قد تصدر عن النساء أنفسهن. 

وفي هذا الصدد، تشدد الصحفية الأردنية رنا الحسيني على ضرورة التركيز على حملات الوعي، بالأخص وأن بعض النساء لا يدركن حقوقهن، أو المعاني الخفية وراء الشعارات التي ينادين في سبيل تحقيقها. 

الفكرة ذاتها عبرت عنها الكاتبة الكويتية ابتهال الخطيب، التي ترى أنه يجب على المرأة أن تدرك الجوانب وراء السعي من أجل حقوقها، قائلة: "مثلا الدعوة إلى المساواة مع الرجل، تضع الرجل مقياسا أمام المرأة، ويصبح هو المعيار لما يجب أن تصبو إليه"، مضيفة أن "المرأة تملك حقا إنسانيا خالصا في أن تحظى بحقوقها على أكمل وجه دون وضع الرجل معيارا لوجودها". 

الظروف تتغير والأسلوب واحد

في عام 1910 وفي الاجتماع الثاني للنساء العاملات في كوبنهاغن الدنماركية، طرحت زعيمة الحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا، كلارا زيتكين، فكرة تحديد يوم عالمي للمرأة، حيث لاقت تأييدا واسعا خلال الاجتماع الذي تضمن 100 امرأة مثلن الاتحادات النسوية والأحزاب الاشتراكية ونوادي النساء العاملات أتين 17 دولة إضافة إلى أول ثلاث نساء انتخبن في البرلمان الفنلندي، وكنتيجة لذلك أعلن اليوم العالمي للمرأة.

الحسيني نوهت أن الاحتفال بيوم المرأة العالمي يعود إلى حركة نسوية قديمة وأنه من المفترض مواكبة التغييرات التي تشهدها قضايا النساء حول العالم، بالأخص مع ازدياد معدلات العنف ضد النساء والمساواة.

من جهتها، ترى الخطيب أن القضايا التي تحارب النساء من أجلها لا تعتبر قديمة، بل أن الظروف الاجتماعية هي التي تتغير وبالتالي فإنه يتوجب على المرأة نفسها أن تغير تفكيرها.

وذكرت الناشطات أن ظهور الإنترنت وما واكبه من تغيرات ومشاكل جديدة، يدعو إلى تغيير في أسلوب الحوار ومخاطبة الجماهير، أكبر مثال على هذا يعتبر حركة #Metoo التي نشأت عبر جهود ناشطات على مدى سنوات عززتها محاكمة هارفي واينستين بعدها انتشر الوسم عبر الإنترنت لتتاح الفرصة أمام ملايين النساء التحدث عن قضايا التحرش والمساواة في أجواء العمل.

يوم واحد لا يكفي

هناك بعض الأمثلة تجسد التحدي في إحداث الحركات النسوية تغييرا فعليا على أرض الواقع، إذ ذكرت الناشطات أن يوما واحدا للاحتفال بالمرأة لا يكفي لترك أثر ملموس، وأن الجهود للمطالبة بالحقوق عليها أن تستمر على مدى سنوات، وأحيانا على مر عقود لتبلغ النتائج المطلوبة. 

ففي تونس، تأسست الحركة النسوية عام 1963، وواصلت جهودها كقوة ضغط فاعلة لتطوير المكاسب التشريعية التي تحققت للمرأة في البلاد منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1956. 

وتمكنت الحركة التونسية من الضغط على السلطات واعترف النظام رسميا بوجود ظاهرة العنف، وأعلن إستراتيجية شاملة للقضاء على العنف ضد المرأة، تمثلت تجريم كل من يعمد إلى ارتكاب تلك الجرائم. 

أما في المغرب ساهمت الحركات النسوية، التي تأسست منذ أربعينيات القرن الماضي، بتعديل قوانين الأحوال الشخصية، وما ينطوي تحت إطارها من قوانين الزواج بموافقة المرأة والطلاق وحقوق حضانة الأطفال التي وضعت الوالد في المرتبة الثانية بعد الأم، كما ساهمت في إلغاء قانون إعفاء المغتصب في حال الزواج من الضحية. 

وقد ينعكس استمرار الحركات النسوية في بقية الدول العربية بممارسة الضغط في تحقيق نتائج ملحوظة.

وترى الحسيني من خلال خبرتها الممتدة 20 عاما في تغطية قضايا "جرائم الشرف" في الأردن، أنه من الضروري مواصلة الجهود لإحداث فرق حقيقي على أرض الواقع، مشيرة إلى أن القوانين التي سنت في الأردن لمحاربة الظاهرة شهدت فرقا كبيرا على مر السنوات، وأن المجتمع بدأ يتجه نحو رفض العنف ضد النساء واستنكار الأحكام المخففة ضد المعتدين. 

أما نزال، فتعكس واقع التحديات التي واجهت الحركة النسوية الفلسطينية، إحدى الأمثلة عليه تمثلت في منع تطبيق اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" دون تحفظ، بحجة وجود "تناقض كبير بين الاتفاقية والثقافة المحلية". 

ورغم أن هذه الواقعة تسببت بحالة "خذلان" لدى الحركات النسوية إلا أن نزال قالت إن الحركة "ستواصل نضالها" كي "تنال المرأة حقوقها ونحصل على المساواة الكاملة دون تمييز".