كريم مجدي
دبابات إسرائيلية تحتشد بالقرب من قطاع غزة، واتصالات متواصلة بين مصر وإسرائيل وحركة حماس، لاحتواء وضع قد يتطور ميدانيا بعد قصف متبادل اندلع إثر سقوط صاروخ قرب تل أبيب.
ويسود هدوء حذر قطاع غزة ومحيطه بعد إعلان الفصائل الفلسطينية التوصل إلى هدنة لم تؤكدها إسرائيل. وقطع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو زيارته لواشنطن واستأنف اجتماعات أمنية في القدس.
حركة حماس تواجه احتجاجات شعبية يقودها مواطنون في القطاع منذ 14 أذار/مارس تحت شعار "بدنا نعيش"، بسبب تردي ظروفهم المعيشية. وفي إسرائيل تزداد سخونة السباق الانتخابي بين نتانياهو ومنافسيه الذين سيتواجهون الشهر المقبل. فهل التصعيد يصب في مصلحة الطرفين؟
يطمح حزب رئيس الأركان الإسرائيلي السابق ورئيس قائمة "أزرق-أبيض" بيني غانتس بأن يطيح برئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، زعيم حزب الليكود ويظفر بمنصب رئاسة الحكومة.
وكتب غانتس تغريدة انتقد فيها نتانياهو قائلا: "أولئك الذين لا يردون بقوة وحزم، ويدفعون الثمن لحركة حماس على هجماتها على سكان الجنوب ويقللون من شأن الهجوم على تل أبيب يتلقون الآن الصواريخ في مرتفعات الشارون".
وكان غانتس يشير بذلك إلى إعلان إسرائيل الأسبوع الماضي، بأن الصاروخين اللذين سقطا على مدينة تل أبيب منتصف الشهر الجاري، انطلقا بالخطأ من قطاع غزة.
وأشار غانتس إلى نتانياهو بالقول: "هل سيكتفي (نتنياهو) بإعلان خطأ حماس أم أنه سيركز على أمن مواطني الدولة أخيرا، وليس على شؤونه القانونية؟"، وقصد غانتس بذلك تهم الفساد الموجهة ضده.
يقف نتنياهو أمام خيارين صعبين، إما توسيع الضربات العسكرية على القطاع، أو احتواء الأزمة وإنهائها سريعا، حتى لا تتدهور الأوضاع إلى عواقب قد تؤثر على حظوظه في الانتخابات القادمة.
الانتخابات تحسم
الدكتور عساف دافيد، المدير الأكاديمي لمنتدى التفكير الإقليمي، يعتقد أنه لا مصلحة لإسرائيل بالهجوم على غزة الآن، وأن الغارات الجوية الإسرائيلية جاءت في سياق الرد على الصواريخ التي انطلقت من قطاع غزة.
"إسرائيل الآن والحزب الحاكم (الليكود) على عتبة الانتخابات، ولا نية لشن هجوم على قطاع غزة"، يضيف دافيد لـ"موقع الحرة".
وبشأن موقف أحزاب الوسط المتمثلة في تحالف "أزرق- أبيض" بقيادة غانتس الداعية إلى شن حرب على غزة، فيرى دافيد أنها "مجرد دعاية انتخابية ليس أكثر، فالكل يعرف أن الحل في غزة سياسي وليس عسكريا".
"هذه مأساة الوسط السياسي الإسرائيلي، فأحزاب الوسط في إسرائيل تحرض على هجوم عسكري على غزة أو الضفة أكثر من أحزاب اليمين"، يقول الباحث الإسرائيلي.
وأضاف دافيد لـ"موقع الحرة": "يُستبعد أن يقدم نتانياهو الآن على حملة عسكرية موسعة على قطاع غزة، خاصة وأن المؤسسة الأمنية لا تدفع في هذا الاتجاه، وأن الكل يعتقد في الحل السياسي بخصوص غزة".
ويتوقع دافيد أنه في حال اندلاع معركة شاملة ستكون العواقب وخيمة على الطرفين، وأن من سيتحمل التكلفة الأكبر هم المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وبحسب دافيد فإنه "يطرح الآن في الداخل الإسرائيلي وداخل أروقة حزب الليكود، خيارات تخفيف الحصار على قطاع غزة، بما في ذلك السماح بإنشاءات على سواحل القطاع".
حماس تناور
يعتقد الدكتور عماد ابو رحمة، الباحث السياسي الفلسطيني والمستشار بمركز مسارات في قطاع غزة، أن "حماس ليس لها مصلحة، ولا تسعى لمواجهة شاملة مع إسرائيل، لأنها تدرك بأن تكلفتها ستكون باهظة عليها وعلى قطاع غزة".
ويرى أبو رحمة الذي تحدث لـ"موقع الحرة" أن حماس "تناور بأدوات مثل مسيرات العودة والتصعيد العسكري المحسوب، لدفع حكومة نتانياهو لقبول تهدىه مقابل إجراءات لرفع أو تخفيف الحصار لأقصى مدى ممكن".
ويشير إلى أن حماس "تحاول توظيف الانتخابات الإسرائيلية وحرص نتانياهو على عدم الانجرار لمواجهة عسكرية شاملة في هذا التوقيت، للضغط عليه كي يستجيب لجهود الوساطة المصرية والأمنية للتهدئة وقبول شروطها أو غالبيتها".
"المواجهة مع إسرائيل تساهم ضمنا، في إخماد الاحتجاجات الداخلية على الظروف المعيشية الصعبة (في غزة). لكني لا أظن أن ذلك يمثل هدفا رئيسيا لحماس من وراء التصعيد، لأنها عمليا نجحت في قمع الحراك الشعبي بوسائل العنف والترهيب"، يقول أبو رحمة.
وكان المحتجون في غزة قد خرجوا يوم 14 أذار/مارس للمطالبة بإلغاء الضرائب والرسوم الجمركية على السلع التموينية الأساسية في القطاع، إذ تسببت السياسات الضريبية الجديدة التي فرضتها الحكومة التابعة لحركة حماس مؤخرا في ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير.
ويسجل قطاع غزة معدلات كبيرة في الفقر التي وصلت إلى 80 في المئة حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. فيما تشير الإحصاءات إلى ارتفاع نسبة البطالة في غزة إلى 52 بالمئة، وبين خريجي الجامعات إلى 73 بالمئة.
ويضيف أبو رحمة أن هدف حماس الرئيسي هو "تحقيق هدنة وتخفيف أو رفع الحصار الإسرائيلي، بما يمنع انهيار قطاع غزة وفي نفس الوقت تحافظ على حكمها له".
ويرجح أبو رحمة أن لا تقع حرب شاملة في هذا الوقت، نظرا لسوء عواقبها على كلا الطرفين، خاصة الفلسطيني.
"نتائجها ستكون كارثية على قطاع غزة وحماس أيضا، في ظل استمرار الحصار وتحكم إسرائيل بمصير قطاع غزة، مما سيفاقم المشكلات والأعباء التي تواجهها حماس التي تحكم غزة وتجعل القطاع عرضة للانهيار. إلى جانب الضرر الذي سيلحق ببنية حماس العسكرية والقيادية"، يضيف أبو رحمة.
ويرى أبو رحمة أن الحرب لن تكون نزهة بالنسبة لإسرائيل أيضا بل ستكون تكلفتها باهظة، خاصة وأنها تدرك بأن الفصائل الفلسطينية قد طورت قدراتها العسكرية خلال السنوات الماضية. في حين أن نتانياهو يضع أولوياته في الجبهة الشمالية ومواجهة المد الإيراني.
ويتوقع الباحث الفلسطيني أن تسعى كل الأطراف لاحتواء الموقف بما يحفظ ماء الوجه، ويمنع تطور الأحداث لحرب شاملة. لكنه يرى أن "عوامل الانفجار ستظل قائمة، ما دامت غزة محاصرة".
اقرا أيضا: إلى أين تمضي الاحتجاجات في قطاع غزة؟
أمن سيناء أولا
نجحت وساطة القاهرة في تحقيق وقف إطلاق نار مساء الاثنين، بين إسرائيل والحركات المسلحة في غزة، وفق ما أفادت به مصادر فلسطينية.
وتأتي الجهود المصرية في إطار سعي القاهرة الدائم لمنع وقوع حرب أخرى فى غزة قد تعرقل جهودها الدبلوماسية بشأن التوصل لمصالحة بين فتح وحماس، وفق ما يعتقد المحلل السياسي المصري، والباحث فى الدراسات الأمنية وشؤون الشرق الأوسط، أحمد الباز.
ويقول الباز لـ"موقع الحرة" إن "مصلحة مصر أيضا من وراء التوسط لتحقيق هدنة طويلة بين الجانبين، هو تركيز القاهرة على إحلال السلم والأمن في سيناء، وهو الأمر الذي يتضمن تعاونا مع الأجهزة الأمنية في غزة".
وأضاف الباز أنه "فى ظل الحصار الذى تفرضه إسرائيل على قطاع غزة.. فإن مصر تستخدم معبر رفح الذى يعتبر نافذة القطاع على العالم، كأداة ضغط على الأجهزة الأمنية فى قطاع غزة لسببين، الأول هو الدفع بأجهزة غزة الأمنية لتوفير كل المعلومات الممكنة عن شخصيات متطرفة قد تكون قد لجأت إلى رفح الفلسطينية أو غزة، إذ تضع المخابرات المصرية افتراضا بأن غزة قد أصبحت نقطة وثوب ومساندة للتنظيمات المتطرفة نحو سيناء".
والسبب الثاني بحسب الباز هو أن "حماس تعلم أنه في حال عدم تجاوبها مع الجانب المصرى فإن المساعدات التى تقدمها مصر للقطاع ستتوقف، فمصر على سبيل المثال تقدم للقطاع نحو 23 ميغا وات من الكهرباء، بخلاف المساعدات الأخرى".
"يمكن تفسير التعامل المصرى فى قطاع غزة بأنه يرتكز على أسس واقعية، فمصر تعلم مدى سيطرة حركة حماس على القطاع، لذلك لم يكن هناك حل إلا بمسار مفتوح بين القاهرة وحماس، رغم موقف الحكومة المصرية فى الداخل المعادي لجماعة الإخوان المسلمين"، يقول الباز.