استقبال رسمي وشعبي لهولاند
استقبال رسمي وشعبي لهولاند

وصل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الأربعاء إلى مطار هواري بومدين بالجزائر في زيارة دولة تستمر 36  ساعة، تهدف إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.

وكان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في استقبال الرئيس الفرنسي ورفيقته فاليري تريفيلير على أرض المطار.

ويرافق هولاند وفد هو الأكبر الذي يغادر معه إلى الخارج منذ توليه مهامه في مايو/أيار ويضم حوالي 200  شخص بينهم تسعة وزراء و 12 مسؤولا سياسيا و40 من رجال الأعمال وكتاب وفنانون وحوالي مائة صحافي.

وقال الناطق الدبلوماسي باسم قصر الاليزيه رومان نادال إن "ذلك يدل على الأهمية السياسية لكن أيضا الرمزية والاقتصادية التي يوليها رئيس الجمهورية لهذه الزيارة".

وينتطر أن يصدر الرئيسان الجزائري والفرنسي مساء الأربعاء "بيانا مشتركا" يفتح الطريق لتعاون بين البلدين في جميع المجالات.

كما سيحضر الرئيسان حفل "التوقيع على ثماني اتفاقيات تخص قطاعات الدفاع والصناعة والزراعة والثقافة والتعليم"، كما أوضح رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال.

وأهم اتفاقية ستكون عقد إنشاء مصنع لسيارات رينو في مدينة وادي تليلات بوهران الذي يتم التفاوض حوله منذ عدة شهور. وينتطر أن ينتج المصنع ابتداء من 2014  ما لا يقل عن 25  ألف سيارة سنويا.

ويلقي هولاند صباح الخميس خطابا رسميا أمام البرلمان المجتمع بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، من المتوقع أن يقدم فيه "نظرة عقلانية" لمرحلة الاستعمار الفرنسي للجزائر التي دامت  132 سنة.

وظهر الخميس ينتقل هولاند إلى تلمسان للقاء طلاب جامعة أبو بكر بلقايد ويتلقى فيها شهادة دكتوراه شرفية.

طي صفحة الماضي

وذكرت تقارير إعلامية أن الرئيسين سيعملان على طي صفحة الماضي الذي عرف تجاذبات في العلاقات بين البلدين في الفترة الأخيرة، وذلك من خلال "إعلان مشترك" في حال عدم التوصل إلى اتفاقية صداقة.

وقال الرئيس الجزائري في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية إن الجزائر تريد "علاقة قوية وحيوية مع فرنسا"، فيما ترغب باريس في هذه المناسبة في استئناف "حوار سياسي حول التحديات الدولية الكبرى" بدءا بمالي.

وترغب فرنسا في الحصول على دعم الجزائر لتدخل دولي في شمال مالي الخاضع لسيطرة الإسلاميين.

وأمام مجلسي البرلمان الجزائري، يعتزم الرئيس هولاند الذي يعرف جيدا الجزائر، حيث أمضى فترة تدرب حين كان في "معهد الإدارة العليا" عام  1978 الخميس التطرق إلى ماضي العلاقات، بعد 132  عاما من الاستيطان الفرنسي وحرب الاستقلال الدموية.

وكان هولاند قد قام بأول خطواته في هذا المجال في الخريف حين اعترف بـ "القمع الدموي" الذي قامت به الشرطة الفرنسية لتظاهرة  17 أكتوبر/تشرين الأول1961 والذي أوقع عشرات القتلى في باريس في صفوف المتظاهرين الجزائريين. وقال إن "التاريخ يجب أن يستخدم لبناء المستقبل وليس لوقفه".

رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق
رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق

تشتد وتيرة التصعيد الإعلامي بين الجزائر وفرنسا منذ اعتقال الكاتب بوعلام صنصال في السادس عشر من نوفمبر الماضي بالمطار الدولي هواري بومدين.

ولم يصدر عن السلطات الجزائرية موقف رسمي عن اعتقال صنصال أو التهم الموجهة له، إلا أن رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري)، إبراهيم بوغالي، هاجم "انخراط البرلمان الأوروبي، وبعض الدوائر السياسية والإعلامية الفرنسية، في محاولة للتدخل في الشأن الداخلي للجزائري" على خلفية هذه القضية.

واعتبر بوغالي، خلال اجتماع لمكتب المجلس الأحد الماضي، هذه التطورات "ممارسة مفضوحة لصرف الأنظار عن الانتهاكات الحقيقية لحقوق الإنسان والقانون الدولي"، وذلك ردا على نقاش نظمه البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي حول اعتقال صنصال وبحث إصدار لائحة تطالب بالإفراج عنه.

وقال المتحدث إن "يد القانون ستطال كل من تسول له نفسه محاولة المساس بأمن واستقرار الجزائر"، كما سبق لوكالة الأنباء الجزائرية أن نشرت تعليقا أكدت فيه اعتقال صنصال، وهاجمت بشدة الحكومة واليمين الفرنسي على مطالبهما بالإفراج عنه.

وشهد النقاش حول اعتقال الكاتب صنصال حضورا قويا في وسائل الإعلام الفرنسية، بعد أن عبرت دوائر مقربة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن انشغال ماكرون بالقضية، كما دعت شخصيات من اليمين الفرنسي الجزائر إلى الإفراج عنه.

ولم تغب قضايا الذاكرة والتاريخ عن الجدل الجزائري الفرنسي، على خلفيات تصريحات صنصال لقناة فرنسية في أكتوبر الماضي بشأن "مغربية وهران ومعسكر وتلمسان".

وفيما تحاول وسائل إعلام فرنسية إبراز الجانب الحقوقي من القضية، ترى أوساط جزائرية أن الحملة تحكمها خلفيات اقتصادية وسياسية.

الذاكرة والصحراء الغربية

وتعليقا على الخلفيات الحقيقية التي تحكم التصعيد الأخير في العلاقات بين البلدين، يشير أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إدريس عطية، إلى أن موضوعين أساسيين برزا ضمن التوتر الأخير، ويتعلق الأمر بـ "ملف الذاكرة، وقضية الصحراء الغربية".

ويوضح إدريس عطية أن الرئيس الفرنسي و"في خضم الجدل حول قضية صنصال، كلف سفيره في الجزائر للوقوف أمام ضريح المقاوم الجزائري العربي بن مهيدي".

وزار السفير ستيفان روماتيه قبر أحد مفجري الثورة الجزائرية، وهو العربي بن مهيدي، بعد 19 يوماً من اعتراف الرئيس إيمانويل ماكرون باغتياله خلال حرب التحرير "على يد جنود فرنسيين"، وأقل من أسبوع على اعتقال صنصال، إلا أن ذلك لم يؤد إلى تهدئة التصعيد.

ويفسر عطية فشل خطوة ماكرون لرأب الصدع بين البلدين، في حديثه لـ"الحرة، بكون الجزائر تعتبر موقفه اتجاه الصحراء الغربية "خيانة لها، عندما انحاز لمقاربة المغرب وتخليه عن سياسة التوازن بينهما، فضلا عن الدور الديبلوماسي السابق لبلاده في مجلس الأمن الدولي لصالح التهدئة".

وكان الرئيس الفرنسي أعلن في يوليو الماضي، بمناسبة عيد العرش المغربي، أن بلاده تعتبر أن "حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية"، وأدى ذلك بالجزائر إلى سحب سفيرها من باريس.

اليمين و"مواجع التاريخ"

ومن جهته، يرى المحلل السياسي، توفيق بوقاعدة، أن اعتقال صنصال "فتح كل الملفات دفعة واحدة"، مشيرا إلى أن القضاء "كان مضطرا" لاعتقال الكاتب في إطار تصريح جديد تداولته وسائل إعلام لأول مرة في أكتوبر الماضي حول "سيادة ووحدة التراب الوطني".

ويشير بوقاعدة لـ "الحرة" إلى أن الجزائر "التزمت الصمت بعد توقيفها لصنصال، ولم تقم بأي تصعيد أو استغلال لموقف هذا الأخير من الوحدة الوطنية"، إلا أن اليمين الفرنسي "استغل الحادثة لقلب مواجع التاريخ والعلاقات السياسية بين البلدين وأخرج أسوأ ما فيه".

وبرأي المتحدث فإن اليمين الفرنسي هو من "حرك أحجار القضية، ليهاجم الجزائر"، واعتبر  أن صانع القرار "ذهب بعيدا هو الآخر"، في إشارة إلى قرار السلطات القضائية الجزائرية اعتقال صنصال.

 وتوقع المحلل السياسي أن "تطول حلقات الخلاف بين البلدين هذه المرة بحكم الدوافع التاريخية والسياسية التي تسيطر على اليمين بفرنسا".