مواجهات غير مسبوقة في الجزائر

​​لأول مرة منذ انطلاق الاحتجاجات في الجزائر في 22 شباط/فبراير، شهدت العاصمة الجمعة مواجهات غير مسبوقة بين المحتجين وقوات الأمن.

وأعلنت الشرطة الجزائرية اعتقال 108 أشخاص في احتجاجات اليوم بعد اشتباكات أسفرت عن إصابة 27 من رجال الأمن.

وأظهرت صور نقلتها قناة "الحرة" مباشرة من وسط العاصمة استخداما مكثفا للغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين.

وقال مراسل "الحرة" إن المتظاهرين بدأوا بالعودة إلى ساحة البريد المركزي، رمز الاحتجاجات السلمية في البلاد ومقصد المتظاهرين لأسابيع. 

ونقلت كاميرا "الحرة" صورا لعناصر في الحماية المدنية وهم يقدمون إسعافات أولية لمتظاهرين يبدو أنهم أصيبوا في المواجهات.

تحديث  11:52 ت.غ

استخدمت الشرطة الجزائرية الجمعة خراطيم المياه الساخنة لتفريق متظاهرين احتشدوا وسط العاصمة منذ الساعات الأولى من نهار الجمعة.

​​​​ورغم صعوبة الموقف، إلا أن قادة الحراك حاولوا الحفاظ على سلمية المظاهرات، بل منهم من حث المتظاهرين على "عدم أخذ الموضوع على محمل الجد"، وفق ياسين بن عبدلي، واحد من مؤطري الحراك.

"من المتظاهرين من تعامل مع الموقف بطرافة"، يقول ياسين.

"هناك من أحضر معه لوازم الاستحمام حتى يستفيد من المياه الساخنة" يؤكد الرجل ثم يردف قائلا "حتى رجال الشرطة أضحكهم الموقف".​​

​​ولم تنجح سلسة الحواجز التي نصبتها مديرية الأمن منذ أمس الخميس على حمل المتظاهرين القادمين من ولايات أخرى للعدول عن فكرة القدوم إلى العاصمة للمشاركة في مظاهرات اليوم.

وعبر مواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي عن تخوفهم من الانزلاقات التي قد تجر المظاهرات إلى سياق غير محمود وتفقد الحراك الشعبي السلمية التي اتسم بها منذ انطلاقه قبل نحو شهر ونصف بسبب استخدام الشرطة لخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع في بعض النقاط بالعاصمة.

​​المتظاهرون عبروا اليوم عن عدم قبولهم لخطط السلطة المتعلقة بالمرحلة الانتقالية، وأكدوا رفضهم المشاركة في انتخابات تنظمها شخصيات رافقت بوتفليقة خلال فترة حكمه، على غرار الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح ورئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب وكذا نور الدين بدوي الوزير الأول الذي شغل منصب وزير الداخلية لسنوات خلال حكم بوتفليقة.

 

تحديث (15:25 ت غ)

توافد الجزائريون منذ الساعات الأولى لنهار الجمعة بأعداد كبيرة على الساحات العمومية بالعاصمة تحسبا للمسيرات الشعبية المزمع انطلاقها بعد صلاة الجمعة.

الجمعة الثامنة هذه، أرادها الجزائريون ردا على تنصيب رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا للدولة وإقراره تاريخ 4 تموز/ يوليو موعدا لإجراء الانتخابات الرئاسية.

​​وينتظر أن تستقطب مسيرات اليوم أعدادا كبيرة رغم الطوق الأمني المشدد على جميع مداخل العاصمة، والتواجد الكبير لعناصر الشرطة في الممرات الرئيسية وسطها. 

​​وتتناقل صفحات فيسبوكية منذ الصباح صورا لاختناق مروري وصفه البعض بغير المسبوق للطريق السيار المؤدي للعاصمة الجزائر والذي يربطها بولايات الغرب والشرق.

معلقون قالوا إن "هناك نية في إجهاض مليونية الجمعة الثامنة".

​​لكن تصريحات بعض المواطنين ممن اصطفوا الجمعة أمام البريد المركزي والتي نقلتها قنوات خاصة تؤكد "عزم الجزائريين على إيصال كلمتهم والتعبير عن رفضهم لخطة الانتقال السياسي التي تعرضها السلطة بناء على الدستور".

طوق أمني مشدد أمام البريد المركزي بالجزائر العاصمة

​​ولدى وصولهم إلى ساحة البريد المركزي، حيث يتجمعون صباح كل جمعة قبل الانطلاق في المسيرات، وجد المتظاهرون تجمعا لرجال الأمن في انتظارهم على درج مقر البريد، لكنهم نجحوا في "احتلال" المكان بعد أن تضاعف عددهم في حدود الساعة الحادية عشرة بتوقيت الجزائر (10 صباحا بتوقيت غرينيتش).

​​المتظاهرون بحسب اللافتات التي رفعت اليوم، يؤكدون إصرارهم على مطالبهم التي رفعوها منذ انطلاق الحراك في 22 شباط/ فبراير الماضي والمتعلقة أساسا بضرورة رحيل النظام بجميع رموزه.

هدفهم اليوم بحسب أحدهم "عبد القادر بن صالح ومن نصبه وصيا على الجزائريين دون وجه حق".

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.