قصر المرادية- مقر الرئاسة الجزائرية
قصر المرادية- مقر الرئاسة الجزائرية

أكد الأمين العام لرئاسة الجمهورية الجزائرية، نور الدين عيادي، أن "السلطات العمومية" اختارت المسار الانتخابي من بين جملة من الخيارات لإدارة المرحلة الانتقالية أمام حالة انسداد الأفق، التي خلفتها استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة تحت ضغط الحراك الشعبي المستمر منذ 22 فبراير الماضي.

نور الدين عيادي، أكد في حوار مع وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، أن خيار الانتخابات الرئاسية "أكثر أمانا وعقلانية" ويعد بداية فعلية "لمسار تجديد مؤسساتي وسياسي".

​​في المقابل، وصف الرجل خيار المرحلة الانتقالية الذي تنادي به فعاليات سياسية بـ " النظام المُرتجل والمعرّض لتهديدات موازين القوى المتذبذبة التي تفسح المجال أمام الفوضى والمغامرة".

وبحسب عيادي، فإن اعتماد مرحلة انتقالية دون تنظيم انتخابات رئاسية كما يدعو إليها الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح يفتح المجال لـ "التدخلات الأجنبية بشتى أنواعها، مع ما تحمله من مخاطر وتهديدات لأمن الدولة، في سياق جيو - سياسي مضطرب ومحفوف بالمخاطر".

إلى ذلك، طالب نور الدين عيادي، بإبعاد الجيش عن أي اعتبارات سياسية، في إشارة إلى الأطراف التي دعت لإشراك الجيش في عملية الانتقال السياسي، وضرورة مشاركته في الحوار الشامل، واصفا ذلك بـ "الفخ".

​​وقال في الصدد، إن "الذين يطالبون بإشراك جيشنا في الحوار السياسي، يدركون الفخ الذي ينصَب له في حال أذعن لهم".

وتابع مثمنا دور الجيش في "تسيير" مرحلة ما بعد بوتفليقة "جيشنا جمهوري ووطني ويعرف مهامه الدستورية، ويتصرف على هذا الأساس لحماية بلدنا من كل المخاطر المحدقة بنا".

وفي قراءة أولية لتصريحات الأمين العام لرئاسة الجمهورية، لفت الأستاذ بكلية العلوم السياسية والإعلام بالجزائر، بلقاسمي عثمان إلى أن الجيش يريد النأي بنفسه عن الواجهة السياسية للبلاد وليس عن السياسة في حد ذاتها.

وفي اتصال مع "موقع الحرة" أوضح بلقاسمي أن الضغط يتزايد على المؤسسة العسكرية في ظل غياب واجهة "شرعية" تبرر من خلالها تسييرها للبلاد.

وذكر المتحدث في السياق بأن الجزائر، على غرار كثير من الدول العربية، تسيّر من طرف الجيش، لكن بصفة مستترة،  لا تورط المؤسسة العسكرية مباشرة.

"منذ رحيل بوتفليقة، والجيش يبحث على خليفة له، للتستر وراءه، لكن استماتة الحراك الشعبي في رفض ذلك، أصبح يحرج الجيش وقايد صالح على وجه الخصوص"، يؤكد بلقاسمي.

مظاهرات الجزائر
الجمعة 22 بالجزائر.. هل يزكي الحراك غزل السلطة والمعارضة؟
يخرج الجزائريون اليوم الجمعة للأسبوع الثاني والعشرين منذ بدء الحراك في 22 فبراير الماضي، وسط محاولات لإيجاد مخرج لحالة الانسداد التي تعيشها البلاد منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وعدم اتفاق الشعب والسلطة، على آليات الانتقال السياسي.

​​يذكر أن سعي الجيش للنأي بنفسه عن الأحداث الجارية في الجزائر، ظهر جليا من خلال "ترك" مهمة إقصاء بعض أذرعه من طرف الرئاسة المؤقتة، التي يصفها بلقاسمي بأنها "واجهة مؤقتة لا شرعية".

فبن صالح، وعلى غير العادة، أعلن إنهاء مهام قادة عسكريين في أربع نواحي عسكرية حسب ما جاء في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، وهو ما يصفه، القانوني نور الدين بحيري بـ "الإشارة القوية" للمنتقدين لمؤسسة الرئاسة المؤقتة والجيش سويا.

بحيري يرى أن الجيش يحاول جهده مرافقة الحراك ولا يسعى لتسيير المرحلة الانتقالية، ودليله في ذلك هو "نداؤه المستمر للفعاليات السياسية في تنظيم نفسها ضمن حوار شامل سياسي واجتماعي يحقق أرضية إجماع تحميها المؤسسة العسكرية".

​​وفي مقابلة مع "الحرة" قال بحيري إن "الذين يشككون في حياد الجيش، هم أنفسهم من دعاه للمشاركة في الحوار الشامل"، مضيفا أن الجيش استطاع حماية الحراك تماما كما تعهد به قايد صالح قبل ستة أشهر.

"يجب الاعتبار مما جرى في الجزائر سنوات التسعينيات، ومما يجري الآن في السودان، يجب عدم إقحام الجيش في السياسية" يلحّ بحيري.

​​يذكر أن حزب جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في الجزائر، انتقد تصريحات الأمين العام للرئاسة، واصفا إياه بـ "الموظف" الذي يريد تطبيق سياسة الأمر الواقع على الجزائريين بفرض الحل "أحادي الجانب" والمتمثل في الانتخابات الرئاسية.

وجاء في بيان للحزب، الأربعاء "هذا الحل الأحادي، يهدف إلى إطالة عمر النظام، وإرساخ تغيير داخل النظام فقط... السلطة تستعمل كل أشكال القمع والاضطهاد، بهدف إجهاض وتفكيك الثورة الشعبية السلمية".

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.