جانب من الاحتجاجات في الجزائر
جانب من الاحتجاجات في الجزائر

عقدت الأربعاء، اللجنة السياسية للهيئة الوطنية للحوار والوساطة بالجزائر، أول اجتماع لها مع بعض ممثلي الحراك الشعبي.

وأوردت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أن المجتمعين خلصوا إلى "ضرورة تنظيم انتخابات رئاسية في القريب العاجل دون الحاجة الى مرحلة انتقالية أثبتت عدم نجاعتها خلال سنوات التسعينات".

وموضوع الانتخابات الرئاسية ظل "حجر عثرة" أمام تحقيق التوافق في الرؤى بين الشباب المتظاهر والمؤسسة العسكرية التي تدير مرحلة ما بعد عبد العزيز بوتفليقة بطريقة غير مباشرة.

وخرج مئات الآلاف من الجزائريين الجمعة بمناسبة الأسبوع الرابع والعشرين للحراك رافضين تنظيم انتخابات رئاسية حتى "رحيل جميع رموز نظام بوتفليقة".

يذكر أن الرئاسة المؤقتة عادت، كما ينص الدستور، لرئيس مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان) عبد القادر بن صالح الذي كان من المقربين من بوتفليقة طيلة عشرين سنة، وعليه تقع مهمة تنظيم الانتخابات، وهو ما يرفضه الجزائريون.

ويؤكد قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح على ضرورة التعجيل بانتخاب رئيس جديد "لئلا تتهم المؤسسة العسكرية بانقلاب عسكري على رئيس منتخب".

ووسط إجماع من قبل الحراك على رفض مقترح التعجيل بتنظيم الانتخابات الرئاسية على مواقع التواصل الاجتماعي، يشكك مراقبون في جدوى الحوار.

وترفض بعض أطراف الحراك الحوار مع السلطة، "وهو ما يطرح مشكلة حول تمثيل الحراك، أو مع من تتحاور السلطة؟" بحسب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر، بلقاسمي عثمان.

ويرى بلقاسمي أن طرح سؤال حول جدوى الحوار أمر لا بد منه في هذه المرحلة، إذ أن الحوار من أجل الحوار لن يجدي نفعا ما دام هناك تعنت على المواقف من طرف الجانبين.

وفي حديث لـ "موقع الحرة" يلفت بلقاسمي إلى تصريحات القائم على لجنة الحوار كريم يونس والتي تدل على أنه في "موقف دفاعي" طيلة الوقت، وهو مؤشر، وفقه إلى فشل هذه المبادرة الأولى.

وأكد يونس في تصريحات مختلفة، أنه لا ينوي تمثيل الحراك ولا السلطة، إنما نيته "خدمة الجزائر فقط".

كريم يونس قال كذلك إنه "ليس مبعوثا للسلطة" في رده على المنتقدين لقبوله دور الوساطة في ظل رفض الشارع لأي حوار مع السلطة.

من جانبه يرى ياسين بن عبدلي، وأحد من قادة الحراك بالعاصمة، أن ما يصفه بـ "مسرحية الحوار" ستخدم الحراك أكثر مما تضره.

جانب من الاحتجاجات في الجزائر
المحتجون في الجزائر يلوحون بالعصيان المدني
احتشد المتظاهرون بكثافة في الجزائر العاصمة، الجمعة، للمشاركة في التظاهرة الـ24 على التوالي، ودعوا للمرة الأولى إلى "العصيان المدني" في أعقاب رفض الجيش مطالب "إجراءات التهدئة" وحفاظ القوات الأمنية على انتشارها الكبير على هامش التحركات الاحتجاجية.

​​وفي مقابلة مع "موقع الحرة" ذكّر بن عبدلي بالشعارات التي رفعها الشباب خلال الجمعة الأخيرة والتي تجمع كلها على ضرورة المرور إلى "السرعة الثانية" على حد وصفه والمتمثلة في العصيان المدني.

"هل هناك دليل أقوى من هذا يؤكد على أن السلطة لا تحاور شباب الحراك بل تحاور من اختارته هي ليقبل بشروطها؟" يلفت بن عبدلي.

ويضيف أن الحوار الذي ينبني على إرادة مسبقة ونية مبيتة مصيره الفشل، لذلك يعتبر أنه "من غير المجدي التحاور الآن ... الحوار الوحيد معهم هو كيفية رحيلهم جميعا".​

وحظيت مساعي الحوار التي تقودها اللجنة السياسية للهيئة الوطنية للحوار والوساطة بالجزائر، حظيت بمباركة بعض الأحزاب السياسية وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني.

تشهد دول منطقة الساحل هجمات متزايدة للجماعات الإرهابية
تشهد دول منطقة الساحل هجمات متزايدة للجماعات الإرهابية

تجدد الحديث عن خطر الجماعات الإرهابية المسلحة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى إلى الواجهة، عقب إعلان الجيش الجزائري عن تحرير سائح إسباني من قبضة جماعة مسلحة، كما جاء ذلك بعد فترة من انسحاب القوات الأميركية من قاعدة رئيسية للطائرات المسيرة قرب مدينة أغاديز الصحراوية، بطلب من حكومة النيجر، مقابل ظهور مرتزقة فاغنر الروسية التي تحاول التمدد في الساحل الأفريقي بتقديم خدماتها لحكومات من دول المنطقة.

وتمكنت المصالح الأمنية للجيش الجزائري، الثلاثاء، من تحرير الرعية الإسباني، نفارو كندا جواكيم، الذي تم اختطافه من قبل مجموعة مسلحة في منطقة الساحل منتصف الشهر الجاري.

وحسب بيان لوزارة الدفاع الجزائرية فإن الرعية الإسباني كان في رحلة سياحية حين تعرض للاختطاف من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد بتاريخ 14 يناير الجاري على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة.

ونقل السائح الإسباني على متن طائرة عسكرية من جنوب البلاد إلى القاعدة العسكرية لبوفاريك (شمال) قبل تسليمه لسطات بلاده.

كما شهدت المنطقة الجنوبية للجزائر، مقتل سائحة سويسرية، في 11أكتوبر 2024، بمدينة جانت، عندما هاجمها رجل بسكين خلال وجودها في أحد المقاهي وأقدم على ذبحها أمام أطفالها، وهو يصرخ "الله أكبر"، وفق ما أوردته وكالة فرانس براس.

وتشهد منطقة الساحل توترات أمنية على خلفية عدم الاستقرار الذي أعقب سلسلة من الانقلابات العسكرية، ومقابل انسحاب القوات الفرنسية والأميركية من المنطقة، ظهرت مجموعة فاغنر الروسية في المشهد الأمني لدعم وترسيخ حكم العسكريين في مالي والنيجر وبوركينافاسو.

ويُقصد بالساحل الأفريقي "الحزام الفاصل بين الصحراء والمناطق الجنوبية الخصبة والكثيفة بغابات السافانا، ويُغَطِّي أجزاءً من شمال السنغال، وجنوب موريتانيا، ووسط مالي، وشمال بوركينا فاسو، وأقصى جنوب الجزائر، والنيجر، وأقصى شمال نيجيريا، وأقصى شمال الكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ووسط تشاد ووسط وجنوب السودان وأقصى شمال جنوب السودان وإريتريا وأقصى شمال إثيوبيا، وفق تعريف للمركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات.

وساهم قيام مجموعة فاغنر بقيادة المواجهات بين الجيش المالي وجماعات الطوارق المتمردة على باماكو في موجة من التصعيد الأمني والعسكري بمنطقة "تين زواتين" على الحدود الجزائرية المالية، وتكبدت فاغنر في يوليو 2024 خسائر بشرية ومادية كبيرة أثناء تلك المعارك المسلحة، قبل أن تعاود قوات مالية الهجوم على الطوارق في أغسطس 2024 وتكبدهم خسائر بشرية.

جماعات متشددة "تدير أقاليم في أفريقيا"

ومع تزايد المواجهات تستغل الجماعات الإرهابية والمسلحة الناشطة في تهريب السلاح والبشر والمخدرات حالة التصعيد لتوسيع نطاق تواجدها، ويرى وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أن "بؤرة الإرهاب العالمي انتقلت إلى منطقة الساحل الصحراوي، التي أصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم".

وأثناء جلسة لمجلس الأمن الدولي الأسبوع الجاري، ترأستها الجزائر، ذكر عطاف أن أفريقيا قد "تعرضت خلال الأشهر التسعة الأولى فقط من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص".

وتحدث عطاف عن "جماعات إرهابية تسيطر على مناطق جغرافية شاسعة، تصل إلى أكثر من 60 بالمئة من الأقاليم الوطنية لبعض دول المنطقة وتشرف على إدارتها كسلطات أمر واقع"، مضيفا أن "جماعات إرهابية تستخدم التكنولوجيات الجديدة والابتكارات المالية التي تجعل من شبكات أعمالها معقدة وصعبة الترصد".

وتعليقا على الواقع الجديد الذي تسعى هذه الجماعات لتكريسه، يرى الكاتب والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، عبد القادر حريشان، أن منطقة الساحل تمر "بتحولات عميقة وخطيرة في آن واحد، بسبب التغييرات التي طرأت على بعض أنظمتها بشكل عنيف".

ويشير حريشان في حديثه لـ "الحرة" إلى أن التحولات التي مست أنظمة في العديد من دول الجوار، بما في ذلك التي أعقبت الربيع العربي، "زادت من هشاشة الأوضاع الأمنية، وعززت من تواجد الجماعات المتشددة" التي تنشط بشكل لافت في جنوب الصحراء الكبرى والساحل.

واستدعى ذلك وفق المتحدث "تعزيز" الجزائر لتواجدها الأمني على طول الحدود الجنوبية والشرقية بصفة خاصة، و"تكثيف" التعاون الأمني مع عدة شركاء، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، "بغرض تشديد الخناق على تلك الجماعات".

ووقعت الجزائر، الأربعاء الماضي، مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة بين نائب وزير الدفاع الجزائري، السعيد شنقريحة، وقائد القيادة الأميركية في أفريقيا، مايكل لانغلي "تركز على التعاون العسكري"، الذي قال في تصريح له إنه وقع رفقة شنقريحة على مذكرة تفاهم "تؤسس لجميع الأهداف الأمنية التي تجمع البلدين".

"انسحاب" القوات الدولية

ومن العاصمة المالية باماكو يؤكد الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد ويس المهري، أن الوضع في منطقة الساحل يشهد "تفاقما كبير من الناحية الأمنية وتمدد الجماعات الجهادية المتمثلة في تنظيم القاعدة وداعش"، في ظل تطورات داخلية وخارجية كبيرة في المنطقة.

ويرجع محمد ويس المهري هذه التطورات إلى "انسحاب القوات الدولية في مقدمتها الأميركية التي كانت تستهدف نشاط هذه الجماعات انطلاقا من قاعدتها في النيجر"، مضيفا في حديثه لـ "الحرة" أن الاختطاف والمطالبة بالفدية أصبحت "تجارة رائجة" لدى هذه الجماعات لتمويل عملياتها العسكرية.

ويجدد المتحدث تأكيداته على أن انسحاب القوات الأميركية التي كانت تستخدم الطائرات بدون طيار لمطاردة تلك الجماعات "أثر بشكل مباشر على الوضع الأمني في المنطقة، وفسح المجال لجماعات مسلحة للتحرك بحرية"، مشيرا إلى أنه من الضروري "تركيز الجهود مرة أخرى على مكافحة تمدد المتشددين في بلدان الساحل والصحراء الكبرى".