جانب من إحدى المظاهرات في الجزائر
جانب من إحدى المظاهرات في الجزائر

شدد قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح خلال خطابه الأخير، على ضرورة التعجيل بالانتخابات الرئاسية، ورأى "ضرورة استدعاء الهيئة الناخبة في 15 سبتمبر الجاري"، رغم رفض شريحة كبيرة من المواطنين ذلك.

جزائريون عبّروا عن موقفهم من الانتخابات منذ بدء الصائفة، عندما دعت السلطة وقتذاك لتنظيم انتخابات رئاسية في الرابع يوليو الماضي.

ورفع المحتجون وقتها ولا يزالون، شعارات مناوئة للرئيس المعين عبد القادر بن صالح والوزير الأول نور الدين بدوي، وأكدوا رفضهم لأي انتخابات يشرف عليها الرجلان المحسوبان على نظام بوتفليقة.

حرص قايد صالح على فكرة تنظيم الانتخابات الرئاسية "في أقرب وقت"، رأى فيه الناشط في الحراك الشعبي نذير عافية "مؤشرا على ارتباك قائد الأركان أمام استمرار انتفاضة الشباب منذ ستة أشهر".

عافية الذي أكد في اتصال مع "موقع الحرة" أن "الحراك الشعبي يستمد قوته وصموده من استماتة السلطة في تجديد النظام"، وقال إن "تمسك قايد صالح بالانتخابات وراءه سر لا يمكن أن يعرفه إلا هو".

في المقابل افترض الناشط أن يكون قايد صالح بصدد البحث عن واجهة للنظام خارج المؤسسة العسكرية "حتى لا يوصف النظام الجزائري بالعسكري".

وأردف قائلا "الكل يعلم أن الجيش هو من يحكم في الجزائر، على غرار كثير من دول العالم الثالث".

أستاذ القانون الدستوري عجلي السعيد، رأى من جانبه أن استعجال قايد صالح لتنظيم الانتخابات الرئاسية ناتج عن "حرصه لاحترام الآجال التي يمليها الدستور في الحالات الاستثنائية مثل التي تمر بها البلاد".

وفي مقابلة مع "موقع الحرة" استغرب انتقاد "البعض" على حد قوله، لدعوة قائد الأركان للتعجيل بالانتخابات.

"لم أفهم هذا التحامل على المؤسسة العسكرية، قائد الأركان يريد تسيير المرحلة بما يمليه القانون الأساسي للبلاد وتسليم السلطة لرئيس منتخب، أين الخلل في هذا؟" يتساءل السعيد.

وفي سياق تحليله، حذر هذا القانوني من مغبة "الدوس على الدستور" الذي تدعو إليه بعض التيارات التي تنادي بمجلس تأسيسي ومرحلة انتقالية "الجزائر في غنى عنها" على حد وصفه.

"أوافق قائد الأركان في مسعاه الدستوري، ولا أرى داعيا لتأجيل انتخابات الرئاسة أكثر".

يذكر أن شباب الحراك يشترط رحيل بقايا نظام بوتفليقة وعلى رأسهم بن صالح وبدوي، وإطلاق سراح سجناء الرأي كشرط لقبول المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي تريد السطلة تنظيمها قبل نهاية السنة.

وإذا استدعيت الهيئة الناخبة يوم 15 سبتمبر، كما اقترح قايد صالح، فإن الجزائريين على موعد مع انتخابات الرئاسة في أجل أقصاه 15 ديسمبر المقبل.

"هذا ما لا يمكن حدوثه مطلقا" على حد تعبير أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر عثماني بلقاسم.

وفي حديث لـ "موقع الحرة" بدا عثماني واثقا من أن السلطة لن تنجح في تنظيم الانتخابات في الآجال التي تريدها "وقايد صالح يعلم ذلك جيدا"، حسب تأكيده.

"قايد صالح يريد التعجيل بإعلان حالة الطوارئ وليس الانتخابات" يؤكد عثماني، مستندا على ما أسماه "التجارب السابقة مع الجيش بالجزائر".

عثماني يعتقد بأن "هناك نية مبيتة من طرف السلطة لإيصال الوضع لحالة انسداد حتى يعلن قايد صالح حالة الطوارئ ويمسك بزمام الأمور "بحجة الحالة الاستثنائية".

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.