الجزائر تشهد إضرابات ومعدّل بطالة عالياً (15 بالمئة) وفقراً متزايداً وارتفاعاً في الأسعار
الجزائر تشهد إضرابات ومعدّل بطالة عالياً (15 بالمئة) وفقراً متزايداً وارتفاعاً في الأسعار

أعلنت وزارة الداخلية الجزائرية، الاثنين، وقف 230 إطفائيا عن العمل وملاحقتهم قضائيا لمشاركتهم في مظاهرة، الأحد، في الجزائر العاصمة من أجل تحسين ظروف عملهم ورواتبهم.

ومن شأن القرار أن يفاقم التوترات الاجتماعية الآخذة في التزايد منذ أسابيع عدة في الجزائر.

وجاء في بيان للوزارة "تقرر كمرحلة أولى مباشرة إجراءات التوقيف لـ230 عونا طبقا لأحكام المادة 173 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية".

وهم متهمون بانتهاك الوضع الخاص للموظفين المنتمين إلى هيئات محددة تتعلق بالحماية المدنية.

والإطفائيون على غرار الشرطيين لا يحق لهم الإضراب ولا التظاهر.

ودانت الوزارة ما اعتبرته "خيانة للواجبات والمسؤوليات المنوطة بهم، هدفه الأساسي ضرب استقرار والمساس بمصداقية السلك نحو الوطن والمواطن".

ودعت الوزارة جميع المنتسبين للسلك إلى "عدم الانسياق وراء الدعوات المغرضة لزعزعة استقرار هذه المؤسسة العمومية النظامية".

وتشهد الجزائر إضرابات ومعدّل بطالة عالياً (15 بالمئة) وفقراً متزايداً وارتفاعاً في الأسعار، ما يضفي بُعداً اجتماعيا على الأزمة الاقتصادية العميقة الناجمة عن تراجع أسعار المحروقات والمأزق السياسي المتواصل منذ بدء الحراك الاحتجاجي قبل عامين.

ويشتكي رجال الإطفاء من أن راتبهم الأساسي لا يتجاوز 15 ألف دينار، في حين أن الأجر الوطني الأدنى المضمون هو 20 ألف دينار (ما يزيد قليلاً عن 125 يورو) منذ عام 2020. ويرى اتحاد النقابات العمالية الجزائرية أن الحد الأدنى اللائق للأجور يجب أن يصل إلى 4 أضعاف ذلك.

بالإضافة إلى ذلك، يقول رجال الإطفاء إنهم يعملون 80 ساعة في الأسبوع، في حين أن وقت العمل الأسبوعي القانوني هو 40 ساعة.

والأحد، شهدت الجزائر تظاهرة لأعوان الحماية المدنية (عناصر الدفاع المدني) الذين شاركوا بالزي الوظيفي قرب مقر الرئاسة للمطالبة بإطلاق سراح رفيق لهم أوقف في اليوم نفسه من دون توضح الأسباب.

وتصدّت الشرطة بعنف للمسيرة وفق تصريحات للإطفائيين تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال أحدهم في فيديو بث على الإنترنت إن قوات الأمن تعرّضت لهم بالضرب وأطلقت الغاز المسيل للدموع رغم أنهم لم يرتكبوا أي خطأ ولم يعمدوا إلى أي تخريب أو تكسير.

وتابع أن المتظاهرين لم يطالبوا إلا بحقوقهم.

وكانت وزارة الداخلية قد وصفت، الأحد، تظاهرة رجال الإطفاء بأنها "مخالفة للقانون". وجاء في بيانها أن الحركة الاحتجاجية "مفتعلة" و"مدفوعة من أطراف عدة لها حقد على الجزائر وبأجندات مغرضة".

وردا على ذلك، ندد أفراد من الحماية المدنية في بجاية بمنطقة القبائل (شمال شرق) البيان "الكاذب" الصادر عن وزارة الداخلية والذي "يُشيطنهم"، معلنين عن تظاهرة وطنية في 9 مايو في الجزائر.

ودعا الرئيس تبون، الأحد، حكومته إلى فتح "حوار" مع الشركاء الاجتماعيين في محاولة لإخماد الغضب الشعبي المتصاعد.

رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق - فرانس برس

طفت لغة التهدئة على العلاقات الجزائرية الفرنسية هذا الأسبوع، عقب أكثر من 6 أشهر من التصعيد السياسي والدبلوماسي والإعلامي، تخللتها تصريحات مكثفة وقرارات غير مسبوقة استهدفت تنقل الأفراد، كما شملت محاولات لترحيل جزائريين مقيمين بفرنسا.

وصرح الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في لقاء له السبت الماضي مع وسائل إعلام محلية، أن نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون هو "المرجعية" في العلاقات مع بلاده.

ووصف تبون الخلاف بين البلدين بـ"المفتعل بالكامل"، مشيرا إلى أن ما يحدث "فوضى" و"جلبة"، معتبرا أن الرئيس ماكرون هو "المرجع الوحيد ونحن نعمل سويا".

وأحال الرئيس الجزائري ملف الأزمة القائمة بين بلاده وفرنسا على وزير الخارجية، أحمد عطاف قائلا:" فيما يخصني، فإن ملف الخلاف المفتعل بين أياد أمينة، بين يدي شخص كفء جدا يحظى بكامل ثقتي، ألا وهو وزير الشؤون الخارجية، السيد أحمد عطاف".

وخلفت التصريحات الجديدة ارتياحا لدى الأوساط الفرنسية الرسمية، ترجمته المتحدثة باسم الحكومة، صوفي بريماس، التي أعربت، في تعليق لها على ما قاله الرئيس الجزائري، أمس الأحد، عن أملها في استئناف العلاقات "الطبيعية" مع الجزائر.

وهي المرة الأولى التي تشهد مرونة في لغة التخاطب منذ يوليو 2024 تاريخ إعلان إيمانويل ماكرون دعم بلاده لمقترح المغرب الخاص بالحكم الذاتي للصحراء الغربية.

جذور الخلاف "لا زالت قائمة"

لكن الباحث في علم الاجتماع السياسي بالجزائر، أحمد رواجعية، يرى أن هذه الإشارات "المرنة" المتبادلة بين البلدين "مرحلية ولا تعبر عن حقيقة ما يحكم العلاقات بين الجزائر وفرنسا لحد الآن"، معتبرا أن "جذور الخلاف بين البلدين لا زالت قائمة".

وفي حديثه لـ"الحرة" أوضح أحمد رواجعية أن التصريحات المتداولة خلال الأيام القليلة الماضية حتى وإن عكست الجنوح نحو التهدئة، فإن الملفات الأساسية التي تشكل جوهر الخلافات التاريخية بين البلدين "ستظل حجر عثرة أمام أي محاولة للتطبيع مع باريس".

وتشكل قضايا "الذاكرة" بكافة فروعها ذات الصلة بجرائم الفترة الاستعمارية والتجارب النووية وضحاياها والألغام وتجريم الاستعمار وتنقل الأشخاص والهجرة، "أبرز جذور الخلاف الجزائري الفرنسي" وفق المتحدث الذي دعا إلى "مصارحة ومكاشفة تنهي عقودا من التوتر".

من صنصال إلى الهجرة

وشهدت العلاقات بين البلدين تصعيدا غير مسبوق اشتد مع اعتقال السلطات الجزائرية للكاتب بوعلام صنصال، منتصف نوفمبر الماضي، ووجهت له تهم "الإرهاب، والمس بالوحدة الوطنية".

وكان صنصال صرح في أكتوبر الماضي لقناة فرنسية أن أجزاء من الغرب الجزائري تعود تاريخيا للمغرب، وهاجمت الحكومة الجزائرية صنصال، بينما وصفه الرئيس عبد المجيد تبون بـ "المحتال".

وانتقل الخلاف من قضية صنصال إلى الميدان السياسي والدبلوماسي، إذ رفضت الجزائر استقبال مهاجرين مرحلين من باريس، بينما دعا وزراء من الحكومة الفرنسية إلى مراجعة اتفاقية الهجرة الموقعة عام 1968، التي تمنح امتيازات وأفضلية للمهاجرين الجزائريين، إلا أن لغة التهدئة سرعان ما عادت إلى واجهة الخطاب السياسي بين الحكومتين.

"هدوء" العاصفة..

وفي تعليقه على هذه التطورات يشير المحلل السياسي، عبد الرحمان بن شريط إلى أن العديد من المؤشرات توحي بتراجع وتيرة وحدة الخلاف بين البلدين"، مضيفا أن الجزائر "لم تمارس منذ البداية أي تصعيد"، محملا المسؤولية للجانب الفرنسي الذي مارس "استفزازات سياسية بالمنطقة".

وبشأن أسباب التحول في الخطاب بين البلدين، يرى بن شريط في تصريحه لـ"الحرة" أن فرنسا "تراجعت" خلال الفترة الأخيرة عن مسار التصعيد لأنها "شعرت بأنها تسلك مسارا من شأنه أن تفقد فيه الجزائر كشريك، وأن مصالحها أصبحت مهددة".

ووفق المتحدث فإن باريس "لا تريد تكرار الهزائم التي منيت بها في أفريقيا"، بعد فقدانها نفوذها هناك، مضيفا أن فرنسا أدركت "عمق التحول الذي طرأ علي المؤسسات الرسمية في الجزائر، من حيث الحرص على حماية السيادة واتخاذ القرار بدون وصاية"، متوقعا أن "تهدأ العاصفة" بين البلدين خلال المرحلة المقبلة.