يشتكي الجزائريون من غلاء الأسعار إلى جانب ندرة المواد الغذائية الأساسية
يشتكي الجزائريون من غلاء الأسعار إلى جانب ندرة المواد الغذائية الأساسية

استغرب جزائريون خلال الساعات الأخيرة انتشار خبر، أوردته وسائل إعلام محلية، مفاده أن وزارة التجارة منعت بيع زيت الطهي للأطفال القصر.

وأثار الخبر دهشة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تساؤلات حول أسباب ندرة الزيت وغلاء الأسعار المفاجئ، الذي مس بعض المواد الأساسية مثل الخبز والقهوة، بداية من السنة الجديدة، ودون سابق إنذار.

لكن وزير التجارة، كمال رزيق، كشف السبت، أن القرار الذي اتخذته الهيئة التي يقوم عليها "إنما جاء بعد تحريات حثيثة أثبتت استخدام الأطفال لشراء كميات كبيرة من الزيت قصد المضاربة".

ونقلت صحيفة النهار المحلية عن الوزير قوله: "لاحظنا شيئا غريبا، وهو استعمال الأطفال من طرف قليلي الضمائر، حيث يرسلونهم لشراء هذه المادة، وكل هذا موثق بالأدلة".

وكشف رزيق في السياق أن الوزارة استعانت خلال تحرياتها بفرق من الدرك الوطني والشرطة.

ويتخوف جزائريون من ارتفاع أسعار المواد الأساسية، حيث كثيرا ما ترتفع الأسعار مباشرة بعد فترة ندرة مادة ما.

إلى ذلك، يتوجس المواطنون من ارتفاع الأسعار، خصوصا بعد ورود أنباء عن قرار برفع الدعم عن المواد الأساسية، اعتمدته الدولة في قانون المالية لعام 2022.

وتثير النهاية الوشيكة للدعم على المواد الاستهلاكية الأساسية المخاوف في الجزائر "رغم أن الكثير من الخبراء الاقتصاديين يؤيدونها"، وفق وكالة فرانس برس.

ومع الانتقال إلى نظام اقتصاد السوق، حلّ نظام دعم المواد الاستهلاكية محل نظام تسقيف الأسعار (تحديده ووضع سقف له) الموروث من الاقتصاد الاشتراكي المعتمد عندما نالت الدولة استقلالها في عام 1962. 

لكن الحكومة الجزائرية أكدت في أكثر من مناسبة أنها لن ترفع الدعم عن من يستحقونه.

يُذكر أن ميزانية الدولة لسنة 2022 حافظت على ما يعادل 17 مليار دولار من الإعانات الاجتماعية التي  تشمل التعليم والصحة المجانيين والإسكان والمساعدات المباشرة للأسر الفقيرة، بينما كان مبلغ هذه الإعانات يصل إلى ما بين 30 و40 مليار دولار سنويا خلال السنوات الممتدة بين 2012 و2017. 

ودعم المواد الأساسية مثل الزيت والسميد، جعل الجميع يستفيد من أسعار مخفضة، بما في ذلك التجار، وفق أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف، معلّم عبد الرحمن.

وفي اتصال مع موقع الحرة، قال الخبير الاقتصادي إن "اختفاء" الزيت من المحلات "سببه المضاربة".

وكشف أن مشكلة ندرة الزيت وارتفاع سعره، تعود دائما في الفترة التي تسبق حلول شهر رمضان.

وأبدى الرجل دعما لقرار رفع الدعم الحكومي عن بعض المواد الأساسية، وقال: "طبعا هناك حاجة لأن يرفع الدعم عن البعض خدمة للاقتصاد الوطني".

"مخاوف"

واستطاعت الجزائر، لسنوات، أن تحافظ على السلم الاجتماعي من خلال تمويل نظام المساعدة الخاص بها بفضل مداخيل تصدير المحروقات التي كانت توفر لها أكثر من 95٪ من دخلها الخارجي وحوالى 60٪ من تمويل ميزانية الدولة.

لكن، وفي مواجهة تراجع عائداتها من النفط والغاز منذ سبع سنوات، قررت الجزائر التخلي عن نظام الدعم العام للمواد الاستهلاكية الذي يبتلع مليارات الدولارات كل عام، فيما وعدت بمواصلة دعم الفئات الأكثر حرمانًا بصفة مباشرة. 

ورغم ذلك، تخشى شريحة واسعة من الجزائريين تأثير رفع الدعم عن معيشتهم.

وكالة فرانس برس، نقلت عن بعض المواطنين تخوفهم  من ارتفاع الأسعار، إذ عبرت حفيظة، وهي أم لطفلين، عن قلقها مما وصفته بـ"الكارثة"، قبل أن تؤكد أنها والشريحة الاجتماعية التي تنتمي إليها "يكافحون لتغطية نفقاتهم مع الأسعار الحالية المرتفعة".

كما يخشى رابح، المتقاعد الذي لا يتجاوز معاشه الشهري 50 ألف دينار (355 دولارا)، أن ترتفع "أسعار السكر والوقود والماء". 

الخبير الاقتصادي، عمر برقوق، قال من جانبه، إن جميع الخبراء من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاقتصاديين لفتوا الانتباه إلى الحاجة إلى تقليل المساعدات من خلال استهداف المستفيدين منها بشكل أفضل.

وفي حديث لوكالة فرانس برس، عبر هذا الخبير عن الحاجة لرفع الدعم بالقول إنه "لم تعد لدى الدولة الوسائل لمثل هذه السياسة الاجتماعية السخية وغير التمييزية".

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.