"نقف بالطوابير لإيجاد الحليب والزيت"، بهذه الكلمات يصف الشاب أحمد (٣٢ عاما)، وهو أب لثلاثة أطفال، واقع الأسر الجزائرية التي تعاني بشكل متصاعد من أزمة ندرة المواد الغذائية.
ويقول أحمد، وهو من ولاية وهران، في حديث لموقع "الحرة"، إن "الزيادة في سعر الزيت النباتي لم تبلغ بعد الدينارين (أقل من نصف دولار أميركي)، ولكن الخوف هو من انقطاعه تماما بالأسواق، لاسيما مع اقتراب شهر رمضان".
ويصادف شهر رمضان، الذي يصوم فيه المسلمون ويحضرون موائد إفطار متنوعة الأصناف عادة، في بداية شهر مايو المقبل.
وبرأي أحمد، الذي رفض الكشف عن هويته، أن كل "هذه المعاناة اليومية تبرر اندلاع تظاهرات معيشية في الجنوب".
والاثنين الماضي، اندلعت احتجاجات في ولاية برج باجي مختار (جنوب الجزائر)، بسبب ندرة المواد الأساسية.
وبحسب الصور المتداولة على فيسبوك، فقد خرج الجزائريون وأطفالهم إلى الشارع، حاملين لافتات ورافعين شعارات للمطالبة بـ"إنقاذهم من الجوع"، في بلد يعتبر من مصدري ومنتجي الغاز الطبيعي والنفط.
وعن إمكانية امتداد الاحتجاجات إلى عموم الولايات، يؤكد الكاتب والصحفي، علي بو خلاف، في حديث لموقع "الحرة"، أن "التظاهرات لا تزال خجولة وهي محصورة في بعض المناطق"، ولكنه لم يستبعد امتدادها.
وأشار إلى أن "هناك ارتفاع واضح في أسعار غالبية المواد الغذائية، الأمر الذي يبرر الاحتجاجات التي تبقى مشروعة، حتى لو حاول بعض الأفرقاء الاستفادة منها سياسيا".
ورأى بو خلاف أن "التظاهرات بالرغم من أحقيتها إلا أنه لا يمكن توجيه اللوم للحكومة بشكل كامل دون معرفة الأسباب".
والسبت، قرر مجلس الأمة (البرلمان) إنشاء لجنة تحقيق برلمانية للتقصي في أسباب ندرة بعض المواد الغذائية في الأسواق الجزائرية، ومن يقف خلف ذلك، لـ"الوقوف على الدوافع الأساسية للمتسببين فيها، ومحاولات إحداث القلاقل وجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه".
وأشاد بو خلاف بجهود الحكومة قائلا: "رغم شح الإمكانيات المالية بادرت الحكومة برفع الأجور في القطاع الحكومي، وذلك من خلال تخفيض الضريبة".
في بداية العام الجاري، كشفت وكالة الأنباء الجزائرية عن "تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي في إطار إجراءات قانون المالية 2022 ما سيسمح بتسجيل ارتفاع للأجور يتطور حسب مستوى الدخل".
وحول أسباب ندرة بعض المواد، يقول المحلل الاقتصادي، عمر هارون، في حديث لموقع الحرة إن "ارتفاع الأسعار في المرحلة الحالية أضحى ظاهرة عالمية صنفت كتبعة من تبعات فيروس كورونا، حيث سجلت دول عدة معدلات تضخم قياسية".
ويضيف بو خلاف أن "ندرة المواد الغذائية وارتفاع أسعارها ليس نتيجة جائحة فيروس كورونا فقط، وإنما بسبب النقص في مادتي الزيت والحليب المدعومتين من الدولة ولوقف الاستيراد من الخارج".
وتابع: "بالنسبة للشح في الزيت، هناك أسباب مختلفة أهمها أن التجار يعتبرون أن هامش الربح ضئيل جدا خاصة أن السعر محدد من الدولة".
ويتوجس المواطنون من ارتفاع الأسعار، خصوصا بعد ورود أنباء عن قرار برفع الدعم عن المواد الأساسية، اعتمدته الدولة في قانون المالية لعام 2022، رغم تأكيد حكومي بعدم صحة هذا الكلام.
ونقلت وكالة فرانس برس عن بعض المواطنين تخوفهم من ارتفاع الأسعار، إذ عبرت حفيظة، وهي أم لطفلين، عن قلقها مما وصفته بـ"الكارثة"، قبل أن تؤكد أنها والشريحة الاجتماعية التي تنتمي إليها "يكافحون لتغطية نفقاتهم مع الأسعار الحالية المرتفعة".
وتثير النهاية الوشيكة للدعم على المواد الاستهلاكية الأساسية المخاوف في الجزائر "رغم أن الكثير من الخبراء الاقتصاديين يؤيدونها"، وفق فرانس برس.
ومع الانتقال إلى نظام اقتصاد السوق، حل نظام دعم المواد الاستهلاكية محل نظام تسقيف الأسعار (تحديده ووضع سقف له) الموروث من الاقتصاد الاشتراكي المعتمد عندما نالت الدولة استقلالها في عام 1962.
لكن الحكومة الجزائرية أكدت في أكثر من مناسبة أنها لن ترفع الدعم عمن يستحقونه.
بدوره، يؤكد هارون أن "المنظومة الاقتصادية في مجال السلع الأساسية يجب مراجعتها وهو الأمر الذي باشرته الجزائر بموجب قانون المالية لسنة 2022".
وتابع هارون: "لا بد من مراجعة أسلوب الدعم المباشر، وهي الوضعية التي أرهقت الحكومة والشعب، وعدم تقديم الدعم على المواد الأساسية للمنتجين وأصحاب المطاعم والمخابز، وحصره على الأسر المحتاجة".
وفي نوفمبر الماضي، صادق مجلس النواب الجزائري، على قانون المالية لسنة 2022 الذي يحدد ميزانية الدولة، مع فتح الباب أمام رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية، ما أثار جدلا كبيرا حينها.
وفتحت المادة 187 الباب لرفع الدعم على المواد الاستهلاكية مثل الزيت والسكر والحليب والخبز، لكن رئيس الوزراء أيمن عبد الرحمن أكد أن الحديث عن "رفع الدعم، يجب أن يكون محرما، فالدولة الجزائرية دولة اجتماعية".
وأوضح "نفكر في فلسفة جديدة تسمح لنا بتوجيه هذا الدعم إلى أصحابه. وهذا الدعم سوف يكون نقدا ولن تدعم الدولة المواد، ولكن مداخيل الأسر بعد تحديد المستوى الذي يجب ابتداء منه دفع هذا الدعم النقدي".
يُذكر أن ميزانية الدولة لسنة 2022 حافظت على ما يعادل 17 مليار دولار من الإعانات الاجتماعية التي تشمل التعليم والصحة المجانيين والإسكان والمساعدات المباشرة للأسر الفقيرة، بينما كان مبلغ هذه الإعانات يصل إلى ما بين 30 و40 مليار دولار سنويا خلال السنوات الممتدة بين 2012 و2017.
وعن الحلول التي يجب اعتمادها، حمل هارون المسؤولية للحكومة التي يجب أن "توفر منظومة تخزين استراتيجي من السلع الضرورية والتي يتم توفيرها في السوق في حال وجود أزمة مماثلة".
وشدد على أن "الحكومة يجب أن تكون أكثر وضوحا مع الشعب، الذي يجب فيه التحلي بالمزيد من الصبر، خاصة أن الجهود المبذولة في تقليص نسب الضريبة على الدخل ستخفض من حجم آثار تراجع القدرة الشرائية للجزائريين لحدود 50 بالمئة".
في المقابل، اعتبر عبد الرحمن، الخميس، أن ندرة بعض المواد الاستهلاكية، على غرار مادة زيت المائدة، تعود أساسا إلى اضطراب في التوزيع، مؤكدا أن الأمور ستعود الى نصابها "خلال الأيام المقبلة"، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية.
واعتبر أن "الاحتياجات الوطنية من الزيت تبلغ 1600 طن في اليوم، في حين أن الإنتاج وصل إلى أكثر من 2000 طن في اليوم، وهذا ما يسمح حسبه بتغطية كل الحاجيات الوطنية".
وتمسك عبد الرحمن بأن كل المواد الاستهلاكية على المستوى العالمي عرفت "زيادة رهيبة في الأسعار نتيجة الظروف المناخية وارتفاع كلفة النقل البحري من الصين الى أوروبا وأيضا من أوروبا إلى الجزائر والتي تضاعفت بأربع مرات".