تركّز الحديث خلال الأيام الأخيرة، حول الخيارات المتاحة أمام الدول الأوروبية لتأمين احتياجاتها من الغاز، في حال فرض عقوبات على روسيا، إذا قامت باجتياح أوكرانيا.
ومن بين الخيارات المتاحة أمام المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الجزائر، القريبة من أوروبا على الجانب الآخر من البحر المتوسط.
فهل بإمكان الجزائر أن تضطلع بهذا الدور "نيابة" عن روسيا؟ وهل لديها الإمكانيات التقنية لذلك؟
وكالة رويترز قالت، الخميس، إن حكومة الولايات المتحدة طلبت لقاء كل من شركة "إيني" و"توتال إينرجيز" وشركات أخرى للطاقة تعمل في الجزائر، للوقوف على إمكانية جلب المزيد من الغاز الطبيعي نحو أوروبا.
ويعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا في أكثر من ثلث حاجاته من الغاز، ومن شأن أي تعطل للتدفقات أن يفاقم أزمة للطاقة دفعت بالفعل فواتير المستهلكين إلى مستويات شديدة الارتفاع.
مكانة سوقية واعدة
إلى جانب قطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات، تحتل الجزائر مراتب متقدمة بين البلدان المنتجة للغاز في المنطقة العربية، وبحكم قربها الجغرافي من أوروبا، أضحت من بين الخيارات التي يعول عليها، وفق أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة تيزي وزو، شرق الجزائر، محي الدين الهاشمي.
وفي اتصال مع موقع الحرة، قال الهاشمي إن الجزائر قادرة على رفع قدرتها الإنتاجية لتلبية حاجات إضافية، لكنها تعاني من مشاكل النقل إلى الضفة الأخرى، وهو ما يكبحها عن القيام بالدور الذي تريدها الدول الغربية القيام به.
وشدد الرجل على ضرورة أن يتم مساعدتها في إيجاد حلول عاجلة لتسوية إشكالية النقل، "علّها تستطيع العمل على تخفيف وقع الأزمة على بعض الدول في حال حدوث حرب بين روسيا والدول الغربية" وفق تعبيره.

وزادت الجزائر، التي لديها خطوط أنابيب إلى إسبانيا وإيطاليا ومصنع ضخم للغاز الطبيعي المسال في سكيكدة، إنتاجها من النفط والغاز العام الماضي بنسبة خمسة في المئة إلى 185.2 مليون طن من المكافئ النفطي.
وقفز إنتاج الغاز الطبيعي المسال بالجزائر بنسبة 14 في المئة.، وفق رويترز
وارتفعت صادرات الغاز من الجزائر إلى إيطاليا العام الماضي بنسبة 76 في المئة إلى 21 مليار متر مكعب، وهو ما يمثل 28 بالمئة من مجمل الاستهلاك غير بعيدة عن حجم الإمدادات الروسية التي بلغت 29 مليار متر مكعب.
معوّقات تقنية وقانونية
الخبير الاقتصادي الجزائري، والمختص في أسواق النفط، عبد المالك سراي، يرى من جانبه أن هناك أسبابا عديدة تجعل من الصعب على الجزائر أن تحل محل روسيا التي تعتبر أول مصدر للغاز في العالم.
وفي حديث لموقع الحرة، قال سراي إن من بين أهم الأسباب التي تعوق الجزائر على ذلك، هو محدودية إنتاجها مقارنة بروسيا، وافتقارها لتقنيات النقل الحديثة، واتفاقات مع الاتحاد الأوروبي تحد حريّتها السوقية.
سراي أكد في سياق حديثه على إشكالية النقل إلى الضفة الأخرى، واشترط أن يتم مساعدة الجزائر، من قبل الدول الأوروبية نفسها لكي تتجاوز هذه الإشكالية وتستطيع تصدير غازها إلى أكبر عدد منها.
#EU_Gas: The Spanish media wrote that NATO would like to support the construction of a gas pipeline from Spain (Catalonia) to the CEE. Given the existing gas pipelines, the logic of this project would be to increase the export of gas from North Africa (Algeria) to Europe. pic.twitter.com/Nb0LPPbjg3
— Dionis Cenusa (@DionisCenusa) February 6, 2022
ويُنظر إلى الجزائر كشريك طبيعي للاتحاد الأوروبي الذي يسعى لتنويع مصادر إمداداته من الطاقة بعدما أثار الصراع في أوكرانيا مجددا مخاطر الاعتماد أكثر من اللازم على روسيا أكبر مورد للطاقة إلى الاتحاد.
وفي الوقت الحاضر تحتل الجزائر المرتبة الثالثة بين كبار موردي الغاز للاتحاد الأوروبي بعد روسيا والنرويج، غير أن طاقتها التصديرية عبر ثلاثة خطوط أنابيب فقط، تمتد عبر البحر المتوسط غير مستغلة بشكل كبير.
ولدى الجزائر عشرات المشروعات التي تتوقع الحكومة أن تدر إنتاجا جديدا وتساهم في استقرار تدفق صادرات الغاز إلى أوروبا، إلا أنها في طريق الإنجاز وليست متاحة حاليا.
سراي لفت كذلك إلى أن هناك مشكلة قانونية تقف أمام إمكانية الجزائر بيع غازها لكامل الدول الأوروبية وذلك بسبب بنود اتفاقية أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي تمنعها من أن تبيع مباشرة غازها، مشترطا أن يغير الاتحاد الأوروبي هذا "القانون" لكي يتيح للجزائر أن تساهم في تعويض الغاز الروسي.
وتمنع اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، الجزائر من بيع الغاز بشكل مباشر من جميع العقود الراهنة والمستقبلية بين شركات من الاتحاد الأوروبي وشركة سوناطراك النفطية الجزائرية الحكومية.
ورغم أن الجانب الجزائري أعاد المفاوضات مع الجانب الأوروبي سنة 2007 بخصوص بعض بنود التقييد التي تضمنتها هذه الاتفاقية، إلا أن تسويق الغاز الجزائري لا يزال محل قيود تفرضها تلك الاتفاقية، وهو ما أشار إليه سراي بـ "العقبة القانونية أمام الجزائر لخلافة روسيا بخصوص بيع الغاز لجميع دول أوروبا".
"While Algeria could increase supplies of liquefied natural gas to Europe, the amounts available won’t come near filling the gap from any major slowdown of flows from Russia," but it's a start. https://t.co/5grxvWJHP1 via @Yahoo
— Michael Eichert (@michaeleichert) February 4, 2022
سراي أكد كذلك أنه بموجب هذه الاتفاقية فإن الجزائر ممنوعة من تخزين وتسويق الغاز في أوروبا، وهو ما يعيق الهدف المرجو منها بإشباع حاجيات أوروبا.
واشترط سراي أن يعاد النظر في هذه البنود واصفا المرحلة بالفرصة السانحة للجزائر لإعادة ترتيب مبيعاتها لأوروبا ودعم موقعها بين الدول المصدرة للغاز في العالم.
الهاشمي يرى من جانبه أن بإمكان الجزائر رفع قدرتها الإنتاجية للاستجابة لمزيد من الطلبات على الغاز، لكنها لن تستطيع بالفعل سد الفجوة لوحدها.
وقال إن تعاضد جهودها المرتقبة رفقة قطر (مثلا) يمكن أن يشكل بداية حل للأزمة التي تلوح في أوروبا، وكشف أن أقصى نسبة يمكن أن تصلها الجزائر بخصوص سد الطلب الأوروبي هي 20 في المائة، لافتا إلى أن هذه النسبة لا تتعدى الآن 12 في المائة.