تعيش الجزائر هذه الأيام على وقع حديث متكرر عن إمكانية دعم الجيش الوطني بجنود الاحتياط، إذا ما تعرضت البلاد لخطر داهم، بينما تتحدث بعض وسائل الإعلام بإسهاب عن كيفية وشروط الانضمام للجيش.
والأربعاء، صادق البرلمان الجزائري، على مشروع القانون المتعلق بالاحتياط العسكري، الذي اقترحته وزارة الدفاع، ومن المنظتر أن يوقعه الرئيس عبد المجيد تبون قريبا.
القانون يقترح أن يستدعي الجيش جنود الاحتياط ممن تعاقدوا مع الجيش سابقا، ويحدد الفئات المعنية.
هذا التوجه نحو جنود الاحتياط لم تشهده الجزائر منذ سنوات التسعينيات، حيث استدعى الجيش الاحتياطيين لمواجهة الجماعات المسلحة خلال الفترة التي يسميها الجزائريون بـ"العشرية السوداء".
لذلك، يتساءل متابعون عن السبب وراء التحشيد الذي تروج له وسائل الإعلام بالجزائر وعن سر سن قانون الاحتياط، الذي يستوجب على المدنيين الالتحاق بالجيش إذا رأى المسؤولون ضرورة لذلك.
اللافت أن وكالة الأنباء الجزائرية التي أذاعت الخبر، الأربعاء، قالت إن مشروع قانون الاحتياط يحمل طابعا استعجاليا.

وجاء في الخبر الذي أوردته الوكالة الحكومية "صادق أعضاء مجلس الأمة على هذا النص الذي عرضته وزيرة العلاقات مع البرلمان، بسمة عزوار، مع المناقشة المحدودة، بالنظر للطابع الاستعجالي لهذا النص". فما الذي يستعجل الجزائر لإجراء كهذا؟
المحلل العسكري، ومدير موقع "مينا ديفنس" ، أكرم خريف يرى أن التطورات الحاصلة على الحدود الجزائرية، ولا سيما الساحل الأفريقي، وراء الاستعجال الذي تتحدث عنه السطات.
وفي اتصال مع موقع الحرة، استبعد أن تكون التوترات مع المغرب، وحدها، هي ما أملى على الجزائر حشدها العسكري، غير المسبوق، منذ استتباب الأمن بعد نهاية مرحلة الإرهاب.
وقال: "لمسنا خلال العرض العسكري، سعي الجزائر لاستعراض عضلاتها" مشيرا إلى أن الأمر لا يتعلق بخطر داهم بعينه، بل هي ردة فعل للتطورات الجارية على حدود الجزائر كاملة ولا سيما الغربية منها والجنوبية.
ويحد الجزائر من الغرب، المملكة المغربية، بينما تتقاسم حدودها الجنوبية مع مالي والنيجر، وموريتانيا.
والمنطقة الجنوبية للجزائر، المرتبطة بالساحل الأفريقي، تعيش على وقع أزمة أمنية مزمنة، وفق خريف، الذي لفت إلى انفلات السلاح بين جماعات التهريب على الحدود الجنوبية، والجريمة العابرة للحدود، ناهيك عن تمركز جماعات إسلامية مسلحة، خصوصا في مالي.
كما أن ليبيا التي تحد الجزائر من الجنوب الشرقي، تعد من أكثر بؤر انفلات السلاح في العالم، وفق قوله.
خريف عاد ليؤكد أن قانون الاحتياط جاء ليصحح ما وصفه بعض الثغرات، في القانون السابق، تتعلق بتجنيد الاحتياطيين.
وقال: "هذا المشروع جاء ليصحح ويوضح القانون السابق الذي كان مبهما في بعض بنوده".
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي المغربي، المقيم في واشنطن، سمير بنيس، أن المسؤولين الجزائريين، يهدفون لـ "حشد الشعب ضد المغرب" وأن الحديث عن "الخطر الداهم" من الساحل الأفريقي "مجرد شماعة".
وفي اتصال مع موقع الحرة، أشار بنيس، المؤسس المشارك لموقع "موركو وورلد نيوز" أن الجزائر تهدف فعلا لـ "حشد المواطنين ضد المغرب" ودليله في ذلك، هو حديث وسائل الإعلام المتكرر حول الضلوع المفترض للمغرب في كل مآسي الجزائر.
بنيس قال تعبيرا عن ذلك: "لم أسمع وسيلة إعلامية جزائرية تتحدث عن تهديد مالي أو ليبيا أو بلد آخر غير المغرب".
خريف من جانبه، وفي سياق تأكيده على أن الاستعداد العسكري الجزائري، المتمثل في تحضير القاعدة القانونية لتجنيد المدنيين الاحتياطيين، ليس هدفه محاصرة المغرب الذي كانت تربطه بالجزائر علاقات متوترة، انقطعت بالكامل قبل سنة، قال: "الجزائر غيرت من سياستها الخارجية كاملا ليس فقط مع المغرب".
لتأكيد ذلك، ضرب خريف مثلا بالحضور في الاستعراض العسكري الذي نظمته الجزائر بمناسبة احتفالها بستينية استقلاهله، يوم الخامس من يوليو الماضي، ولفت إلى غياب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن جملة الرؤساء الذين دعاهم تبون لحضور العرض.
"بدلا من ذلك حضرت رئيسة إثيوبيا" يقول خريف، "هذا دليل على أن الجزائر غيرت من دبلوماسيتها، وأحدثت قطيعة مع ما اتسمت به سابقا سياستها الخارجية"، حسب قوله.
وكانت الرئيسة الإثيوبية، ساهلي وورك زودي، من بين الوجوه البارزة خلال العرض العسكري الجزائري، رفقة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس والرئيس التونسي، قيس سعيد.
نوعية الحضور، في نظر خريف، تشي بتغير سياسة الجزائر الخارجية، واعتمادها على التعبير عن مواقفها بصراحة من الملفات الدولية.
أما الدليل الثاني، وفقه، بأن العرض والتحشيد العسكري الحالي، ليس هدفه المغرب، هو لون المعدات العسكرية الثقيلة التي نشطت العرض العسكري.
وقال إن لون الآليات العسكرية كان رمليا في أغلبه، وهو ما يشير، وفقه، إلى أن المعركة التي تستعد الجزائر لخوضها هي في أغلبها ضد التهديد الآتي أساسا من منطقة الساحل الأفريقي.
لكنه لم يخف بأن السلطات الأمنية والعسكرية بالجزائر، مستعدة لأي طارئ آخر، من أي جهة حدودية، في إجابة عن سؤال لموقع الحرة حول علاقة التوتر مع المغرب بالحشد العسكري الجاري بالجزائر.
في السياق، لفت المحلل المغربي، بنيس، إلى أن السلطات الجزائرية الحالية وخلافا لفترة حكم الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، انتهجت لهجة معادية للمغرب بطريقة غير مسبوقة، وقال إن هذا يجبر أي محلل على الاعتقاد بأن الحشد العسكري الجزائري موجه للمغرب.
ويخوض المغرب منذ عقود نزاعا مع جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر حول مصير الصحراء الغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة تعتبرها الأمم المتحدة من "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي".

ويقترح المغرب الذي يسيطر على نحو 80 بالمئة من المنطقة الغنية بالموارد الباطنية، منحها حكما ذاتيا تحت سيادته. لكن جبهة بوليساريو تدعو إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير تحت رعاية الأمم المتحدة نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991.
وملف الصحراء الغربية، كان سببا في الكثير من التوترات بين المغرب والجزائر، والتي أفضت في مناسبات إلى مواجهة مسلحة.
وشهر فبراير الماضي، استحدث المغرب منطقة عسكرية في شرق البلاد على الحدود مع الجزائر.
وكانت القوات المسلحة المغربية حتى الآن منظمة وفق منطقتين شمالية وجنوبية.
واعتبر موقع هسبريس المحلّي أنّ إحداث المنطقة الجديدة يأتي "لمواجهة استفزازات العسكر الجزائري"، بينما رأت صحيفة الأحداث المغربية أنّ الخطوة تهدف "إلى الحدّ من الجريمة العابرة للحدود (..) وتعزيز قدرات الدفاع عن حوزة وسلامة أرض الوطن".
وتدهورت العلاقات الثنائية عندما أعلنت الجزائر في أغسطس قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، متّهمة المملكة بارتكاب "أعمال عدائية" ضدّها. وردّت الرباط معربة عن أسفها لهذا القرار ورفضها "مبرراته الزائفة".
كما اتهمت الرئاسة الجزائرية في نوفمبر المغرب بقصف شاحنتين جزائريتين وقتل ثلاثة من مواطنيها في الصحراء الغربية.