الجزائر/ عرض عسكري
تدهورت علاقات الجزائر مع المغرب عندما أعلنت الأولى في أغسطس قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط

تعيش الجزائر هذه الأيام على وقع حديث متكرر عن إمكانية دعم الجيش الوطني بجنود الاحتياط، إذا ما تعرضت البلاد لخطر داهم، بينما تتحدث بعض وسائل الإعلام بإسهاب عن كيفية وشروط الانضمام للجيش.

والأربعاء، صادق البرلمان الجزائري، على مشروع القانون المتعلق بالاحتياط العسكري، الذي اقترحته وزارة الدفاع، ومن المنظتر أن يوقعه الرئيس عبد المجيد تبون قريبا.

القانون يقترح أن يستدعي الجيش جنود الاحتياط ممن تعاقدوا مع الجيش سابقا، ويحدد الفئات المعنية.

هذا التوجه نحو جنود الاحتياط لم تشهده الجزائر منذ سنوات التسعينيات، حيث استدعى الجيش الاحتياطيين لمواجهة الجماعات المسلحة خلال الفترة التي يسميها الجزائريون بـ"العشرية السوداء".

لذلك، يتساءل متابعون عن السبب وراء التحشيد الذي تروج له وسائل الإعلام بالجزائر وعن سر سن قانون الاحتياط، الذي يستوجب على المدنيين الالتحاق بالجيش إذا رأى المسؤولون ضرورة لذلك.

اللافت أن وكالة الأنباء الجزائرية التي أذاعت الخبر، الأربعاء، قالت إن مشروع قانون الاحتياط يحمل طابعا استعجاليا.

وجاء في الخبر الذي أوردته الوكالة الحكومية "صادق أعضاء مجلس الأمة على هذا النص الذي عرضته وزيرة العلاقات مع البرلمان، بسمة عزوار، مع المناقشة المحدودة، بالنظر للطابع الاستعجالي لهذا النص". فما الذي يستعجل الجزائر لإجراء كهذا؟ 

المحلل العسكري، ومدير موقع "مينا ديفنس" ، أكرم خريف يرى أن التطورات الحاصلة على الحدود الجزائرية، ولا سيما الساحل الأفريقي، وراء الاستعجال الذي تتحدث عنه السطات.

وفي اتصال مع موقع الحرة، استبعد أن تكون التوترات مع المغرب، وحدها، هي ما أملى على الجزائر حشدها العسكري، غير المسبوق، منذ استتباب الأمن بعد نهاية مرحلة الإرهاب.

وقال: "لمسنا خلال العرض العسكري، سعي الجزائر لاستعراض عضلاتها" مشيرا إلى أن الأمر لا يتعلق بخطر داهم بعينه، بل هي ردة فعل للتطورات الجارية على حدود الجزائر كاملة ولا سيما الغربية منها والجنوبية.

ويحد الجزائر من الغرب، المملكة المغربية، بينما تتقاسم حدودها الجنوبية مع مالي والنيجر، وموريتانيا.

والمنطقة الجنوبية للجزائر، المرتبطة بالساحل الأفريقي، تعيش على وقع أزمة أمنية مزمنة، وفق خريف، الذي لفت إلى انفلات السلاح بين جماعات التهريب على الحدود الجنوبية، والجريمة العابرة للحدود، ناهيك عن تمركز جماعات إسلامية مسلحة، خصوصا في مالي.

كما أن ليبيا التي تحد الجزائر من الجنوب الشرقي، تعد من أكثر بؤر انفلات السلاح في العالم، وفق قوله.

خريف عاد ليؤكد أن قانون الاحتياط جاء ليصحح ما وصفه بعض الثغرات، في القانون السابق، تتعلق بتجنيد الاحتياطيين.

وقال: "هذا المشروع جاء ليصحح ويوضح القانون السابق الذي كان مبهما في بعض بنوده".

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي المغربي، المقيم في واشنطن، سمير بنيس، أن المسؤولين الجزائريين، يهدفون لـ "حشد الشعب ضد المغرب" وأن الحديث عن "الخطر الداهم" من الساحل الأفريقي "مجرد شماعة".

وفي اتصال مع موقع الحرة، أشار بنيس، المؤسس المشارك لموقع "موركو وورلد نيوز" أن الجزائر تهدف فعلا لـ "حشد المواطنين ضد المغرب" ودليله في ذلك، هو حديث وسائل الإعلام المتكرر حول الضلوع المفترض للمغرب في كل مآسي الجزائر.

بنيس قال تعبيرا عن ذلك: "لم أسمع وسيلة إعلامية جزائرية تتحدث عن تهديد مالي أو ليبيا أو بلد آخر غير المغرب".

استعراض عسكري جزائري بمناسبة عيد الاستقلال المصادف للخامس من يوليو

خريف من جانبه، وفي سياق تأكيده على أن الاستعداد العسكري الجزائري، المتمثل في تحضير القاعدة القانونية لتجنيد المدنيين الاحتياطيين، ليس هدفه محاصرة المغرب الذي كانت تربطه بالجزائر علاقات متوترة، انقطعت بالكامل قبل سنة، قال: "الجزائر غيرت من سياستها الخارجية كاملا ليس فقط مع المغرب".

لتأكيد ذلك، ضرب خريف مثلا بالحضور في الاستعراض العسكري الذي نظمته الجزائر بمناسبة احتفالها بستينية استقلاهله، يوم الخامس من يوليو الماضي،  ولفت إلى غياب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن جملة الرؤساء الذين دعاهم تبون لحضور العرض.

"بدلا من ذلك حضرت رئيسة إثيوبيا" يقول خريف، "هذا دليل على أن الجزائر غيرت من دبلوماسيتها، وأحدثت قطيعة مع ما اتسمت به سابقا سياستها الخارجية"، حسب قوله.

وكانت الرئيسة الإثيوبية، ساهلي وورك زودي، من بين الوجوه البارزة خلال العرض العسكري الجزائري، رفقة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس والرئيس التونسي، قيس سعيد.

نوعية الحضور، في نظر خريف، تشي بتغير سياسة الجزائر الخارجية، واعتمادها على التعبير عن مواقفها بصراحة من الملفات الدولية.

أما الدليل الثاني، وفقه، بأن العرض والتحشيد العسكري الحالي، ليس هدفه المغرب، هو لون المعدات العسكرية الثقيلة التي نشطت العرض العسكري.

وقال إن لون الآليات العسكرية كان رمليا في أغلبه، وهو ما يشير، وفقه، إلى أن المعركة التي تستعد الجزائر لخوضها هي في أغلبها ضد التهديد الآتي أساسا من منطقة الساحل الأفريقي.

لكنه لم يخف بأن السلطات الأمنية والعسكرية بالجزائر، مستعدة لأي طارئ آخر، من أي جهة حدودية، في إجابة عن سؤال لموقع الحرة حول علاقة التوتر مع المغرب بالحشد العسكري الجاري بالجزائر.

في السياق، لفت المحلل المغربي، بنيس، إلى أن السلطات الجزائرية الحالية وخلافا لفترة حكم الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، انتهجت لهجة معادية للمغرب بطريقة غير مسبوقة، وقال إن هذا يجبر أي محلل على الاعتقاد بأن الحشد العسكري الجزائري موجه للمغرب.

ويخوض المغرب منذ عقود نزاعا مع جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر حول مصير الصحراء الغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة تعتبرها الأمم المتحدة من "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي". 

ويقترح المغرب الذي يسيطر على نحو 80 بالمئة من المنطقة الغنية بالموارد الباطنية، منحها حكما ذاتيا تحت سيادته. لكن جبهة بوليساريو تدعو إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير تحت رعاية الأمم المتحدة نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991. 

وملف الصحراء الغربية، كان سببا في الكثير من التوترات بين المغرب والجزائر، والتي أفضت في مناسبات إلى مواجهة مسلحة.

وشهر فبراير الماضي، استحدث المغرب منطقة عسكرية في شرق البلاد على الحدود مع الجزائر. 

وكانت القوات المسلحة المغربية حتى الآن منظمة وفق منطقتين شمالية وجنوبية. 

واعتبر موقع هسبريس المحلّي أنّ إحداث المنطقة الجديدة يأتي "لمواجهة استفزازات العسكر الجزائري"، بينما رأت صحيفة الأحداث المغربية أنّ الخطوة تهدف "إلى الحدّ من الجريمة العابرة للحدود (..) وتعزيز قدرات الدفاع عن حوزة وسلامة أرض الوطن".

وتدهورت العلاقات الثنائية عندما أعلنت الجزائر في أغسطس قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، متّهمة المملكة بارتكاب "أعمال عدائية" ضدّها. وردّت الرباط معربة عن أسفها لهذا القرار ورفضها "مبرراته الزائفة".

كما اتهمت الرئاسة الجزائرية في نوفمبر المغرب بقصف شاحنتين جزائريتين وقتل ثلاثة من مواطنيها في الصحراء الغربية.

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.