سيدات جزائريات يحتفلن بحلول رأس السنة الأمازيغية/ أرشيف
سيدات جزائريات يحتفلن بحلول رأس السنة الأمازيغية/ أرشيف

تستعد الأسر الأمازيغية ببلدان شمال إفريقيا، لإحياء ليلة رأس السنة الأمازيغية الجديدة، التي تميزها طقوس احتفالية فريدة تتنوع وتتباين من منطقة إلى أخرى رغم تقاطعاتها العديدة. 

ويحتفل الأمازيغ، ابتداء من يوم غد الخميس، 12 يناير برأس السنة الأمازيغية الجديدة 2973، والذي يطلق عليه تسمية "إيض يناير"، ويسبق التقويم الميلادي بـ 950 عاما.

وتطبع ليلة رأس السنة الأمازيغية، طقوس احتفالية شعبية ذات دلالات رمزية، تعكس ارتباط الأمازيغ بأرضهم واحتفاءهم بهويتهم الممتدة عبر التاريخ، من خلال إعداد أطباق ووجبات خاصة وتنظيم كرنفالات وتجمعات بين العائلات والجيران على أهازيج الأغاني والأناشيد الأمازيغية.

جذور الاحتفال

يربط المؤرخون أصول الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، بالشهر الأول من بداية السنة الفلاحية الأمازيغية "يناير"، وبالتالي يكون الاحتفال في أول يوم منها تفاؤلا بالخير والسعادة والرخاء ووفرة المحاصيل وازدهار القطعان، بحسب الأستاذ بجامعة سطيف، فارس كعوان في مقالة بعنوان "احتفالات يناير بالجزائر: جذورها التاريخية، تمظهراتها ودلالاتها الرمزية".

وبخلاف التقويمين الميلادي والهجري، لا يرتبط التأريخ المتعلق بـ2973 سنة بتأريخ ديني، بل يعود إلى وصول الملك شيشونق الأول، إلى هرم السلطة بمصر القديمة، وتأسيسه الأسرة الثانية والعشرين من السلالة الفرعونية، وهو الملك المختلف على أصوله، إذ يشير بعض المؤرخون إلى أصوله الأمازيغية. 

وبالنظر إلى ما يعكسه هذا الحدث من دلالات تاريخية ورمزية للتواجد الأمازيغي بشمال القارة، اختارته الأكاديمية الأمازيغية بباريس، سنة مرجعية، يبدأ منها تعداد التقويم الأمازيغي، بالتزامن مع بداية السنة الفلاحية.

ويرتبط الاحتفال بهذا العيد أيضا بمجموعة من السرديات الأسطورية بين الأمازيغ، ويبقى أكثرها شيوعا، نسبه إلى حكاية راعية أغنام عجوز تأففت من حلول يناير، فغضب منها هذا الشهر واستعار أياما من فبراير ليمدد ساعات برده حتى قضى على كل قطيعها، لذا يعتبر بعض الأمازيغ القدامى أن هذا يوم احتفال بالطبيعة والأرض لإطفاء غضب "يناير"، وجلب الخير والازدهار.

أطباق متنوعة 

ينتشر الأمازيغ في شمال أفريقيا من المنطقة الممتدة من واحة سيوة بمصر إلى إلى جزر الكناري، ومن حدود جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى مناطق الصحراء الكبرى، ويتحدثون اللغة الأمازيغية بلهاجتها المحلية المتعددة، وتكتب بحروف "تيفناغ"، وهي أحد أقدم خطوط الكتابة.

ويحتفي الأمازيغ بحلول عامهم الجديد، خاصة في الجزائر والمغرب، بطقوس متنوعة في اللباس والأطباق التي تؤثث موائدهم، غير أنها تتقاطع في تجسيدها لمبادئ الارتباط بالأرض والاحتفاء بالهوية.

بالجزائر، اعتمدت السلطات الجزائرية 12 يناير من كل عام، يوم عطلة رسمي احتفالا برأس السنة الأمازيغية الجديدة، ويخلد  الجزائريون هذا اليوم بمختلف القرى والمدن، خاصة في المناطق التي ينتشر بها الأمازيغ، مثل القبائل (شرق العاصمة)، والشاوية في منطقة الأوراس (جنوب شرق).

سيدة جزائرية ترقص خلال الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية/ أرشيف

وتبقى أبرز مظاهر الاحتفال لدى الجزائريين إعداد أطباق ومأكولات تعد خصيصا خلال هذا العيد، يتناولها أفراد الأسرة مجتمعين ليلة رأس السنة، بالإضافة إلى تنظيم كرنفالات وعروض مسرحية فرجوية واحتفاليات خاصة بالأطفال.

ويعتبر الكسكسي أو "الطعام"، الطبق الأهم، للاحتفال بهذه المناسبة بوسط البلاد وغربها، ويتم إعداده، بالاعتماد على أنواع مختلفة من الخضراوات، فيما تبقى "الشخشوخة"، طبق العيد الرئيسي في شرق البلاد، فيما تعد الجدات بشرق البلاد "الشرشم"، وهو مزيج من البقوليات والحبوب التي تغلى في الماء وتملح وتؤكل.

الكاتب والباحث الجزائري في الأدب الشفهي، رمضان العراب، يقول إن لكل منطقة خصوصياتها وعاداتها في تخليد هذا اليوم، الذي يوحي إلى بداية الموسم الزراعي، وترمي عادات الاحتفال به، إلى التفاؤل بموسم فلاحي أفضل.

ويوضح العراب في تصريح لموقع "الحرة"، أن الشعوب الأمازيغية بالمنطقة، تحتفل برأس السنة الأمازيغية منذ القدم، مشيرا إلى أن منذ ترسيمه عيدا وطنيا بالجزائر، اكتسب زخما إضافيا، ويتم الاحتفاء به في كل مناطق البلاد.

ويكشف  الباحث الجزائري، أن الاحتفالات بهذا اليوم، قد تمتد في مناطق وقرى بالجزائر لأكثر من أسبوع، تعمه لقاءات الأهل والجيران، وتتخلله احتفالات وولائم خاصة، خالصة في مناطق القبائل بتيزي وزو.

تجسيد العلاقة بالأرض

وبالمغرب، يحيي الأمازيغ رأس السنة الأمازيغية في 13 يناير بمظاهر وأشكال احتفالية بارزة، رغم أن مطالبهم المتكررة بإقرار هذا اليوم عطلة رسمي، لا تلقى الصدى المأمول من طرف السلطات المعنية.

ومع اقتراب يوم 13 يناير، جددت مجموعة من المنظمات والهيئات الناشطة في مجال الدفاع عن الثقافة الأمازيغية بالمغرب، مطالبتها البلاد بترسيم هذا اليوم عيدا وطنيا.

في هذا السياق، راسلت 45 منظمة حقوقية، الأسبوع الماضي، العاهل المغربي الملك محمد السادس، للمطالبة بإقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا رسميا وعطلة مؤدى عنها.

الباحث في الثقافة الأمازيغية، عبد الله بوشطارت، يؤكد أن غياب الاعتراف الرسمي، لا يلغي زخم الطقوس والاحتفالات الكثيرة والمتنوعة، مشيرا إلى أن "الأمازيغ دأبوا على الاحتفال بها وتنظيمها منذ قرون، حتى تجدرت في ثقافاتهم".

من احتفالات مغاربة برأس السنة الأمازيغية أمام البرلمان، عام 2019

وتختلف صيغ وطرق الاحتفال بـ"إيض إيناير" (ليلة يناير)، غير أن أبرزها، يتمثل في إعداد وجبات وأطباق يتم تحضيرها خصيصا لهذه الليلة.

وتبقى أشهر الأكلات، بحسب بوشطارت، طبق "تاكگلا" أو العصيدة، والكسكس بسبع خضار ثم الحگوزة والبسيس، وكلها وجبات يتم تحضيرها من الزرع والحبوب والخضر التي يزرعها ويحرثها الأمازيغ في مناطق تواجدهم.

ويوضح الباحث المغربي، أنه في المناطق الجنوبية للمغرب، التي تمتاز بالمناخ الجاف والشبه الصحراوي، تشتهر وجبة تاگلا، لأن سكان المنطقة كانوا يزرعون الشعير فقط، وفي بعض مناطق الواحات يتم إعداد هذا الطبق بالاعتماد على الذرة التي تنتشر، أما في المناطق السهلية وسط البلاد، يتم تحضير وجبة الكسكس بسبع خضر لأن المنطقة زاخرة بالخضراوات.

ويعتبر بوشطارت، أن كل هذه الوجبات والطقوس، "ترتبط بالأرض وتجسد العلاقة الوطيدة بين الأمازيغ وأرضهم التي تمنح لهم الحياة والخصوبة، لذلك نرى الشعوب الأمازيغية، تقدس الأرض والماء منذ القدم".

ويبرز الباحث في التاريخ، الأمازيغي، أن طقوس إيض يناير، تبقى في حقيقتها، احتفال بـ"أمود" أي الزرع الذي يزرعه الأمازيغ كل سنة، وانطلاق أمود يعني انطلاق الموسم الفلاحي، مشيرا إلى أن كلمة أمود تشبه إلى حد كبير كلمة "أمون" أي إله الشمس والخصوبة".

ويختم المتحدث تصريحه بالتأكيد على أن احتفالات الأمازيغ برأس السنة الجديدة، طقوس قديمة تعبر عن الفرح والسعادة والابتهاج الذي يغمر الامازيغ باعتبارهم شعوبا زراعية قديمة بقدوم موسم زراعي جديدة، وهي طقوس يتقاسمها الأمازيغ مع كل الشعوب القديمة الأخرى في العالم".

أصوات مغاربية

طيف سوريا وحوار موعود.. هل تتحقق آمال الجزائريين في انفتاح سياسي؟

13 ديسمبر 2024

تفاعل جزائريون بشكل واسع مع سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وعبر كثيرون من خلال منصات التواصل الاجتماعي عن آمال ومطالب بشأن انفتاح أكثر لحكومة بلدهم على الحريات والتعددية السياسية والإعلامية.

ورغم تباين الآراء واختلافها حول مستقبل سوريا، فإن النقاش في الجزائر سار نحو بناء المستقبل التعددي على ضوء التطورات في الشرق الأوسط، وتأثيرات ذلك على البلاد.

فرصة مناسبة للرئيس لإطلاق سجناء المحاكم الخاصّة .

Posted by Abdelwakil Blamm on Thursday, December 12, 2024

وسائل الإعلام الجزائرية مطالبة بإجراء نقاش عمومي جاد لتنوير الرأي العام الوطني بخصوص السقوط الحر لمنظومة الحكم في سوريا...

Posted by Mohamed Hennad on Monday, December 9, 2024

واندلع حراك شعبي في الجزائر في فبراير 2019 دام أكثر من سنة، احتجاجا على ترشح الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة بعد 20 سنة من الحكم (1999/2019)، ورغم استقالته من منصبه في أبريل من نفس السنة تحت ضغط الشارع، فإن الحراك تواصل إلى ما بعد إجراء انتخابات رئاسية يوم 12 ديسمبر 2019، انتهت بفوز المرشح المستقل عبد المجيد تبون.

وقاد الرئيس الجزائري سلسلة من الإصلاحات التشريعية مست دستور البلاد وقوانين الانتخابات والإعلام، كما نظم انتخابات تشريعية ومحلية مسبقة، ومست الإصلاحات قطاعات مختلفة، إلا أن ذلك لم يمنع من بقاء صوت الحراك في الشارع الجزائري وعلى منصات التواصل الاجتماعي، للمطالبة بتكريس حوار وانفتاح سياسي وإعلامي حقيقي.

وفي لقاء مع الصحافة المحلية في أكتوبر الماضي، وعد الرئيس تبون، بأنه سيتم "إرساء حوار وطني جاد لتحصين الجزائر من التدخلات الأجنبية، والقضاء على محاولات زرع الفتنة بين أبناء الشعب".

وأضاف تبون أن هذا الحوار الوطني "سيجري مع نهاية سنة 2025 أو بداية 2026"، مشيرا إلى أنه يتعين التحضير له، لكونه "يتصل بمستقبل الأجيال الصاعدة"، ويرمي إلى "تحصين الجزائر من التدخلات الأجنبية والقضاء على محاولات زرع الفتنة".

وأوضح الرئيس الجزائري أن الحوار سيكون "مسبوقا بجملة من الأولويات المتصلة بالاقتصاد الوطني وجعل الجزائر في مأمن ومناعة من التقلبات الاقتصادية والسياسية التي يشهدها العالم، ليتم المرور بعد ذلك الى مرحلة بناء الديمقراطية الحقة".

الحريات هي صمام الأمان

وتعليقا على الآمال المعلقة على انفتاح أكثر في جوانبه السياسية والإعلامية والحقوقية بالجزائر، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة أن الأحداث الأخيرة في سوريا وما تلاها من الأخبار والشهادات المتداولة عن القمع الذي عاش تحته الشعب السوري، أعاد النقاش في الجزائر حول "أهمية الحريات لحماية البلاد".

ويؤكد بوقاعدة في حديثه لـ"الحرة" أنه لا يمكن حماية الوطن "بالتضييق على حرية التعبير والحريات العامة لأن هذه المعايير والقيم هي الصمام الآمن للجزائر".

ويشدد المتحدث على أن "تعزيز اللحمة الوطنية لمواجهة مختلف المؤامرات والدسائس التي تهدد البلاد لا يمكن أن تتم بتكريس مشاعر الاغتراب والتخوف من المشاركة في الحياة السياسية والعامة في البلاد".

ويعتقد بوقاعدة أن الحوار الوطني الذي وعد به الرئيس تبون "أصبح ملحا في الزمن 
والموضوع"، مشيرا إلى أنه "سيسمح بإعادة ترتيب المشهد الوطني العام، عبر فتح نقاش موسع حول آليات إدارة الدولة التي يتوافق عليها الجزائريون"، داعيا إلى "عدم احتكار الرأي والوطنية وإقصاء الرأي الآخر والتشكيك في وطنية كل مخالف".

طموحات وآمال مشروعة

في المقابل فإن هذه الآمال "مشروعة"، بالنسبة للناشط في حركة المجتمع المدني (جمعيات مستقلة)، حسين بابا، الذي يرى أن الانفتاح أكثر على الحريات بمختلف ميادينها "طموح يتقاطع ووعود رئيس الجمهورية التي قطعها عقب انتخابة لولاية رئاسية ثانية في السابع سبتمبر الماضي".

ويؤكد حسين بابا في حديثه لـ"الحرة" أن الجزائر "كانت تخطو دوما خطوات استباقية من خلال التجربة السياسية والإعلامية والاقتصادية التي خاضتها عقب انتفاضة 5 أكتوبر 1988"، مشيرا إلى أن فترة التسعينات "الأليمة لا يجب أن تكون مبررا للتراجع عن الديموقراطية الحقيقية ".

ولا يستبعد المتحدث أن تلجأ الحكومة إلى القيام بخطوات "تكرس انفتاحا سياسيا جديدا ومسبقا"، خلال السنة القادمة عوضا الانتظار إلي نهايتها أو مطلع سنة 2026، "نظرا لمتطلبات المرحلة التي تفرضها تداعيات الأوضاع في العالم العربي".