تعرف العلاقات بين فرنسا والجزائر خلال الفترة الأخيرة تطورات إيجابية، ترجمتها الزيارات الرسمية بين مسؤولي البلدين، في الوقت الذي يتحدث متابعون عن فتور بين باريس والمغرب، لصالح تقارب غير مسبوق مع إسرائيل بموجب اتفاقات إبراهيم التي وقعتها الرباط بوساطة أميركية.
يُشير تقريرٌ لمجلة "الإيكونوميست" حمل عنوان "فرنسا تتخلى عن المغرب لصالح الجزائر"، أن باريس سعت منذ فترة للتقارب مع الجزائر، شأنها شأن العديد من الدول الأوروبية، في خضم الحرب الروسية على أوكرانيا، التي تسببت في أزمة غاز غير مسبوقة.
في المقابل يقول التقرير إن فرنسا نأت بنفسها عن المغرب الذي يواجه انتقادات من قبل الاتحاد الأوروبي بسبب سجله الحقوقي واتهامه في قضية رشاوى بعض نواب البرلمان الأوروبي لدعم تصوره للقضية الصحراوية.
على النقيض، أصبحت الجزائر مزارا للمسؤولين الأوروبيين منذ أشهر، حيث تسعى كل دولة على حدة لأجل إبرام اتفاقات طاقوية معها، وهي التي تعد من أكبر موردي الغاز في المنطقة.
وقبل أيام زارت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، الجزائر، حيث أبدت رغبتها خلال لقاء مع تبون في تعزيز التعاون بين بلديهما في مجال الطاقة بحيث تصبح إيطاليا "مركزاً" لتوزيع الطاقة الجزائرية في أوروبا.
وفي أكتوبر2022، توجّهت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن، برفقة حوالى خمسة عشر وزيراً، إلى الجزائر لإبرام عدة اتفاقيات مشاريع اقتصادية و"شراكة متجدّدة" كانت منطلقا لعهد جديد.
الزيارات بين مسؤولي البلدين وفق التقرير، مؤشر آخر على تباين ميزان العلاقات بين باريس والجزائر من جهة وبينها وبين الرباط من جهة أخرى.
وبينما لم يلتق العاهل المغربي، محمد السادس، الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، منذ 2018، حينما زار الأخير الرباط، لم يلتق الرجلان في باريس "رغم أن الملك محمد السادس قضى نحو أربعة أشهر في فرنسا" حسبما تلفت المجلة.
في المقابل زار ماكرون الجزائر، في صيف 2022، والتقى بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قبل أن يستقبل قائد الأركان الجزائري، الفريق السعيد سنقريحة، الذي زار باريس في يناير المنتهي.
وتأتي زيارة شنقريحة إلى فرنسا قبل زيارة دولة مرتقبة للرئيس الجزائري إلى باريس في مايو المقبل.
يذكر أن ماكرون لم يزر المغرب، رغم أنه أعطى انطباعا خلال لقاء غير رسمي، مع مغاربة مقيمين في فرنسا، بأنه سيفعل شهر أكتوبر من السنة الماضية.
#Maroc/#France#Macron au #Maroc en octobre
— INCIDENCES (@INCIDENCES12) August 28, 2022
Quelques heures après son retour de sa visite officielle en #Algerie, #Macron a révélé qu’il serait en visite au #Maroc.@EmmanuelMacron s’adressait à des #Marocains alors qu’il rentrait d’une virée nocturne avec sa femme #Brigitte pic.twitter.com/6LBM0OXiI3
وتُعتبر الرباط، باريس، مترددة بشأن ملف الصحراء الغربية، بينما تسعى لتجديد علاقاتها مع الجزائر، الخصم الإقليمي.
كما لم يرق للجانب الفرنسي نشر كونسورسيوم Forbidden Stories الإعلامي معلومات مفادها أن المغرب، استخدم برنامج التجسس الإسرائيلي بيغاسوس، للتنصت على هواتف ماكرون ووزراء آخرين في عام 2019. لكن الرباط نفت ذلك.
في الجهة المقابلة، تستثمر الرباط علاقاتها مع إسرائيل بشكل مكثف، حيث تسعى لدعم التبادل بينهما في مختلف المجالات.
واتفق الطرفان شهر يناير الماضي على توسيع تعاونهما العسكري ليشمل الاستعلام والدفاع الجوي والحرب الإلكترونية، على ما أفاد بيان لقيادة القوات المسلحة الملكية إثر اجتماع لجنة مشتركة بالرباط.
وكان البلدان أبرما اتفاق تعاون أمني في نوفمبر 2021، أثار حفيظة الجارة الجزائر التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في صيف ذلك العام، في سياق توتر حاد بينهما بسبب النزاع حول الصحراء الغربية.
وتضمن اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل أواخر العام 2020 اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
"في غضون ذلك، يتصاعد التوتر بشكل خطير على طول الحدود الجزائرية المغربية" وفق "ذا إيكونوميست".
وكانت العلاقات بين البلدين عرفت أخطر تطور مسلح، عام 1963، بسبب مشاكل حدودية.
يخشى المغرب من أن الجزائر قد تزود البوليساريو بطائرات بدون طيار "بينما تخشى الجزائر من أن تساعد إسرائيل المغرب في التخطيط لضربة إلكترونية ضد حقول نفطها" وفق ذات الصحيفة.
تعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي الجزائري، إسماعيل دبش، إن الجزائر وفرنسا كانتا شريكتين على أكثر من صعيد منذ عدة عقود، وما التوطيد الذي عرفته مؤخرا إلا تجديد للروابط التارخية بينهما.
وفي حديث لموقع الحرة، شدد دبش على أن الجزائر التي تحظى بتموقع جغرافي استراتيجي، تخدم المصالح الفرنسية في الساحل الأفريقي أكثر من أي بلد آخر، في إشارة إلى المغرب.
في المقابل يرجع الرجل تدهور العلاقات بين باريس والرباط، "لتورط الأخير في فضائح رشاوى" وقبل ذلك، وفق تعبيره، "باختراق هواتف المسؤولين الفرنسيين والإسبان بل وحتى الرئيس ماكرون نفسه".
يعزي دبش كذلك اهتمام فرنسا بالجزائر أكثر من أي وقت مضى لحاجتها لإبرام اتفاقات اقتصادية مع "شريك قوي" حسب قوله، بينما ترى بأن الجزائر يمكن أن تكون ضامنا لاستتباب الأمن في الساحل الأفريقي، وذكر الأزمة الأمنية في مالي وبوركينا فاسو وكثير من الدول الأخرى.
"فرنسا تخشى من تزايد تواجد روسيا في المنطقة، وترى بأن الجزائر لاعب رئيسي وموثوق هناك" يقول دبش.
يعود المحلل الجزائري بعدها ليؤكد أن الجزائر ولو أنها حليف قوي لموسكو، إلا أنها تحسن تدبير علاقاتتها مع جميع الفاعلين الدوليين وضمان مصلحتها فوق كل اعتبار.
يشار إلى أنه في الوقت الذي أشاد فيه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف بالجزائر، وأنها مرشحة بقوة للانضمام إلى تحالف "بريكس" الاقتصادي، ذكرت وزارة الخارجية الجزائرية، أن مساعدة كاتب الدولة الأميركي، ويندي شيرمان، تباحثت مع وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، حول "الوضع في مالي ومنطقة الساحل والصحراء، وكذا التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، وقضيتي الصحراء الغربية وفلسطين، إلى جانب الأزمة الحالية في العلاقات الدولية على خلفية الحرب في أوكرانيا".
أجرى وزير الشؤون الخارجية، رمطان لعمامرة، اليوم محادثة هاتفية مع نائبة كاتب الدولة الأمريكي، السيدة ويندي شيرمان، بمبادرة من هذه الأخيرة.
— وزارة الشؤون الخارجية| MFA-Algeria (@Algeria_MFA) February 1, 2023
تبادل الطرفان وجهات النظر حول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك على الصعيدين الإقليمي والدولي، pic.twitter.com/KpQQWTMnsE
تشير هذه الدينامية وفق دبش إلى أن الغرب عموما وفرنسا والولايات المتحدة على وجه التحديد لا يرغبون في أي توترات أمنية في المنتطقة ومن ضمنها بين المغرب والجزائر.
دبش رجح أن يأتي أي توتر محتمل من قبل المغرب، وفق رؤيته، لكنه أكد أن الجزائر لن تدخل في أي نزاع خارج حدودها بموجب فلسفة جيشها الذي " لم يبادر منذ الاستقلال في أي عمل عسكري خارج حدود البلاد".
المحلل المغربي، أشرف الطريبق، وبخلاف ما جاء في تقرير المجلة، يرى أن هناك مستويين للعلاقات بين المغرب وفرنسا، الأول ظاهر والثاني خفي.
ويوضح الطريبق أنه رغم أن الكثير من المؤشرات الظاهرة تشي بتوتر العلاقات بين الرباط وباريس، إلا أن التعاون الأمني بينهما لم يتوقف، وهو دليل على أن العلاقات بينهما تمر بفترة فتور فقط "ولا يمكن بأي حال من الأحوال، الحديث عن تراجع".
وفي اتصال مع موقع الحرة، لفت الطريبق إلى أن الأسباب التي تقف وراء الفتور بين البلدين، لا تتعلق بقضية الرشاوى، أو التجسس، بل تعود لـ"غضب المغرب لتقارب باريس مع الجزائر، وموقفها الغامض بخصوص قضية الصحراء".
إلى ذلك، رفض الطريبق الحديث عن التقارب المغربي الإسرائيلي كـ"مقابل" للتقارب الجزائري الفرنسي، وقال إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل لا علاقة له بعلاقة الجزائر وفرنسا.
في المقابل يرى الطريبق بأن التقارب الإسباني المغربي هو ما يجب مقارنته بما يحصل بين الجزائر وفرنسا، إذ يعتبر أن وجه المقارنة يكون مؤسسا عندما يتعلق الأمر ببلدين من نفس النطاق الجغرافي والمصالح الاقتصادية التي تدخل ضمن اللعبة الدبلوماسية.
وقال: "إسرائيل ورقة تستخدمها الجزائر دبلوماسيا وإعلاميا فقط" ثم تابع "لا يمكن إدخال إسرائيل كورقة في المعادلة".
وفي تعليقه على فكرة أن الجزائر أضحت لاعبا أساسيا في الساحل الأفريقي، قال إن المغرب كذلك أصبح ورقة أساسية لأوروبا من ناحية محاربة الهجرة غير النظامية والإرهاب.
وقال في الصدد "المغرب ساهم بقسط كبير في الحد من الهجرة ومختلف المخاطر الأمنية في أوروبا والمعلومات التي قدمها للشركاء ساهمت في تلافي العديد من الأزمات".
وإذ يرفض وصف توتر العلاقات بين فرنسا والمغرب خلال الأشهر الأخيرة بـ"التراجع"، يرى بأن المغرب "غضب فعلا من عودة العلاقات بين الجزائر وفرنسا إلى مجاريها" وهو وفقه، ما يقف وراء ما وصفه بـ "الفتور" الحاصل بين الرباط وباريس.
يرى الطريبق أيضا أن المغرب ساهم بشكل فعال في خفض التوترات التي تعرفها منطقة الساحل والنزاعات بين فرنسا ومستعمراتها الأفريقية السابقة، بدافع من روسيا والصين.
وقال إن المغرب يهدف من خلال هذا الدور، لضمان مصالحه في الاتحاد الأفريقي على وجه التحديد، لدعم موقفه وطرحه في قضية الصحراء الغربية.
وبالعودة إلى قضية العلاقات بين الجزائر وفرنسا قال الطريبق "لولا أزمة الغاز لما كان هناك عودة للدفء بين باريس والجزائر" مشيرا مجددا إلى عدم الخلط بين التقارب الجزائري الفرنسي والمغربي الإسرائيلي.
أما عن خطورة الوضع الذي قد تفرزه هذه العلاقات المتوترة وإمكانية تصعيد أمني بينهما كما جاء في تقرير "ذا إيكونوميست" فيرى الطريبق أنه غير مؤسس.
المحلل المغربي رد على نظيره الجزائري الذي قال إن أي تصعيد على الحدود بين البلدين، سيكون سببه الاستفزاز المغربي بالقول "أي بلد منهما عقد اجتماعا لمجلسه الحربي خلال الفترة السابقة؟" في إشارة إلى اجتماع مجلس الأمن القومي بالجزائر قبل نحو أربعة أيام.
الطريبق عبر عن رفضه لهذا الطرح بالتأكيد على أن المغرب لا يستضيف أي حركة انفصالية جزائرية على ترابه، بل منع على مسؤوليه الخوض في الحراك الجزائري في 2019 حتى لا يتهم بالتدخل في شؤون الجار الغربي.
وقال تعليقا على ما جاء في التقرير وخطورة أن يؤول الوضع لأحداث مماثلة لتلك التي عرفتها حرب الرمال في 1963 بالقول "نحن نستبعد خيار الحرب.. هي فقط جعجعة بلا طحين".