اتهمت وكالة الأنباء الجزائرية، أوساطا في فرنسا بالعمل على تقويض علاقات الجزائر مع باريس، باستخدام عملاء سريين ومستشارين من أصل جزائري على صلة بالمملكة المغربية، وذلك بعد حادثة إجلاء ناشطة جزائرية مطلوبة لبلادها إلى فرنسا.
وبلهجة حادة "قد تعبر عن الموقف الرسمي للجزائر" وفق وصف محلل، قالت الوكالة الحكومية إنه "يوجد على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي، خطة تقضي بتقويض العلاقات الجزائرية-الفرنسية، يتم تنفيذها من قبل عملاء سريين و "خبارجية" وبعض المسؤولين على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي ووزارة الخارجية الفرنسية و كذا بعض المستشارين الفرنسيين من أصل جزائري لا يخفون ولعهم وتبجيلهم للمخزن."
و"الخبارجية" كلمة يتداولها الجزائريون لوصف عملاء المخابرات. فيما تشير كلمة "المخزن" إلى رجال السلطة في المغرب.
مقال الوكالة الذي يترجم الغضب الرسمي من "إجلاء" الناشطة الجزائرية، أميرة بوراوي، من تونس نحو فرنسا رغم أنها ممنوعة من مغادرة التراب الجزائري، جاء بعنوان "المصالح الفرنسية (البربوز) تسعى إلى القطيعة النهائية مع الجزائر".
و"البربوز" رسم عربي للكلمة الفرنسية "les barbouzes" والتي تشير إلى مجموعة من القوات الخاصة كانت تخدم سياسة فرنسا الرسمية في عهد الرئيس شارل ديغول إبان استقلال الجزائر في عام 1962، لكنها لم تكن تحمل أي صفة رسمية.
الغرض من إنشائها كان مواجهة منظمة سرية تُسمى (OAS) مكونة من عسكريين فرنسيين كانوا ضد مسار التفاوض مع الحكومة المؤقتة الجزائرية لإنهاء الحرب.
وصف "البربوز "جاء لنعت أولئك الرجال الذين كانوا يضعون لحى مزيفة لإخفاء هوياتهم الحقيقية.
واللحية بالفرنسية تسمة "بارب"( BARBE) ومنها جاء وصف بربوز (أصحاب اللحى).
"تغيّر حاد"
تعليقا على ما جاء في مقال وكالة الأنباء الجزائرية، اعتبر المحلل السياسي الجزائري، فيصل مطاوي، أن موقف الحكومة ليس بعيدا بكثير عما ورد من وعيد.
وقال إن سحب السفير أصلا ينذر بتغير حاد في مسار العلاقات الجيدة التي رسمتها الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين.
وفي حديث لموقع الحرة، قال مطاوي إن إقحام المغرب في القضية يأتي استمرارا لما يتم تداوله على المستوى الرسمي والإعلامي عموما بأن مقربين من المملكة يحاولون بتر أي خيط تربطه باريس مع الجزائر، خصوصا وأن العلاقات بين فرنسا والمغرب تشهد برودا غير مسبوق.
والجمعة، أعلنت وسائل إعلام مغربية في سياق الجفاء السائد منذ عدة أشهر بين المغرب وفرنسا، أن الرباط أنهت مهام سفيرها في فرنسا، محمد بنشعبون، وفق فرانس برس.
وتتهم المملكة ، باريس، بالوقوف وراء توصية البرلمان الأوروبي المنتقدة لأوضاع حرية الصحافة في المغرب.
وكان البرلمان الأوروبي تبنى في يناير توصية غير ملزمة تطالب السلطات المغربية "باحترام حرية التعبير وحرية الإعلام"، و"ضمان محاكمات عادلة لصحافيين معتقلين".
يقول مطاوي إن اتهام لوبيات معينة في فرنسا، بالتعرض الدائم للعلاقات الجزائرية الفرنسية بالسوء "ليس وليد اليوم" مستشهدا بتصريحات سابقة للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قال فيها إن هناك ثلاثة مجموعات ضغط تحاول عرقلة أي جهد لدعم العلاقات بين بلاده وباريس.
وقال مطاوي" فعلا كلما تخرج مبادرات تقارب تحاول أطراف غير معروفة نسف هذا التقارب وهذا ما تقصده وكالة الأنباء" ثم تابع "هناك تيار داخل الخارجية والمخابرات الفرنسيتسن لا يريد من الجزائر وفرنسا أن تقتربان خدمة لمصلحة دولة أخرى".
بعدها، أشار مطاوي إلى أنه "حتى في الإعلام الجزائري يوجد من يؤكد أن هناك تيارا يحاول تغليب مصلحة المغرب على الجزائر".
إلى ذلك لفت الرجل إلى "صمت" باريس حيال تطور الأحداث التي أعقبت انتقال أميرة بوراوي إلى فرنسا مشيرا إلى محاولة مسؤول فرنسي "تقزيم القضية".
وردا على سؤال يتعلق بالحادثة، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، فرنسوا ديلماس الخميس قائلا "من جانبنا، نعتزم مواصلة العمل لتعميق علاقتنا الثنائية".
في المقابل، رفض المتحدث التعليق على استدعاء السفير الجزائري في فرنسا، قائلا إنه "قرار جزائري لا يمكنني التعليق عليه".
كما رفض التعليق على "هذه الحالة الفردية" وفق وصفه، لكنه أشار إلى أن بوراوي "مواطنة فرنسية وبناء على ذلك مارست السلطات الفرنسية الحماية القنصلية".
وحاولنا في موقع الحرة الاتصال بجهات فرنسية للتعليق على الغضب الجزائري ولم نتلق أي رد.
وبينما شهدت علاقات باريس تحسنا ملحوظا خلال الأشهر الأخيرة، أكدتها زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الجزائر، وزيارة رئيس هيئة الأركان الجزائري، سعيد شنقريحة، إلى باريس، لم يتحدث قصر الإليزيه عن أي جدولة لزيارة رئاسية قريبا.
رغم ذلك، يستغرب المحلل السياسي المغربي، خالد الشيات، كيف تتهم الجزائر، المغرب بالضلوع في موضوع يخص علاقاتها مع فرنسا، مشيرا إلى أن الأخيرة هي من تحاول التفريق بين بلده والجزائر وليس المملكة وقال "الموضوع يخص الجزائر وفرنسا".
"عنجهية" و"تنجيم"
في حديث لموقع الحرة قال الشيات إن عملية إجلاء بوراوي تدخل في نطاق "لعب فرنسا على حبل التفرقة بين المغرب والجزائر" لكه عاد ليصف تعبير مقال الوكالة الجزائرية بـ"التوجه العجيب".
وتساءل الشيات تعليقا على ما وصفته الجزائر بإجلاء مواطنة جزائرية إلى فرنسا "من أين لباريس كل هذه العنجهية؟" واصفا العملية بالـ "مهينة للجزائر".
ومضى يقول إن الأفضل للجزائر أن توجه نظرتها إلى باريس "الجهة الحقيقة وليس لجهة مفترضة".
لفت الشيات أيضا، إلى أن اتهام الجزائر للمغرب أصبح متكررا خلال السنوات الأخيرة، رغم أن العاهل المغربي، أكد خلال خطاب العرش سنة 2021، بعد قطع الجزائر علاقتها مع المغرب، أنه لا يمكن أن يأتي الشر للجزائر من المغرب.
وأشار المحلل المغربي ذاته إلى أن فرنسا استطاعت اللعب على الخلاف الجزائري المغربي، وهو ما تترجمه البلاغات الرسمية وغير الرسمية من "تنجيم" في إشارة على اتهام المغرب دون تقديم أي دليل.
وقال "هذا التنجيم يدخل في نفس سياق اتهام المغرب بالضلوع في حرائق تيزي وزو أو مقتل تجار كانوا بصدد العبور إلى موريتانيا".
وفي نوفمبر 2021، قتل ثلاثة جزائريين في قصف نسب إلى المغرب واستهدف شاحنات تقوم برحلات بين موريتانيا والجزائر.
وأفاد بيان للرئاسة الجزائرية وقتها بأن "عدة عناصر تشير إلى ضلوع قوات الاحتلال المغربية بالصحراء الغربية في ارتكاب هذا الاغتيال الجبان بواسطة سلاح متطور"، حسب تعبيره.
وقبل ذلك اتهمت الجزائر عناصر من حركة ماك التي تدعو لانفصال منطقة القبائل بالعمل رفقة المخابرات المغربية على إشعال الحرائق في تيزي وزو وبويرة وبجاية (شرق) بينما نفى المغرب ذلك.
الشيات، قال في الصدد "الحقيقة التي يراها الجميع هي أنه ليس هناك أي عامل يمكن أن يجعل المغرب يساعد على إخراج جزائرية من وطنها ويذهب بها إلى فرنسا".
عداء
بالحديث عن فرنسا، أو بعض الدوائر بباريس، التي تتهمها الجزائر بإجلاء الناشطة بوراوي، يرى المحلل الجزائري مطاوي بأن الطريقة التي تناولت بها الصحافة الفرنسية المعروفة القضية، تشي بعداء مرير في بعض الأوساط هناك لكل ما هو جزائري أو يخص التقارب بين بلده وفرنسا.
وتساءل عن السر وراء توقيت هذه "العملية" ملمحا إلى أن هناك إشارات تدل على أن هناك مجهودا خفيا لإبطال أي تقارب، بينما لم يبد أي تأييد لما جاء في مقال وكالة الأنباء الجزائرية بخصوص المغرب.
مطاوي فضل التعليق على ذلك بالقول إن "هناك اعتقاد في السلطة بذلك، بل والإعلام وحتى الرأي العام".
يفضل مطاوي، بالمقابل، التركيز على فرنسا في تحليله ويقول "سبقت العملية انتقادات حادة للجزائر من قبل سفير سابق، وكأنها خطوة أولى لتعطيل مسار التقارب الجزائري الفرنسي" ثم أضاف "لعل هذه العملية خطوة أخيرة، ولربما ستنجح في تقوض تقارب باريس والجزائر".
يرد مطاوي ذلك، إلى نجاح الدبلوماسية الجزائرية في تنويع علاقاتها خصوصا مع الولايات المتحدة والصين وروسيا، ويقول "من يعتقد أن الجزائر لا تزال مستعمرة فرنسية، يزعجه أي نجاح للجزائر على الصعيد الدولي".