تجمع الجزائر والمغرب عدة تقاليد ضمن الموروث الثقافي المشترك
تجمع الجزائر والمغرب عدة تقاليد ضمن الموروث الثقافي المشترك | Source: Social Media

قال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إن أطرافا أرادت سرقة تراث بلاده المحلي، وشدد، الأربعاء، على ضرورة إيداع ملفات لدى منظمة "اليونسكو" للحفاظ على الموروث الجزائري من السرقة.

وخلال زياة قادته، إلى معرض يخص النساء الحرفيات، بمناسبة إحياء اليوم العالمي للمرأة، قال تبون متحدثا بالعامية الجزائرية مع إحدى العارضات :"هاد التراث هدا واحد الوقت سمحنا فيه حتى حبو يدوه لينا (..) أغلب التقاليد تاعنا اليوم تفوت ليونيسكو".

ومعنى حديث تبون هو أن الجزائر فرطت في وقت سابق في تراثها حتى أراد البعض سرقته منها، وأوصى بضرورة إيداع ملفات تخص الموروث الجزائري لدى منظمة اليونسكو لحمايته من السرقة.

ولم يسمّ تبون الأطراف التي يتهمها بمحاولة سرقة التراث الجزائري، لكن التعليقات التي صاحبت المقطع الذي وثق تدخل تبون، على مواقع التواصل الاجتماعي، أشارت إلى أن الرئيس الجزائري يقصد المغرب.

كما أن المحلل المغربي، حفيظ الزهري، رجّح في اتصال مع موقع الحرة، أن يكون تبون قصد بالفعل المغرب، مشيرا إلى أنه "يريد بهذا التصريح إلهاء الشعب الجزائري عن مشاكله الحقيقة".

ويتشارك المغرب والجزائر، العديد من العادات والتقاليد، والموروث الثقافي عموما، متمثلا في الأطباق، واللباس، والكثير من الفولكلور الشعبي.

لكن المحلل الجزائري، علي بوخلاف، رأى من جانبه أن نقاط الالتقاء تلك، "أصبحت مثارا للتراشق على المنصات الاجتماعية بين جزائريين ومغاربة" عوض أن تكون عاملا جامعا بينهما.

وفي حديث لموقع الحرة شدد الرجل على عدم الانسياق وراء كل ما يثار على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال "لا أظن أن بعض التراشقات في وسائل التواصل تستوجب الرد من طرف السلطات الرسمية".

مفترق طرق

وبينما تتطلع البلدان التي تتقاسم نفس الموروث إلى استغلاله للتقارب بين الشعوب، شكلت نقطة الالتقاء تلك، مفترق طرق بين الجزائر والمغرب، حيث يسعى كل طرف لإظهار الطرف الآخر على أنه يريد الاعتداء على موروثه وسرقته.

كانت آخر حلقات هذا النزاع، الجدل الذي رافق ظهور نساء مغربيات بـ"الحايك" الذي اعتبره جزائريون أنه موروث خاص بهم في حين رأى مغاربة أنه من التراث الأصيل للمملكة.

والحايك نوع من الرداء الأبيض الطويل، ترتديه النسوة كنوع من السترة، لا يظهر من أجسادهن إلا الرأس، بل وهناك من النساء من تغطي وجهها كذلك، بذات الرداء، أو بقطعة قماش صغيرة تسمى "العجار" (يقابله النقاب حاليا).

قبل ذلك، تراشق جزائريون ومغاربة بسبب رسم على قميص المنتخب الجزائري، يصور نوعا من الزخارف المعروفة في قصور الجزائر والمغرب القديمة.

رسوم الزليج على قمصان المنتخب الجزائري، الذي أنتجه شركة "أديداس" لم يثر رواد مواقع التواصل بالبلدين فحسب، بل بادرت وزارة الثقافة المغربية وقتها (سبتمبر 2022) بمراسلة "أديداس" وأبدت استياءها مما وصفته وقتها بـ"استخدام رموز المغرب للغشارة لبلد آخر".

وكشف المحامي المغربي، الذي كلفته الوزارة المغربية، مراد العجوطي في حديث لموقع الحرة، وقتها، أنه رفع إشعارا رسميا للشركة، "لسحب تلك القمصان المستوحاة من فن الزليج المغربي".

والزليج عبارة عن زخرفة فسيفسائية تزين بها الجدران ومساحات الأرض، في البيوت والقصور القديمة.

لكن المختص الجزائري في التاريخ، محمد ياحي، قال لموقع الحرة، وقتها، تعليقا على ذلك، إن ثقافات بلدان المغرب الكبير تتداخل بشكل يجعل من الصعب التفريق بين موروث هذا البلد أو ذاك.

وكذلك، رد معلقون مغاربة على تصريح الرئيس الجزائري، الأربعاء، إذ اعتبر كثيرون أنه ليس هناك تحرك مغربي لسرقة التراث الجزائري، معترفين بأن هناك عدة نقاط التقاء بينهما.

في المقابل يرفض معلقون آخرون أن يتم إقحام ما يرونه موروثهم الخاص مع الدولة الجارة، سواء من الجانب الجزائري أو المغربي.

ويتضح من خلال التعليقات التي أثارها تصريح تبون أن الأزمة بين البلدين طالت حتى جوانب تاريخية، أصبحت محل تساؤل وجدل متواصل على مواقع التواصل الاجتماعي.

أصبح المغاربة والجزائريون يتراشقون بسبب أبسط تصريح بالخصوص أو ظهور أحد فناني البلدين بأي لباس يشبه أو يتقارب مع اللباس المتداول في البلد الآخر.

وطالت أزمة التراث بين البلدين فنانيين من المشرق كذلك، حيث يثير أي فنان من المشرق العربي الرأي العام في هذا البلد أو ذاك (المغرب أو الجزائر) بسبب أبسط إشارة تخص الموروث الخاص بأي منهما.

وشهر ديمسبر الماضي، أثارت الفنانة السورية، أصالة نصري، غضب جزائريين بعد ظهورها بـ"خيط الروح"، وهو حلي من التراث الجزائري، في فيديو كليب مشترك مع الفنانة المغربية أسماء لمنور.

"صبّ الزيت على النار"

الزهري، يقول إن تصريح تبون يدخل ضمن سياسة إلهاء الشعب الجزائري عن مشاكله الحقيقة "ودفعه باتجاه عدو وهمي لضمان البقاء في السلطة".

وشدد على أن هذه السياسية كانت ديدن "النظام العسكري الجزائري منذ سنوات" وفق وصفه.

وإذ يؤكد الزهري أن تصريح تبون "فيه إشارة إلى المغرب" يرى بأن الشعب الجزائري سيتفطن لـ"محاولة تبون صب الزيت على النار من أجل مزيد من التعقيد والاستمرار في الحكم وإلهاء الشعب" وفق تعبيره

يُذكر أن تبون انتخب رئيسا للجزائر سنة 2019، بعد حراك شعبي أجبر سلفه، عبد العزيز بوتفليقة على التنحي، وهناك أنباء على نيته الترشح لولاية ثانية بمناسبة انتخابات الرئاسة المقررة نهاية 2024.

من جانبه، يرى بوخلاف أن هناك محاولات مغربية غير رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي للسطو على الموروث الجزائري، لكنه قال "لا يمكن الجزم إن كانت جهات رسمية وراء تلك المنشورات".

وقال أيضا "ربما هناك من يريد استفزاز الجزائريين عن طريق نشر صور تمس موروثهم، لكن لا يمكن القول أن تلك المحاولات تأتي من جهات مغربية رسمية".

لذلك، جدد الرجل دعوته لعدم الانسياق وراء ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي حتى التأكد من مصدر المنشور.

وفي سياق حديثه، كشف أن المنشورات التي زعمت أن هناك ملفا مغربيا لدى منظمة اليونسكو لتسجيل موسيقى الراي الجزائرية على أنها تراث مغربي "عارية من الصحة".

وقال :"أكد لي شخصيا مسؤول من المركز الإقليمي لحماية التراث الثقافي اللامادي بأن ليس هناك ملف لإدراج موسيقى الراي كموروث عالمي جزائري إلا ملف الجزائر".

في هذا الصدد، يؤكد الزهري على أن أي استثمار في الخلاف حول الموروث الثقافي المشترك بين البلدين "لن يدوم طويلا بحكم أن الشعب الجزائري يعي كامل الوعي أن هذا النظام يحاول إلهاءه عن مشاكله الداخلية الحقيقية" مستنكار ما يصفه بـ"محاولة صنع الحدث من لاشيء".

لكن بوخلاف يرد على ذلك بالتساؤل حول أحقية البلد الجار في تسجيل طبق الكسكسي مثلا باسمه في منظمة اليونسكو، مشيدا بالخطوة الجزائرية التي طلبت إدراجه كموروث مغاربي مشترك.

يذكر أن طبق الكسكسي هو الآخر شكل نقطة جدل كبير على المنصات الاجتماعية قبل أن يتم إدراجه سنة 2020 كموروث ثقافي مغاربي.

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.