قال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إن أطرافا أرادت سرقة تراث بلاده المحلي، وشدد، الأربعاء، على ضرورة إيداع ملفات لدى منظمة "اليونسكو" للحفاظ على الموروث الجزائري من السرقة.
وخلال زياة قادته، إلى معرض يخص النساء الحرفيات، بمناسبة إحياء اليوم العالمي للمرأة، قال تبون متحدثا بالعامية الجزائرية مع إحدى العارضات :"هاد التراث هدا واحد الوقت سمحنا فيه حتى حبو يدوه لينا (..) أغلب التقاليد تاعنا اليوم تفوت ليونيسكو".
ومعنى حديث تبون هو أن الجزائر فرطت في وقت سابق في تراثها حتى أراد البعض سرقته منها، وأوصى بضرورة إيداع ملفات تخص الموروث الجزائري لدى منظمة اليونسكو لحمايته من السرقة.
رئيس الجمهورية: غفلنا عن تراثنا #الجزائري سابقا فاستفقنا على محاولات لسرقته.. سنقوم بتسجيله لدى #اليونسكو كثراث للإنسانية pic.twitter.com/9TtQsOnFYK
— Abderrezak Boulkemh (@abdoureporter) March 8, 2023
ولم يسمّ تبون الأطراف التي يتهمها بمحاولة سرقة التراث الجزائري، لكن التعليقات التي صاحبت المقطع الذي وثق تدخل تبون، على مواقع التواصل الاجتماعي، أشارت إلى أن الرئيس الجزائري يقصد المغرب.
كما أن المحلل المغربي، حفيظ الزهري، رجّح في اتصال مع موقع الحرة، أن يكون تبون قصد بالفعل المغرب، مشيرا إلى أنه "يريد بهذا التصريح إلهاء الشعب الجزائري عن مشاكله الحقيقة".
ويتشارك المغرب والجزائر، العديد من العادات والتقاليد، والموروث الثقافي عموما، متمثلا في الأطباق، واللباس، والكثير من الفولكلور الشعبي.
لكن المحلل الجزائري، علي بوخلاف، رأى من جانبه أن نقاط الالتقاء تلك، "أصبحت مثارا للتراشق على المنصات الاجتماعية بين جزائريين ومغاربة" عوض أن تكون عاملا جامعا بينهما.
وفي حديث لموقع الحرة شدد الرجل على عدم الانسياق وراء كل ما يثار على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال "لا أظن أن بعض التراشقات في وسائل التواصل تستوجب الرد من طرف السلطات الرسمية".
مفترق طرق
وبينما تتطلع البلدان التي تتقاسم نفس الموروث إلى استغلاله للتقارب بين الشعوب، شكلت نقطة الالتقاء تلك، مفترق طرق بين الجزائر والمغرب، حيث يسعى كل طرف لإظهار الطرف الآخر على أنه يريد الاعتداء على موروثه وسرقته.
كانت آخر حلقات هذا النزاع، الجدل الذي رافق ظهور نساء مغربيات بـ"الحايك" الذي اعتبره جزائريون أنه موروث خاص بهم في حين رأى مغاربة أنه من التراث الأصيل للمملكة.
والحايك نوع من الرداء الأبيض الطويل، ترتديه النسوة كنوع من السترة، لا يظهر من أجسادهن إلا الرأس، بل وهناك من النساء من تغطي وجهها كذلك، بذات الرداء، أو بقطعة قماش صغيرة تسمى "العجار" (يقابله النقاب حاليا).
الحايك المغربي السوسي 🇲🇦🥰👑 #الحايك_المغربي_الاصل_والباقي_تقليد_وسرقة #المغرب #الحايك_المغربي pic.twitter.com/uh7Abw5h8f
— The Kingdom of Morocco (@lallasoltna) March 8, 2023
قبل ذلك، تراشق جزائريون ومغاربة بسبب رسم على قميص المنتخب الجزائري، يصور نوعا من الزخارف المعروفة في قصور الجزائر والمغرب القديمة.
رسوم الزليج على قمصان المنتخب الجزائري، الذي أنتجه شركة "أديداس" لم يثر رواد مواقع التواصل بالبلدين فحسب، بل بادرت وزارة الثقافة المغربية وقتها (سبتمبر 2022) بمراسلة "أديداس" وأبدت استياءها مما وصفته وقتها بـ"استخدام رموز المغرب للغشارة لبلد آخر".

وكشف المحامي المغربي، الذي كلفته الوزارة المغربية، مراد العجوطي في حديث لموقع الحرة، وقتها، أنه رفع إشعارا رسميا للشركة، "لسحب تلك القمصان المستوحاة من فن الزليج المغربي".
والزليج عبارة عن زخرفة فسيفسائية تزين بها الجدران ومساحات الأرض، في البيوت والقصور القديمة.
لكن المختص الجزائري في التاريخ، محمد ياحي، قال لموقع الحرة، وقتها، تعليقا على ذلك، إن ثقافات بلدان المغرب الكبير تتداخل بشكل يجعل من الصعب التفريق بين موروث هذا البلد أو ذاك.
وكذلك، رد معلقون مغاربة على تصريح الرئيس الجزائري، الأربعاء، إذ اعتبر كثيرون أنه ليس هناك تحرك مغربي لسرقة التراث الجزائري، معترفين بأن هناك عدة نقاط التقاء بينهما.
لا أحد يرغب في سرقة شيء منك عمو تبون . المغرب لا يحتاج الى سرقة او نهب . المغرب عنده حضارته وتراثه الممتد على مدى 12 قرن من الزمن. هناك بطبيعة الحال امور متشابهة بين تراث المغرب والجزائر بحكم التثاقف و الهجرات و غيرها . و هذا امر يوجد في كل بقاع العالم .
— تغريد خارج القفص (@HanzBag) March 9, 2023
في المقابل يرفض معلقون آخرون أن يتم إقحام ما يرونه موروثهم الخاص مع الدولة الجارة، سواء من الجانب الجزائري أو المغربي.
ماخلاو لا برنوس لا حايك لا قفطان لا زليج لا خيط الروح لا الأكلات التقليدية. ماخلاو والو. كلش بالسرقة.
— Hicham Moufek (@MoufekHicham) March 7, 2023
حمبوك إذا تسرق وتنسب ليك واش من طاريخ تاع 12 قرن عندك؟
راح تخلي غي طاريخ التطبيع والذل والرخس!
على أحرار #المغرب أن يتحركوا اليوم قبل الغد!#المروك_تنهب_الحايك_الجزائري
شوف الهمة pic.twitter.com/9pDQ48ZtKs
ويتضح من خلال التعليقات التي أثارها تصريح تبون أن الأزمة بين البلدين طالت حتى جوانب تاريخية، أصبحت محل تساؤل وجدل متواصل على مواقع التواصل الاجتماعي.
جريدة مغربية صادرة عام 1940 بمراكش
— ۞ 𝐝𝐢𝐬𝐜𝐨𝐯𝐞𝐫 𝐚𝐥𝐠𝐞𝐫𝐢𝐚 (@discoveralgeri7) December 15, 2022
عندما كان المغاربه يتناولون الكسكس الجزائري🇩🇿 الاحسن على الإطلاق😍 pic.twitter.com/O1iOoAKSAU
أصبح المغاربة والجزائريون يتراشقون بسبب أبسط تصريح بالخصوص أو ظهور أحد فناني البلدين بأي لباس يشبه أو يتقارب مع اللباس المتداول في البلد الآخر.
لا ليس مغاربي بل جزائري...الكسكس جزائري تقاسمتموه معانا، القفطان من أصل عثماني تريدون أن تتقاسموه معانا..الزليج ،كنت آخر من وصلكم وتريدون أن تستحوذو عليه، خيط الروح الجزائري، البلوزة و......و..و...#الحايك_الجزائري .
— Classe CMI (@CmiClasse) March 8, 2023
الحمد لله على نعمة الأرشيف والتاريخ يا سراقين pic.twitter.com/ehbcRhoHtW
وطالت أزمة التراث بين البلدين فنانيين من المشرق كذلك، حيث يثير أي فنان من المشرق العربي الرأي العام في هذا البلد أو ذاك (المغرب أو الجزائر) بسبب أبسط إشارة تخص الموروث الخاص بأي منهما.
وشهر ديمسبر الماضي، أثارت الفنانة السورية، أصالة نصري، غضب جزائريين بعد ظهورها بـ"خيط الروح"، وهو حلي من التراث الجزائري، في فيديو كليب مشترك مع الفنانة المغربية أسماء لمنور.
@HouyemMe شوفي زيد هذي خيط الروح الجزائري أصبح مغربي😭😭 pic.twitter.com/7e0qTKCNu7
— تنهينان🇩🇿🇩🇿 (@tan_hinann) December 23, 2022
"صبّ الزيت على النار"
الزهري، يقول إن تصريح تبون يدخل ضمن سياسة إلهاء الشعب الجزائري عن مشاكله الحقيقة "ودفعه باتجاه عدو وهمي لضمان البقاء في السلطة".
وشدد على أن هذه السياسية كانت ديدن "النظام العسكري الجزائري منذ سنوات" وفق وصفه.
وإذ يؤكد الزهري أن تصريح تبون "فيه إشارة إلى المغرب" يرى بأن الشعب الجزائري سيتفطن لـ"محاولة تبون صب الزيت على النار من أجل مزيد من التعقيد والاستمرار في الحكم وإلهاء الشعب" وفق تعبيره
يُذكر أن تبون انتخب رئيسا للجزائر سنة 2019، بعد حراك شعبي أجبر سلفه، عبد العزيز بوتفليقة على التنحي، وهناك أنباء على نيته الترشح لولاية ثانية بمناسبة انتخابات الرئاسة المقررة نهاية 2024.
من جانبه، يرى بوخلاف أن هناك محاولات مغربية غير رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي للسطو على الموروث الجزائري، لكنه قال "لا يمكن الجزم إن كانت جهات رسمية وراء تلك المنشورات".
وقال أيضا "ربما هناك من يريد استفزاز الجزائريين عن طريق نشر صور تمس موروثهم، لكن لا يمكن القول أن تلك المحاولات تأتي من جهات مغربية رسمية".
لذلك، جدد الرجل دعوته لعدم الانسياق وراء ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي حتى التأكد من مصدر المنشور.
وفي سياق حديثه، كشف أن المنشورات التي زعمت أن هناك ملفا مغربيا لدى منظمة اليونسكو لتسجيل موسيقى الراي الجزائرية على أنها تراث مغربي "عارية من الصحة".
وقال :"أكد لي شخصيا مسؤول من المركز الإقليمي لحماية التراث الثقافي اللامادي بأن ليس هناك ملف لإدراج موسيقى الراي كموروث عالمي جزائري إلا ملف الجزائر".
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون : هناك من يحاول سرقة التراث الجزائري#الرئيس_تبون: تراث الجزائر سيسجل في اليونيسكو تفاديا لأي سرقة pic.twitter.com/JxgOV4EF2H
— أحمد حفصي || HAFSI AHMED (@ahafsidz) March 8, 2023
في هذا الصدد، يؤكد الزهري على أن أي استثمار في الخلاف حول الموروث الثقافي المشترك بين البلدين "لن يدوم طويلا بحكم أن الشعب الجزائري يعي كامل الوعي أن هذا النظام يحاول إلهاءه عن مشاكله الداخلية الحقيقية" مستنكار ما يصفه بـ"محاولة صنع الحدث من لاشيء".
لكن بوخلاف يرد على ذلك بالتساؤل حول أحقية البلد الجار في تسجيل طبق الكسكسي مثلا باسمه في منظمة اليونسكو، مشيدا بالخطوة الجزائرية التي طلبت إدراجه كموروث مغاربي مشترك.
يذكر أن طبق الكسكسي هو الآخر شكل نقطة جدل كبير على المنصات الاجتماعية قبل أن يتم إدراجه سنة 2020 كموروث ثقافي مغاربي.