صورة لمظاهرة مؤيدة للحراك الشعبي في الجزائر في مايو 2021
صورة لمظاهرة مؤيدة للحراك الشعبي في الجزائر في مايو 2021

عندما استقلت الناشطة الجزائرية المعارضة، أميرة بوراوي، طائرة متجهة إلى فرنسا من مطار تونس قرطاج، الشهر الماضي، اعتقدت أن محنتها قد انتهت أخيرا، بعد أن وضعها نشاطها السياسي في مرمى نيران السلطات الأمنية بالبلاد خلال السنوات الأخيرة، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".

وبعد محاولتين فاشلتين، نجحت بوراوي في الفرار  من بلدها، بعد أن دخلت إلى تونس بشكل غير قانوني وتدخلت التمثيلية الدبلوماسية الفرنسية لتوفير الحماية لها ومساعدتها في السفر إلى فرنسا.

تكشف بوراوي، 47 سنة، في مقابلة حديثة مع الصحيفة في ضواحي باريس حيث تعيش اليوم: "كنت على استعداد لفعل أي شيء لمغادرة الجزائر"، معتبرة أن "عدم قدرتي على التعبير عن نفسي بحرية كان بمثابة موت بطيء بالنسبة لي".

لكن ما لم تتوقعه الناشطة بحسب حديثها للصحيفة، كان "انتقام الحكومة الجزائرية" التي وجهت إلى والدتها البالغة من العمر 71 عاما وابن عمها وأحد معارفها وسائق سيارة أجرة وموظف جمارك، تهم بـ "التآمر الإجرامي" لمساعدتها على الفرار.

وبعد أسابيع قليلة من هروبها إلى خارج بلادها، تصرّح الناشطة للصحيفة الأميركية: "يقولون لي، لقد وصلنا إليك من خلال والدتك".

ويبقى ملف الناشطة بوراوي جزءا فقط مما وصفه أكاديميون ومنظمات حقوقية بـ"حملة القمع الواسعة" على النشطاء السياسيين والمدنيين، حيث تم خلال السنوات الأخيرة سجن مئات النشطاء ودفع عشرات آخرين إلى الهرب إلى الخارج، مع فرض "خناق" على آخر وسائل الإعلام الإخبارية المستقلة المتبقية.

وبعد أربع سنوات من الانتفاضة الشعبية المعروفة باسم "الحراك"، التي أطاحت بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تبددت آمال الجزائريين في التغيير والانتقال نحو ديمقراطية حقيقية، بحسب الصحيفة التي تشير إلى أن "نشطاء الحراك يشعرون اليوم بالحنين إلى أيام بوتفليقة".

في هذا السياق، تقول بوراوي: "كنا أكثر حرية، أشعر بالحزن لقول هذا".

واكتسبت بوراوي، طبيبة أمراض النساء، شهرتها في عام 2010، من خلال إعلان معارضتها الصريحة لحكم بوتفليقة. 

وبعد اندلاع الانتفاضة الشعبية لعام 2019، تحولت الناشطة الجزائرية إلى وجه للحراك الذي عرف خروج آلاف المتظاهرين من خلفيات مختلفة إلى الشوارع للمطالبة بإنهاء حكم النظام غير الديمقراطي المدعوم من الجيش، وفقا لنيويورك تايمز.

ودفعت المظاهرات الرئيس بوتفليقة إلى التنحي من منصبه قبل أن يتم انتخاب الرئيس الجديد، عبد المجيد تبون، والذي قدم وعودا بالاستجابة لمطالب المحتجين الذين نادوا بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وعبر عن حسن نيته بإطلاق سراح المتظاهرين المحتجزين، خلال أيام حكمه الأولى.

تقول بوراوي، إن من بين التصريحات الأولى للرئيس تبون، إعلانه عن مد يده للحراك، مضيفة، "لقد صدقته، غير أن اليد الممدودة كانت فقط لضربنا".

وبعد أن أدى انتشار جائحة كورونا إلى توقف الاحتجاجات الأسبوعية بالجزائر، عادت أجهزة الأمن الجزائرية، واعتقلت عشرات النشطاء بحسب الصحيفة التي لفتت إلى أنه إلى حدود شهر أكتوبر الماضي، ما يزال حوالي 250 شخصا "محتجزين في السجن لمشاركتهم في الاحتجاج السلمي أو النشاط أو التعبير"، نقلا عن تقرير هيومن رايتس ووتش.

وحُكم على بوراوي التي واجهت عدة اعتقالات وأمضت عدة أيام في الحجز، في عام 2021 بالسجن لمدة عامين بتهمة "إهانة الإسلام" وإهانة الرئيس، لكنها استفادت من إطلاق سراح مشروط.

الخبيرة الجزائرية في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، داليا غانم،  تقول، إن سلطات بلدها استهدفت على وجه التحديد الأفراد والجماعات الذين لهم صلات بالحراك خوفا من اندلاع احتجاجات جديدة.

وقبل أسبوعين، أعلن مجلس الدولة في الجزائر، عن حل الجمعية الشبابية "تجمع عمل شباب"، التي برز دورها خلال الحراك الشعبي في 2019، كما تم تعليق حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، اليساري.

وبداية العام الجاري، قررت السلطات الجزائرية حل "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان"، والتي تعد أقدم منظمة حقوقية مستقلة في البلاد، إلى جانب سجن صحفيين وإغلاق عدد من المؤسسات الإعلامية المستقلة.

نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، سعيد الصالحي، يقول "إنهم يسعون إلى تقويض عمل منظمات المجتمع المدني، ومعه أي أمل في عودة الحراك".

وعلى خلفية القرارات الأخيرة، دعت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، ماري لولور، إلى "إنهاء أعمال الترهيب والإسكات والقمع ضد حركة حقوق الإنسان".

وأوضحت أن "قرار حل مثل هذه الجمعيات الحقوقية المحترمة يظهر حملة قمع مقلقة ضد منظمات المجتمع المدني ويقوض بشكل خطير المساحة المتاحة للمدافعين عن حقوق الإنسان للقيام بأنشطتهم المشروعة في مجال حقوق الإنسان، والتجمع بحرية والتعبير عن أنفسهم".

ولم ترد وزارة العدل الجزائرية على عدة طلبات للتعليق، وجهتها الصحيفة الأميركية. 

في الخريف الماضي، أكد وزير العدل الجزائري، عبد الرشيد الطبي،التزام الدولة الجزائرية الثابت بالعمل من أجل تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في الجزائر وفي أي مكان في العالم.

وأضاف المسؤول الجزائري خلال استعراضه التقرير الدوري الشامل لبلاده، بمجلس حقوق الإنسان بمدينة جنيف، أنه "لا يوجد في الجزائر ما يسمى بجريمة الرأي والصحافة ولا عقوبة سالبة للحرية بالنسبة للمهنيين الإعلاميين في إطار ممارسة وظائفهم".

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن السلطات الجزائرية تلجأ بشكل متزايد إلى تهم فضفاضة الصياغة تتعلق بالإرهاب لمقاضاة الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، والنشطاء السياسيين، ولتجريم المنظمات السياسية عبر تصنيفها بـ”إرهابية”؛ وذلك في حملة قمع جديدة ضد المعارضة.

وفي عام 2021، أدخلت الحكومة الجزائرية تعديلات على قانون العقوبات ووسعت نطاق التهم المتعلقة بـ"الإرهاب" بشكل يسمح بمحاكمة النشطاء السلميين والأصوات المنتقدة، بحسب  خبراء الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.

في هذا الجانب، يوضح الصالحي للصحيفة: "مع هذا التعديل سحقوا الحراك"، مضيفا أن تهم الإرهاب "لعبت على مخاوف عميقة وسط السكان الذين ما زالوا يعانون من الصدمة من الحرب الأهلية مع الإسلاميين في التسعينيات والتي خلفت ما يصل إلى 100 ألف قتيل".

وواجهت السلطات الجزائرية انتقادات حادة في الخريف الماضي في الأمم المتحدة، عندما تمت مراجعة سجل الجزائر في مجال حقوق الإنسان، غير أن الصحيفة تشير إلى أنه يبقى من غير الواضح، ما إذا كانت الإدانة ستؤثر بشكل دائم على مكانة البلاد الدولية، مبرزة أن الجزائر واحدة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، وقد استفادت من أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا لبناء شراكات جديدة مع الغرب.

وبعد أن هربت بوراوي تحت حماية القنصلية الفرنسية، اتهمت وزارة الخارجية الجزائرية فرنسا بتسهيل "عملية تهريب غير شرعية لمواطن جزائري" واستدعت سفيرها في باريس بسبب هذه القضية. 

وفي خطوة تصعيدية، نشرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بيانا انتقدت فيه أجهزة المخابرات الفرنسية، معتبرة أن هذه الأخيرة على وشك بلوغ هدفها المتمثل في إحداث القطيعة في العلاقات الجزائرية الفرنسية".

وقالت بوراوي إنها قررت الفرار عبر تونس بعد أن وجهت إلى رئيس تحرير محطة إذاعية مستقلة حيث كانت تقدم برنامجا أسبوعيا تهمة نشر مقالات تهدد الأمن القومي وتم توقيفه، قائلة "كان الخناق يضيق".

وأشارت الناشطة الجزائرية: "كانت آمال التغيير خلال حراك 2019، كبيرة بنفس قدر خيبة الأمل التي نعيشها اليوم".

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.