شركات إسبانية تدرس التخلي عن السلع المخزنة بالموانئ بسبب ارتفاع تكلفة التخزين
شركات إسبانية تدرس التخلي عن السلع المخزنة بالموانئ بسبب ارتفاع تكلفة التخزين

طالبت شركات إسبانية الحكومة المركزية في مدريد بإيجاد حل للحصار التجاري الجزائري على أنشطتها بعد انخفاض كبير في صادراتها إلى البلد الشمال أفريقي في ظل أزمة دبلوماسية بسبب الصحراء الغربية.

ونقلت صحيفة "إلبريدكو" أن انخفاض الصادرات بنسبة 45.9 في المئة دفع الشركات الإسبانية إلى حث الاتحاد الأوروبي على الوساطة لحل الأزمة، كما طالبت هذه الشركات بتعويض مالي عن خسائرها.

ولم تتجاوز صادرات الشركات الإسبانية إلى الجزائر هذا العام 10 ملايين يورو فقط.

وحتى عام 2021، كانت إسبانيا ثاني عميل عالمي للجزائر بعد إيطاليا، لكن تغيير مدريد لموقفها من الصحراء الغربية ودعمها للمغرب في هذا الملف أضر بعلاقاتها التجارية مع الجزائر التي علقت معاهدة حسن الجوار مع مدريد وقلصت وارداتها من السلع الإسبانية.

وقالت الصحيفة إن ما لا يقل عن 20 شركة إسبانية بدأت إجراءات قضائية ضد الدولة بشأن عواقب تغيير الموقف فيما يتعلق بالصحراء.

ووفقا للحسابات الأولية الصادرة عن الدائرة الجزائرية الإسبانية للتجارة والصناعة فقد بلغت خسائر الشركات الإسبانية أكثر من 800 مليون يورو.

ولم تنجح محاولات رئيس المفوضية الأوروبية والممثل السامي، جوزيب بوريل، الذي سافر إلى الجزائر في مارس الماضي، في حل الخلاف بين الجزائر ومدريد.

وأقرت منظمة الشركات الصناعية الإسبانية بأن الحل لا يبدو قريبا، إذ أن المفاوضات بطيئة، فيما تفكر بعض الشركات بالتخلي عن بضائعها المتواجدة في ميناء الجزائر بسبب تكلفة التخزين.

وحذرت المنظمة الإسبانية من أن بعض الشركات الجزائرية تبحث بالفعل عن بدائل من موردين إيطاليين وفرنسيين بسبب الأزمة مع إسبانيا.

وتنقل الصحيفة عن مصادر تجارية أن جهودا تبذل على مستوى بروكسل لإيجاد حلول للأزمة الدبلوماسية والتجارية بين البلدين.

والعام الماضي، علقت الجزائر اتفاق تعاون مع إسبانيا بعدما قررت مدريد دعم مقترح للمغرب ينص على منح حكم ذاتي لمنطقة الصحراء الغربية، في موقف شكل تحولا على صعيد السياسة الخارجية الإسبانية في هذا الملف الذي لزمت مدى عقود الحياد فيه.

جرائم "القاتل الصامت" في الجزائر

عاد هشام شعبان من صالة الرياضة إلى البيت. أشعل المدفأة قبل أن يتوجه إلى الحمام؛ ثم إلى المطبخ لتحضير وجبة طعام.

حتى تلك اللحظة، كان يوما عاديا من أيام يناير في الجزائر العاصمة.

لم تخطر في بال هشام الأخبار المنتشرة في عموم البلاد عن حوادث "القاتل الصامت".

في الغرفة، قرب المدفأة، شعر بألم غريب في عينيه. ظنّ في البداية أن سبب ذلك هو الإرهاق من التمارين، أو لأن الهواء البارد كان قد لفح وجه عندما غادر الجم قبل نحو ساعة، متعرقا.

"لكن الألم أخذ ينتشر في جسدي كله، خاصة في رأسي، وصرت أتنفس بصعوبة،" يقول هشام لموقع "الحرة".

"تحول الألم إلى غثيان. شعرت بدوخة، وأصبح ذهني مشوشا".

عندها فقط تذكر هشام الأحاديث عن مآسي تسرب مادة أحادي أوكسيد الكاربون في بيوت كثير من الجزائريين.

تذكر "القاتل الصامت،" الذي رسم خارطة للأحزان، امتدت من تلمسان غربي الجزائر، إلى ولاية سوق أهراس شرقا.

القاتل والضحايا

الضحايا من أعمار مختلفة في ولايات عدة.

سجلت السلطات 231 حادثا في شهر يناير وحده، هذا العام. قضى فيها 34 شخصا، وأنقذت فرق الحماية المدنية 554 شخصا آخرين.

في العام الماضي، سجلت البيانات الرسمية 964 حادثة تسرب غاز.

خلالها، قضى "القاتل الصامت" على حياة 119 شخصا".

يَنتج أحادي أوكسيد الكاربون من الاحتراق غير الكامل للغاز الطبيعي.

من دون لون، أو طعم، أو رائحة. لهذا يُسمى "القاتل الصامت".

ولأنه أكثف من الهواء، فهو يهيمن على الفضاء في الأماكن المغلقة.

وإذا لم تتدارك نفسك قبل فوات الأوان، قد تستلم لإغوائه، وتفقد الوعي، قبل أن تموت مختنقا بسبب انعدام الأوكسجين.

كاد هشام أن يستلقي على الكنبة ليرتاح قليلا. لو أخذ قيلولة ربما يتحسن حاله، فكّر.

لحسن الحظ، استجمع قواه، وتحرك بصعوبة. 

أطفأ المدفأة، وأغلق مصدر الغاز، وفتح باب البيت والنوافذ.

مع ذلك، لا يمكن الوثوق بالحظ دائما.

فاطمة عريف، التي تعيش مع أسرتها في مدينة سطيف، تواجه المشكلة بحذر شديد ويقظة دامعة.

فقدت خالها في حادث "تسرب" قبل خمس سنوات. ومنذ لك الحين، باتت حياتها محكومة بالخوف من تكرار المأساة.

"أصبح هاجس الغاز يرافقني في كل تفاصيل حياتي، خاصة قبل النوم، أو حتى عندما تدخل والدتي الحمام، يصيبني القلق وأظل يقظة، أراقب، طيلة الوقت".

الأثمان المدفوعة بالأرواح لحوادث الغاز كبيرة، في منطقة سطيف، شرقي الجزائر. فالبرد القارس يجبر السكان على استخدام وسائل التدفئة بكثافة.

"المناخ عندنا في الشرق أكثر برودة من العاصمة. وللأسف، عدد كثير من العائلات في منطقتنا فقدت أحباءها بسبب حوادث الغاز خلال فصل الشتاء،" تقول فاطمة.

تحاول السلطات تنبيه المواطنين بشأن خطورة أحادي أوكسيد الكاربون، تقول فاطمة.

"لكن الحرص مطلوب من الجميع.. لا يمكن أن نتحمل فقدان مزيد من الأرواح".

مبدأ "رابح-رابح".. لماذا تسعى الجزائر لتعديل اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي؟
رغم أن الجزائر ما انفكت تؤكد أن ميزان الشراكة يميل لصالح دول الاتحاد الأوروبي، فإن الطرف الأوروبي يتهم الجزائر "بتقييد صادرات الاتحاد الأوروبي واستثماراته، منذ سنة 2021"، داعيا إلى إجراء مشاورات مع السلطات الجزائرية.

"دفاتر عائلية أُغلقت"

أصبحت حوادث الاختناق بغاز أحادي أكسيد الكربون من أكبر الهواجس بالنسبة للجزائريين خلال فصل الشتاء، يقول عضو منظمة حماية المستهلك، فادي تميم، لموقع "الحرة".

ويضيف "كل عام نشهد إغلاق دفاتر عائلية بأكملها (بعد وفاتها بسبب الغاز)، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الحماية المدنية والسلطات العمومية وجمعيات المجتمع المدني في مجال التوعية وترقية السلوك الاستهلاكي".

بالنسبة لتميم، تكمن المشكلة في "استخفاف" بعض المواطنين بالموضوع.

"عندما يسمع المستهلك عن حالة وفاة بسبب الغاز، يعتقد أن هذا الأمر يحدث لغيره ولن يحدث له، وهذا ما يؤدي إلى عدم الاحتياط، رغم أنه يمكن تفادي الاختناق بضمان استمرارية تهوية المنزل".

"البرد لا يقتل، لكن غاز أحادي أكسيد الكربون يقتل عائلات بأكملها".

وتحدث هو عضو في منظمة حماية المستهلك عن تطور إجراءات الوقاية التي أقرتها السلطات.

وقال طالبت المنظمة في 2018-2019 بتوفير أجهزة الكشف عن الغاز مع إمكانية اقتطاع ثمنها على مراحل، "قبل أن يقر رئيس الجمهورية توزيعها مجانا".

وبالفعل زودت السلطات المساكن بكاشفين بدلا من واحد، لكن ذلك لم يحل المشكلة.

"ما زالت أرقام الاختناقات مرتفعة"، يقول تميم.

مصدر التسرب

تشكل سخانات الماء المصدر الرئيسي لتسرب غاز أحادي أكسيد الكربون في المنازل الجزائرية، خاصة عند عدم تجهيزه بأنبوب لتصريف الغازات المحترقة إلى الخارج، أو في حال انسدادها.

وتشير الحوادث إلى أن المدافئ التقليدية ومواقد التدفئة والطهي التقليدية من المصادر الشائعة للتسمم، خصوصا عندما توضع في أماكن مغلقة تفتقر للتهوية الكافية.

ويعتمد معظم السكان في الجزائر على غاز المدينة الذي توفره شركة توزيع الكهرباء والغاز، لكن الأجهزة المستخدم للتدفئة والطهي تسخين المياه هي السبب في معظم حوادث الاختناق.

بل، يستدرك تميم، ليس الأجهزة هي السبب، فهي تخضع لرقابة صارمة من وزارة التجارة.

"المشكلة تكمن في استخدام قطع غيار غير أصلية عند الإصلاح، وإهمال الصيانة الدورية، وانسداد مخارج الغازات المحترقة".

بالإضافة إلى "إجراء بعض السكان تغييرات عشوائية على هذه المخارج، ما يمنع تصريف الغازات إلى الخارج ويؤدي إلى عودتها إلى المنازل"، مما يسبب في مآسي.

النزيف مستمر

خلال أيام الأسبوع الماضي، كان الحظ حليف عائلة من ثلاثة أفراد في تلمسان. نجوا بأعجوبة من الموت اختناقا بعد انتشار أحادي أوكسيد الكاربون من سخان ماء.

وفي ولاية أهراس، تسبب انتشار المادة القاتلة من موقد تقليدي في وفاة شيخ داخل حمام منزله.

وكان موقد فحم سببا في مأساة مماثلة في بجاية، شمال شرقي البلاد. وفي الجلفة، أجهز "القاتل الصامت" على شخص في ريعان شبابه.

حاول موقع "الحرة" التواصل مع مسؤولين في الحماية المدنية في الجزائري، حول الموضوع، لكن لم يحصل على أي رد حتى إعداد التقرير.