القانون يفرض قيودا وعقوبات جديدة على الانتهاكات
القانون يفرض قيودا وعقوبات جديدة على الانتهاكات

أقر مجلس الأمة الجزائري، الخميس، قانونا جديدا للإعلام يشدد الرقابة على عمل الصحفيين، ويفرض قيودا وعقوبات جديدة على الانتهاكات، فيما تقدمت كتلة من النواب بطلب فرض رقابة دستورية على القانون لتعارضه مع الدستور.

وقالت الحكومة إن القانون أساسي لضمان الممارسة الحرة للعمل الإعلامي بموجب ضوابط قانونية، لكن منظمة مراسلون بلا حدود قالت إن القانون يتضمن "فصولا سلبية" تشكل انتهاكا لحرية الصحافة.

وقال وزير الاتصال الجزائري، محمد بوسليماني، إن القانون يهدف إلى "تكريس حرية الصحافة وتعدديتها واستقلاليتها، وضمان احترام قواعد الاحترافية وأخلاقيات المهنة".

ومن بين البنود الرئيسية للنص الذي وافق عليه في 28 مارس المجلس الشعبي الوطني، الغرفة الأولى للبرلمان، منع وسائل الإعلام الجزائرية من تلقي أي تمويل أو مساعدة مادية، مباشرة وغير مباشرة، من أي "جهة أجنبية".

وينص القانون على حق الصحفي في "حماية مصادره"، لكنه يلزمه الكشف عنها للقضاء إذا طلب منه ذلك. 

وتحفظ أعضاء مجلس الأمة على المادة 22 من النص والمتعلقة بشروط الحصول على "اعتماد" للعمل في الجزائر في وسائل إعلام أجنبية.

واعتبر أعضاء مجلس الشيوخ خصوصا أن فترة الثلاثين يوما "غير كافية" للحصول على الاعتماد المذكور من تاريخ تقديم الطلب.

وينص القانون الجديد على غرامة تصل إلى مليون دينار (نحو سبعة آلاف يورو) على من يعمل في وسيلة إعلام أجنبية من دون الحصول على اعتماد.

وعلى عكس القانون القديم الذي كان يتطلب ترخيصا رسميا من وزارة الاتصال لإنشاء صحيفة، فإن القانون الجديد أسهل بكثير لأنه ينص على أنه يمكن للصحفيين إنشاء نافذة إعلامية من خلال تقديم إخطار فقط.

ويمنع القانون الجديد مزدوجي الجنسية من حق امتلاك أو المساهمة في ملكية وسيلة إعلامية في الجزائر.

وأعلن النائب الجزائري، عبد الوهاب يعقوبي، في بيان، بأنه قدم نيابة عن 49 نائبا بالبرلمان "إخطارا إلى المحكمة الدستورية برقابة دستورية على القانون العضوي المتعلق بالإعلام".

وقال النائب في بيان على صفحته بالفيسبوك إن القانون جاء للتضييق على حرية الصحافة ومزيدا من الغلق في قطاع الإعلام، سيما المادة 4 التي تقصي ملايين الجزائريين المقيمين بالخارج من  من المساهمة في تطوير قطاع الإعلام في الجزائر وتسلبهم من حق تأسيس أو امتلاك أو الاستثمار في أي مشروع إعلامي".

وأوضح النائب أن المادة تتعارض مع أحكام المادة 35 من الدستور التي تنص على ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات".

وتأتي خطوة "الإخطار" بحسب النائب لمعالجة "هذا الخرق الدستوري".

وقال خالد درارني ممثل منظمة مراسلون بلا حدود في شمال أفريقيا "بعض الفصول إيجابية، والبعض الآخر يمثل انتهاكا لحرية الصحافة، مثل الكشف عن المصادر للقضاء إذا طلب ذلك، وتقييد الوصول إلى أي تمويل".

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر شريف إدريس لوكالة فرانس برس "علينا انتظار النصوص التنفيذية لمعرفة ما إذا كنا نواجه قانونا رائدا مقارنة بالقانون القديم أم أنه يعيد إنتاج نفس النمط القديم". 

وأعرب عن أسفه لأن "إصدار النصوص التنفيذية ما زال بطيئا" في الجزائر.

وتحتل الجزائر المرتبة 134 من بين 180 دولة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي وضعته منظمة "مراسلون بلا حدود" في 2022.

وفي وقت سابق هذا الشهر، قضت محكمة جزائرية بسجن الصحفي البارز إحسان القاضي خمس سنوات. وواجه القاضي، وهو من أشد المنتقدين للحكومة وألقت السطات القبض عليه في 24 ديسمبر، اتهاما بتلقي تمويل أجنبي.

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.