تبون كان من المقرر أن يزور فرنسا في مايو المقبل
تبون كان من المقرر أن يزور فرنسا في مايو المقبل

رغم أن الأزمة الدبلوماسية بين فرنسا والجزائر طويت بعد اتصال هاتفي في مارس الماضي، بين الرئيسين،  إيمانويل ماكرون، وعبد المجيد تبون، إلا أن تأجيل زيارة مقررة للرئيس الجزائري إلى فرنسا أعادت الحديث عن مدى استمرار التوتر بين البلدين.

وفي فبراير الماضي، قرر تبون استدعاء سفير بلاده لدى فرنسا "للتشاور" عقب ما وصفه بـ"عملية الإجلاء السرية" للناشطة والصحفية أميرة بوراوي من تونس إلى فرنسا.

لكن الأزمة حلت في مارس وأعلن تبون عودة السفير الجزائري إلى باريس، وكان من المنتظر أن يزور تبون فرنسا في مايو المقبل قبل أن يؤكد الإعلام الفرنسي تأجيل الزيارة.

ورأت صحيفة "لومند" في ذلك أنه يظهر " أن  جرعة كبيرة من سوء التفاهم تعيق العلاقة بين باريس والجزائر".

وتشير الصحيفة إلى التناقض بين الجانب الفرنسي والجزائري حول سبب التأجيل، إذ تقول الصحافة الجزائرية إنه بسبب المناخ الاجتماعي في فرنسا والاحتجاجات، إضافة إلى الحاجة لمزيد من الوقت لإعداد ملفات المباحثات.

وتشهد فرنسا حركة احتجاج واسعة رفضا لإصلاح نظام التقاعد ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما. 

ويرى المحلل السياسي الجزائري، حكيم بوغرارة، أن  الدوائر الأمنية والاستخباراتية الفرنسية قد تكون اقترحت التأجيل لصعوبة التحكم في احتجاجات الداخل.

ويوضح بوغرارة في حديث لموقع "الحرة" أن التأجيل قد يكون بسبب ما تعيشه فرنسا من أوضاع داخلية صعبة من خلال الاحتجاجات على نظام التقاعد،والمشاكل الاجتماعية والإقتصادية جراء أزمة أوكرانيا.

ويضيف بوغرارة أن برمجة القمة العربية في شهر مايو قبل حوالي شهر ،وتزامن شهر مايو مع زيارة الرئيس تبون إلى روسيا كلها عوامل أدت إلى التأجيل.

من الجانب الآخر، تنقل "لومند" أن الفرنسيين يقولون إن التأجيل رغبة جزائرية، وذلك خشية من مظاهرات محتملة مناهضة للنظام من قبل أطراف من الجزائريين في فرنسا.

ورجحت الصحيفة أيضا أن قضية الناشطة الفرنسية الجزائرية أميرة بوراوي جمدت الاتصالات بين العاصمتين لعدة أسابيع.

ودخلت بوراوي إلى تونس في الثالث من فبراير، قبل أن يوقفها الأمن التونسي أثناء محاولتها ركوب رحلة جوية في اتجاه باريس.

وتمكنت أخيرا من السفر إلى فرنسا في السادس من فبراير رغم محاولة السلطات التونسية ترحيلها إلى الجزائر.

واعتبرت الجزائر أن وصولها إلى فرنسا تم عبر "عملية إجلاء سرية وغير قانونية" تمت بمساعدة دبلوماسيين وأمنيين فرنسيين، واستدعت سفيرها في باريس سعيد موسي للتشاور.

وكان قصر الإليزيه أوضح في بيان  الشهر الماضي أن "الرئيس عبد المجيد تبون أبلغ رئيس الدولة بعودة السفير الجزائري إلى فرنسا خلال الأيام المقبلة"، ما أنهى الأزمة بسبب الناشطة.

ماكرون وتبون بالعاصمة الجزائرية

روسيا قبل فرنسا

الدبلوماسي الجزائري السابق، محمد العربي زيتوت، يرى أن هناك ثلاث أسباب لتأجيل الزيارة، وفي حديث لموقع "الحرة، يقول زيتوت إن السبب الأول هو الاحتجاجات التي تشهدها فرنسا ضد ماكرون.

أما السبب الثاني بحسب زيتوت، فيعود إلى الخلافات داخل النظام الجزائري نفسه، ويوضح أن تبون والتيار الداعم له يميل لفرنسا، فيما تيار آخر يرى أن زيارة فرنسا قبل روسيا، قد يجعل موسكو تبدو في درجة ثانية للجزائر بعد فرنسا، في إشارة لزيارة أخرى مرتقبة للرئيس الجزائري إلى روسيا.

ويقول زيتوت إن السبب الثالث هو انزعاج الجزائر من احتجاجات محتملة قد يقوم بها الجزائريون في فرنسا، وهذا السبب الأخير بحسب زيتوت قد يكون حسم قضية التأجيل.

وبعد تدهور مفاجئ في العلاقات في خريف 2021، عملت باريس والجزائر على تحسين علاقاتهما خلال زيارة الرئيس الفرنسي في أغسطس الماضي للجزائر حيث وقع مع تبون إعلانا مشتركا لدفع التعاون الثنائي.

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.