دخان متصاعد من مقر الحزب النيجيري للديمقراطية الذي يتزعمه بازوم بتاريخ 27 يوليو
تخشى الجزائر، من أن تنزلق النيجر إلى العنف، إثر الانقلاب الجاري على الرئيس المحتجز، محمد بازوم

تؤرّق الأحداث الجارية في النيجر، جيرانها، وبشكل أخص، الجزائر، المتاخمة لها على حدود صحراوية شاسعة، والتي دأبت على التنسيق معها أمنيا، وعلى أكثر من صعيد.

تخشى الجزائر، من أن تنزلق النيجر إلى العنف، إثر الانقلاب الجاري على الرئيس المحتجز، محمد بازوم، ما قد يخلق بؤرة توتر أخرى في الساحل الأفريقي، الذي يشتكي أصلا من عدم الاستقرار، بفعل الانقلابات المتكررة، وخطر الجريمة العابرة للحدود، والتطرف المسلح، وهو ما يظهر في بيان لها بالخصوص، صدر أمس الثلاثاء.

وأصدرت وزارة الخاريجة الجزائرية، بيانا يوضح موقفها الرافض للانقلاب، لكنه يحمل إشارات على تخوفها من أن يمتد تأثير الخلاف الداخلي في النيجر إلى دول الجوار، خصوصا مع إعلان الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس)، الأحد، تسليط عقوبات تجارية ومالية على النيجر ومنحوا الانقلابيين أسبوعا لإعادة الرئيس بازوم، إلى السلطة، تحت طائلة اللجوء إلى القوة.

في أعقاب ذلك، حذرت السلطات في واغادوغو وباماكو، الاثنين، في بيان مشترك من أن أي تدخل عسكري في النيجر لإعادة بازوم، إلى الحكم، سيكون بمثابة "إعلان حرب على بوركينا فاسو ومالي".

إثر ذلك، تضمن البيان الجزائري، الثلاثاء، دعوة لضبط النفس "أمام نوايا التدخل العسكري الأجنبي، التي تعتبر للأسف، خيارات غير مستبعدة (..) لا تمثل سوى عوامل تعقد، وتزيد من خطورة الأزمة الحالية".

بيان وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج

Posted by ‎وزارة الشؤون الخارجية - الجزائر / MFA - Algeria‎ on Tuesday, August 1, 2023

فهل تخشى الجزائر من أن تنقلب الأوضاع في النيجر بالنحو الذي يؤثر على تنسيقها الأمني معه؟ وهل يمكن أن يؤثر أي انزلاق على التعاون بينهما؟ 

تعول الجزائر، وهي ثالث مصدر للغاز الطبيعي إلى أوروبا، على مشروع نقل غاز من نيجيريا لأوروبا عبر النيجر، لترفع صادراتها من الغاز نحو الضفة المقابلة، مستفيدة من توقف الإمدادات الروسية، إثر الحرب على أوكرانيا، فهل لانقلاب النيجر تأثير على هذا المشروع أيضا؟

سينقل خط أنابيب الغاز الجزائر العابر للصحراء "تي أس جي بي" مليارات الأمتار المكعبة من الغاز من نيجيريا في غرب إفريقيا إلى النيجر شمالا ثم إلى الجزائر. 

ومن هناك، يمكن ضخ الغاز عبر خط أنابيب عبر المتوسط "ترانسميد" إلى إيطاليا، أو تصديره بواسطة ناقلات الغاز الطبيعي المسال.

ويقول المحلل السياسي الجزائري، فيصل مطاوي، إن المشهد في النيجر، يهم حتما الجزائر، باعتبارها تتشارك معه في حدود هائلة، لكنه استبعد أن يؤثر ما يجري هناك في العلاقة بينهما، وفق تعبيره، ولم يستثن، مشروع أنبوب الغاز.

وقال في مقابلة مع موقع الحرة، إن بلاده تتعامل مع الدول وليس الأنظمة أو الحكومات المتعاقبة، رغم حرصها على التعامل مع حكومات منبثقة عن إرادة شعبية "بالتالي لن يتأثر التنسيق بين الجزائر والنيجر في أي من المجالات" وفقه.

من جانبه، يرى المحلل، على بوخلاف، أن التراجع عن خط مشروع خط الأنابيب، أو الاستمرار به، ليس من اختصاص النيجر، بل بيد نيجيريا، حيث ينطلق المشروع.

وفي حديث لموقع الحرة، ذكّر بأن نيجيريا لها الخيار بين خط الأنابيب الذي يمر عبر النيجر أو ذلك الذي يمر عبر 14 دولة أفريقية وينتهي إلى المغرب، ومن ثم أوروبا.

لكنه عاد ليستبعد هذا الاحتمال بالقول "الذين نفذوا هذا الانقلاب هم أصلا بحاجة إلى المشروع وسيعملون ما بوسعهم لحمايته".

ويلفت بوخلاف، إلى قرار إعادة فتح الحدود الذي تقرر، الثلاثاء، في النيجر، مع خمسة دول ومن بينها الجزائر واصفا إياه بـ"عربون النية السليمة تجاه الجزائر".

وأعيد فتح الحدود البرية والجوية للنيجر مع خمس دول حدودية، بعد نحو أسبوع على إغلاقها في أعقاب الانقلاب الذي يهدف للإطاحة بالرئيس المنتخب، محمد بازوم، حسبما أعلن أحد الانقلابيين عبر التلفزيون الوطني.

وقال "أعيد فتح الحدود البرّية والجوّية مع الجزائر وبوركينا فاسو وليبيا ومالي وتشاد اعتبارا من اليوم".

ويأتي قرار إعادة فتح الحدود مع خمس دول مجاورة قبل أيّام قليلة من انتهاء المُهلة النهائيّة التي أعطتها (إيكواس) للإنقلابيين.

يذكر أن وفدا من "إكواس" وصل إلى النيجر، الأربعاء، للتفاوض مع الانقلابيين، بحسب ما أكد أحد المسؤولين في الجماعة، في افتتاح اجتماع لرؤساء أركان الدول الأعضاء في "إكواس" في أبوجا.

وقال مفوض "إكواس" للشؤون السياسية والأمن، عبد الفتار موسى، إن "رئيس الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا كان يرغب بأن يكون هنا، ولكن بينما نتحدث، يتواجد هو في النيجر كجزء من وفد رفيع المستوى بقيادة الرئيس النيجيري السابق الجنرال عبد السلام أبو بكر، بهدف التفاوض".

وفي قراءته لهذا الوضع، يرى بوخلاف أن الأمور في النيجرقد تسير إلى أكثر من سيناريو، وعندها يمكن الحديث عن تأثر الجزائر أو دول الجوار مما يحدث.

وخلال حديثه عن الشق الأمني، قال مطاوي أن هناك اتجاها لأن تفرض سياسة الأمر الواقع نفسها على المشهد في النيجر ومن ثم علاقتها مع جيرانها وخص بالذكر الجزائر.

وقال "مثلما حدث في مالي وبوركينافاسو، وحتى غينيا، فإن الأشياء آلت إلى فرض الأمر الواقع على الجميع، بالتالي لن يتغير المشهد حتى في النيجر".

وأضاف مؤكدا أن من مصلحة النيجر، بغض الطرف عمن يحكمها أن تتعامل مع الجزائر، التي تتعاون معها منذ عقود على أكثر من صعيد، ولا سيما الجانب الأمني، مذكرا بأن بلاده هي من تواجه التنظيمات المتطرفة على الحدود وليس الجيش النيجيري، الذي يحاول فقط مساعدة الجيش الجزائري.

وفي شق التعاون على صعيد مشروع أنبوب الغاز، شدد مطاوي على أن النيجر حريصة هي الأخرى على إنجاح المشروع، الذي يخدم مصالحها العليا "بالتالي لن يتأثر المشروع بما يجري" وفقه.

من جانبه، يرى بوخلاف أن النيجر التي تريد استغلال آبار النفط المكتشفة حديثا من قبل شركة "سونطراك الجزائرية"، حريصة هي الأخرى على إبقاء التعاون مع جارتها الشمالية على أوجه، في إشارة إلى أن مشروع الغاز بينهما لن يتأثر بما يمكن أن يحدث على خلفية الانقلاب الجاري في نيامي.

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.