أصدر الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، مرسوما رئاسيا جديدا يُمكن العسكريين من شغل وظائف مدنية عليا في البلاد ضمن قطاعات يقال إنها "استراتيجية وحساسة"، وهو الأمر الذي يثير موجة من التساؤلات حول الأسباب والدوافع المحيطة والتداعيات اللاحقة.
وحدد المرسوم الرئاسي شروط وكيفية إحالة المستخدمين العسكريين إلى "وضعية الانتداب"، التي تم تعريفها على أنها "وضعية قانونية أساسية يوضع فيها المستخدمون العسكريون العاملون والمتعاقدون خارج الأسلاك المكونة للجيش الوطني الشعبي لشغل منصب عمل في إدارة مدنية عمومية".
ووفق المرسوم يتم الانتداب بناء على طلب يوجه من قبل السلطة المسؤولة عن الإدارة المدنية العمومية المعنية إلى وزير الدفاع الوطني، يوضح طبيعة ومستوى "حساسية" منصب العمل المعني وتصنيفه وكذا المؤهلات الخاصة بالمجالين العسكري أو الأمني المشترطة لتوليه.
ومن المقرر أن تشرع وزارة الدفاع الجزائرية في انتقاء العسكريين المؤهلين لتعيينهم في مناصب مدنية بعد موافقة رئيس الجمهورية "شخصيا"، وفق ما تقول صحيفة "الخبر" المحلية، والتي تشير إلى أن "العمداء والضباط من خريجي المدارس العليا التقنية المتخصصة، من المتوقع إقحامهم في تسيير بعض قطاعات الشأن العام".
"تحصيل حاصل"
ويأتي هذا المرسوم قبل نحو شهرين من الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في السابع من سبتمبر المقبل، وهو ما يفتح الباب أمام الكثير من التأويلات، غير أن خبراء تحدثوا مع موقع "الحرة" استبعدوا أن يكون لذلك أي دلالات في ما يتعلق بالانتخابات.
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، عبد الرزاق صاغور، أن "هذا المرسوم هو تحصيل حاصل، حيث أن العديد من جنرالات الجيش يتبوأون مناصب قيادية مدنية منذ سنوات عديدة، وهذا الأمر ليس بالجديد".
ويقول صاغور في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة" إن "المرسوم الرئاسي جاء لتقنين أو شرعنة عملية توظيف الضباط والعسكريين في المناصب القيادية المدنية. لكن السؤال هنا: لماذا كل هذا الجدل الآن؟".
في المقابل، يقول خبير الشؤون السياسية والأمنية الجزائري، أحمد ميزاب، إن "هذه الخطوة مرحب بها لأن المجتمع الجزائري يدرك كفاءة الجيش الوطني ومدى انضباطه والتزامه وقدرته على تنفيذ المهام بما يخدم الأهداف الاستراتيجية".
ويضيف ميزاب لموقع "الحرة": "لا أعتقد أننا نتحدث عن رهانات مستقبلية، بل نتحدث عن تحسين في الأداء ورفع المستوى، وتقديم نموذج جديد من التسيير والخدمة في إطار الانضباط والصرامة والالتزام".
وتابع: "المجتمع الجزائري دائم الوفاء لمؤسسته العسكرية ويرى فيها النموذج والقدوة. كما أن من بين استراتيجيات الجيش الوطني الشعبي التوجه نحو الصناعات العسكرية والمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني من خلال العديد من القطاعات والمؤسسات".
ولم يحدد المرسوم القطاعات "الحساسة والاستراتيجية" في البلاد كما يصفها، غير أن صحيفة "الخبر"، تذكر أنها تتضمن قطاعات النقل والكهرباء والمياه والاتصالات والتموين وكذلك الصحة، إلى جانب بعض المصالح الإدارية "الحساسة".
ومع ذلك، يقول ميزاب إن القرار حدد القطاعات المعنية بهذا الانتداب باعتبارها "حساسة واستراتيجية"، وهي التي لها علاقة بسيادة الدولة، مما يعني أن ليس كل القطاعات المدنية معنية بعملية انتداب عسكريين.
ويضيف: "جاء المرسوم في إطار العمل على تحسين أداء بعض القطاعات والمؤسسات بما يتماشى مع أهداف الدولة. خاصة في إطار رفع مستوى الأداء الاقتصادي وتنويع إيرادات الدولة خارج إطار المحروقات، فضلا عن محاربة مختلف أشكال الفساد".
وتبون (78 عاما) المتهم وفق وكالة "فرانس برس"، "بقيادة حملة قمع للمعارضة"، انتخب عام 2019، بحصوله على 58 في المئة من الأصوات بعد أشهر من الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية.
ولا يمتلك تبون أي خلفية عسكرية، حيث تخرج من المدرسة الوطنية للإدارة سنة 1969، ويحمل شهادة بكالوريوس في الاقتصاد والمالية، غير أن الموافقة على ترشحه وفوزه بالرئاسة جاءت، وفق تقارير عدة، بمباركة من الجيش الذي يعتبره معارضون "الحاكم الفعلي للبلاد".
لهذا، يقول صاغور إنه "في ظل الأنظمة الأوتوقراطية، التي تتركز فيها السلطة السياسية، مثل تلك الموجودة في الجزائر ومصر وسوريا، من غير المستبعد اتخاذ خطوات تعزز تواجد العسكريين في المناصب القيادية المدنية داخل هذه البلاد".
ويضيف: "يمكن تفسير المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس تبون بأنه أمر طبيعي، فبالنظر إلى الجزائر وكذلك مصر وسوريا يعلم الجميع أن هذه الدول تدار بأنظمة حكم أحادية".
في المقابل، لا يتفق ميزاب مع هذا الطرح، ويدافع عن هذه الخطوة، بالقول إن "الجيش الوطني الشعبي لديه العديد من المعاهد والمدارس والكليات الحربية والعسكرية التي تخرج مهندسين ومتخصصين، مما يمكن الاستفادة منهم في دعم القطاع المدني".
"عسكرة الدولة؟"
وتنقد أصوات معارضة في الجزائر، الخطوة باعتبارها "عسكرة" للدولة، خصوصا أن الجيش يتمتع بنفوذ "غير معلن" في ما يتعلق بالسياسة الداخلية للبلاد، وهو الأمر الذي يرفضه ميزاب بالقول إن "كل من يتحدث عن عسكرة الدولة الجزائرية ليس صادقا".
ويضيف خلال حديثه: "ما يحدث ليس عسكرة للدولة، بل يتعلق بالبعد المدني للمؤسسات، حيث إن هناك دولا تعتمد على الكفاءات والقدرات العسكرية في دعم وتحسين أداء القطاع المدني، وهذا لا يعني عسكرة الدولة بأي شكل من الأشكال. وبالعكس، نحن نبحث عن أنجع الحلول الممكنة".
في المقابل، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر: "الجيش له أهميته ومكانته والرئيس تبون يستمد قوته منه، ولا يرتبط القرار باستمالة قيادات الجيش قبل الانتخابات الرئاسية كما يظن البعض".
ويضيف صاغور: "الجيش هو الذي يرشح ويساند وهو الذي يهدد أيضا، فالجيش وضعه معروف من قبل هذا المرسوم. وأعتقد أن هناك دوافع أخرى وراء المرسوم قد لا يعلمها أحد سوى الرئيس تبون نفسه".
ويقول ميزاب: "المرسوم يكرس مبدأ وقاعدة أساسية، وهي أن الجيش للأمة، وهناك بعد اجتماعي للمؤسسة الأمنية والعسكرية، خصوصا أنه حدد المسألة في إطار ضيق محدود من حيث القطاعات والرتب المعنية بالانتداب، وليس في إطار عسكرة الدولة".
وأعلن تبون، الأسبوع الماضي، أنه يعتزم الترشح لولاية رئاسية ثانية في الانتخابات المقرر إجراؤها في سبتمبر المقبل.
وقال في مقابلة نشرتها الرئاسة على صفحتها في "فيسبوك"، الخميس: "نزولا عند رغبة كثير من الأحزاب والمنظمات السياسية وغير السياسية والشباب، أعتقد أنه آن الأوان أن أعلن أنني سأترشح لعهدة ثانية مثلما يسمح به الدستور، وللشعب الجزائري الكلمة الفاصلة في ذلك".
ولا يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، أن يكون للمرسوم أي تداعيات سياسية مستقبلية، حيث يقول إنه "لن يكون هناك سوى امتعاض فردي وشخصي من قبل بعض المواطنين".
ويختتم صاغور حديثه بالقول: "الأحزاب الكبيرة والأحزاب القوية كلها تساند النظام وتقف وراءه، وبالتالي لا أعتقد أن يكون هناك أي رد فعل سلبي، بل سيكون رد الفعل مساندا لمثل هذه القرارات".