الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون - صورة أرشيفية.
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون - صورة أرشيفية. | Source: Facebook: رئاسة الجمهورية الجزائرية

أصدر الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، مرسوما رئاسيا جديدا يُمكن العسكريين من شغل وظائف مدنية عليا في البلاد ضمن قطاعات يقال إنها "استراتيجية وحساسة"، وهو الأمر الذي يثير موجة من التساؤلات حول الأسباب والدوافع المحيطة والتداعيات اللاحقة.

وحدد المرسوم الرئاسي شروط وكيفية إحالة المستخدمين العسكريين إلى "وضعية الانتداب"، التي تم تعريفها على أنها "وضعية قانونية أساسية يوضع فيها المستخدمون العسكريون العاملون والمتعاقدون خارج الأسلاك المكونة للجيش الوطني الشعبي لشغل منصب عمل في إدارة مدنية عمومية".

ووفق المرسوم يتم الانتداب بناء على طلب يوجه من قبل السلطة المسؤولة عن الإدارة المدنية العمومية المعنية إلى وزير الدفاع الوطني، يوضح طبيعة ومستوى "حساسية" منصب العمل المعني وتصنيفه وكذا المؤهلات الخاصة بالمجالين العسكري أو الأمني المشترطة لتوليه.

ومن المقرر أن تشرع وزارة الدفاع الجزائرية في انتقاء العسكريين المؤهلين لتعيينهم في مناصب مدنية بعد موافقة رئيس الجمهورية "شخصيا"، وفق ما تقول صحيفة "الخبر" المحلية، والتي تشير إلى أن "العمداء والضباط من خريجي المدارس العليا التقنية المتخصصة، من المتوقع إقحامهم في تسيير بعض قطاعات الشأن العام".

"تحصيل حاصل"

ويأتي هذا المرسوم قبل نحو شهرين من الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في السابع من سبتمبر المقبل، وهو ما يفتح الباب أمام الكثير من التأويلات، غير أن خبراء تحدثوا مع موقع "الحرة" استبعدوا أن يكون لذلك أي دلالات في ما يتعلق بالانتخابات.

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، عبد الرزاق صاغور، أن "هذا المرسوم هو تحصيل حاصل، حيث أن العديد من جنرالات الجيش يتبوأون مناصب قيادية مدنية منذ سنوات عديدة، وهذا الأمر ليس بالجديد".

ويقول صاغور في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة" إن "المرسوم الرئاسي جاء لتقنين أو شرعنة عملية توظيف الضباط والعسكريين في المناصب القيادية المدنية. لكن السؤال هنا: لماذا كل هذا الجدل الآن؟".

في المقابل، يقول خبير الشؤون السياسية والأمنية الجزائري، أحمد ميزاب، إن "هذه الخطوة مرحب بها لأن المجتمع الجزائري يدرك كفاءة الجيش الوطني ومدى انضباطه والتزامه وقدرته على تنفيذ المهام بما يخدم الأهداف الاستراتيجية".

ويضيف ميزاب لموقع "الحرة": "لا أعتقد أننا نتحدث عن رهانات مستقبلية، بل نتحدث عن تحسين في الأداء ورفع المستوى، وتقديم نموذج جديد من التسيير والخدمة في إطار الانضباط والصرامة والالتزام".

وتابع: "المجتمع الجزائري دائم الوفاء لمؤسسته العسكرية ويرى فيها النموذج والقدوة. كما أن من بين استراتيجيات الجيش الوطني الشعبي التوجه نحو الصناعات العسكرية والمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني من خلال العديد من القطاعات والمؤسسات".

ولم يحدد المرسوم القطاعات "الحساسة والاستراتيجية" في البلاد كما يصفها، غير أن صحيفة "الخبر"، تذكر أنها تتضمن قطاعات النقل والكهرباء والمياه والاتصالات والتموين وكذلك الصحة، إلى جانب بعض المصالح الإدارية "الحساسة".

ومع ذلك، يقول ميزاب إن القرار حدد القطاعات المعنية بهذا الانتداب باعتبارها "حساسة واستراتيجية"، وهي التي لها علاقة بسيادة الدولة، مما يعني أن ليس كل القطاعات المدنية معنية بعملية انتداب عسكريين.

ويضيف: "جاء المرسوم في إطار العمل على تحسين أداء بعض القطاعات والمؤسسات بما يتماشى مع أهداف الدولة. خاصة في إطار رفع مستوى الأداء الاقتصادي وتنويع إيرادات الدولة خارج إطار المحروقات، فضلا عن محاربة مختلف أشكال الفساد".

الجزائر تعلن تنظيم الانتخابات الرئاسية في 7 سبتمبر 2024
"الإشراف التشاركي" على الانتخابات.. هل يضمن مصداقية الرئاسيات في الجزائر؟
دعا رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات (هيئة عمومية)، محمد شرفي، الأحزاب السياسية وممثلي المرشحين لرئاسيات سبتمبر المقبل والمجتمع المدني، إلى "الإشراف التشاركي على الانتخابات" من خلال انخراط كل الأطراف في تنظيم وإجراء ذلك الاقتراع.

وتبون (78 عاما) المتهم وفق وكالة "فرانس برس"، "بقيادة حملة قمع للمعارضة"، انتخب عام 2019، بحصوله على 58 في المئة من الأصوات بعد أشهر من الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية.

ولا يمتلك تبون أي خلفية عسكرية، حيث تخرج من المدرسة الوطنية للإدارة سنة 1969، ويحمل شهادة بكالوريوس في الاقتصاد والمالية، غير أن الموافقة على ترشحه وفوزه بالرئاسة جاءت، وفق تقارير عدة، بمباركة من الجيش الذي يعتبره معارضون "الحاكم الفعلي للبلاد".

لهذا، يقول صاغور إنه "في ظل الأنظمة الأوتوقراطية، التي تتركز فيها السلطة السياسية، مثل تلك الموجودة في الجزائر ومصر وسوريا، من غير المستبعد اتخاذ خطوات تعزز تواجد العسكريين في المناصب القيادية المدنية داخل هذه البلاد".

ويضيف: "يمكن تفسير المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس تبون بأنه أمر طبيعي، فبالنظر إلى الجزائر وكذلك مصر وسوريا يعلم الجميع أن هذه الدول تدار بأنظمة حكم أحادية".

في المقابل، لا يتفق ميزاب مع هذا الطرح، ويدافع عن هذه الخطوة، بالقول إن "الجيش الوطني الشعبي لديه العديد من المعاهد والمدارس والكليات الحربية والعسكرية التي تخرج مهندسين ومتخصصين، مما يمكن الاستفادة منهم في دعم القطاع المدني".

"عسكرة الدولة؟"

وتنقد أصوات معارضة في الجزائر، الخطوة باعتبارها "عسكرة" للدولة، خصوصا أن الجيش يتمتع بنفوذ "غير معلن" في ما يتعلق بالسياسة الداخلية للبلاد، وهو الأمر الذي يرفضه ميزاب بالقول إن "كل من يتحدث عن عسكرة الدولة الجزائرية ليس صادقا".

ويضيف خلال حديثه: "ما يحدث ليس عسكرة للدولة، بل يتعلق بالبعد المدني للمؤسسات، حيث إن هناك دولا تعتمد على الكفاءات والقدرات العسكرية في دعم وتحسين أداء القطاع المدني، وهذا لا يعني عسكرة الدولة بأي شكل من الأشكال. وبالعكس، نحن نبحث عن أنجع الحلول الممكنة".

في المقابل، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر: "الجيش له أهميته ومكانته والرئيس تبون يستمد قوته منه، ولا يرتبط القرار باستمالة قيادات الجيش قبل الانتخابات الرئاسية كما يظن البعض".

ويضيف صاغور: "الجيش هو الذي يرشح ويساند وهو الذي يهدد أيضا، فالجيش وضعه معروف من قبل هذا المرسوم. وأعتقد أن هناك دوافع أخرى وراء المرسوم قد لا يعلمها أحد سوى الرئيس تبون نفسه".

ويقول ميزاب: "المرسوم يكرس مبدأ وقاعدة أساسية، وهي أن الجيش للأمة، وهناك بعد اجتماعي للمؤسسة الأمنية والعسكرية، خصوصا أنه حدد المسألة في إطار ضيق محدود من حيث القطاعات والرتب المعنية بالانتداب، وليس في إطار عسكرة الدولة".

وأعلن تبون، الأسبوع الماضي، أنه يعتزم الترشح لولاية رئاسية ثانية في الانتخابات المقرر إجراؤها في سبتمبر المقبل.

وقال في مقابلة نشرتها الرئاسة على صفحتها في "فيسبوك"، الخميس: "نزولا عند رغبة كثير من الأحزاب والمنظمات السياسية وغير السياسية والشباب، أعتقد أنه آن الأوان أن أعلن أنني سأترشح لعهدة ثانية مثلما يسمح به الدستور، وللشعب الجزائري الكلمة الفاصلة في ذلك".

ولا يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، أن يكون للمرسوم أي تداعيات سياسية مستقبلية، حيث يقول إنه "لن يكون هناك سوى امتعاض فردي وشخصي من قبل بعض المواطنين".

ويختتم صاغور حديثه بالقول: "الأحزاب الكبيرة والأحزاب القوية كلها تساند النظام وتقف وراءه، وبالتالي لا أعتقد أن يكون هناك أي رد فعل سلبي، بل سيكون رد الفعل مساندا لمثل هذه القرارات".

رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق
رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق

تشتد وتيرة التصعيد الإعلامي بين الجزائر وفرنسا منذ اعتقال الكاتب بوعلام صنصال في السادس عشر من نوفمبر الماضي بالمطار الدولي هواري بومدين.

ولم يصدر عن السلطات الجزائرية موقف رسمي عن اعتقال صنصال أو التهم الموجهة له، إلا أن رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري)، إبراهيم بوغالي، هاجم "انخراط البرلمان الأوروبي، وبعض الدوائر السياسية والإعلامية الفرنسية، في محاولة للتدخل في الشأن الداخلي للجزائري" على خلفية هذه القضية.

واعتبر بوغالي، خلال اجتماع لمكتب المجلس الأحد الماضي، هذه التطورات "ممارسة مفضوحة لصرف الأنظار عن الانتهاكات الحقيقية لحقوق الإنسان والقانون الدولي"، وذلك ردا على نقاش نظمه البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي حول اعتقال صنصال وبحث إصدار لائحة تطالب بالإفراج عنه.

وقال المتحدث إن "يد القانون ستطال كل من تسول له نفسه محاولة المساس بأمن واستقرار الجزائر"، كما سبق لوكالة الأنباء الجزائرية أن نشرت تعليقا أكدت فيه اعتقال صنصال، وهاجمت بشدة الحكومة واليمين الفرنسي على مطالبهما بالإفراج عنه.

وشهد النقاش حول اعتقال الكاتب صنصال حضورا قويا في وسائل الإعلام الفرنسية، بعد أن عبرت دوائر مقربة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن انشغال ماكرون بالقضية، كما دعت شخصيات من اليمين الفرنسي الجزائر إلى الإفراج عنه.

ولم تغب قضايا الذاكرة والتاريخ عن الجدل الجزائري الفرنسي، على خلفيات تصريحات صنصال لقناة فرنسية في أكتوبر الماضي بشأن "مغربية وهران ومعسكر وتلمسان".

وفيما تحاول وسائل إعلام فرنسية إبراز الجانب الحقوقي من القضية، ترى أوساط جزائرية أن الحملة تحكمها خلفيات اقتصادية وسياسية.

الذاكرة والصحراء الغربية

وتعليقا على الخلفيات الحقيقية التي تحكم التصعيد الأخير في العلاقات بين البلدين، يشير أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إدريس عطية، إلى أن موضوعين أساسيين برزا ضمن التوتر الأخير، ويتعلق الأمر بـ "ملف الذاكرة، وقضية الصحراء الغربية".

ويوضح إدريس عطية أن الرئيس الفرنسي و"في خضم الجدل حول قضية صنصال، كلف سفيره في الجزائر للوقوف أمام ضريح المقاوم الجزائري العربي بن مهيدي".

وزار السفير ستيفان روماتيه قبر أحد مفجري الثورة الجزائرية، وهو العربي بن مهيدي، بعد 19 يوماً من اعتراف الرئيس إيمانويل ماكرون باغتياله خلال حرب التحرير "على يد جنود فرنسيين"، وأقل من أسبوع على اعتقال صنصال، إلا أن ذلك لم يؤد إلى تهدئة التصعيد.

ويفسر عطية فشل خطوة ماكرون لرأب الصدع بين البلدين، في حديثه لـ"الحرة، بكون الجزائر تعتبر موقفه اتجاه الصحراء الغربية "خيانة لها، عندما انحاز لمقاربة المغرب وتخليه عن سياسة التوازن بينهما، فضلا عن الدور الديبلوماسي السابق لبلاده في مجلس الأمن الدولي لصالح التهدئة".

وكان الرئيس الفرنسي أعلن في يوليو الماضي، بمناسبة عيد العرش المغربي، أن بلاده تعتبر أن "حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية"، وأدى ذلك بالجزائر إلى سحب سفيرها من باريس.

اليمين و"مواجع التاريخ"

ومن جهته، يرى المحلل السياسي، توفيق بوقاعدة، أن اعتقال صنصال "فتح كل الملفات دفعة واحدة"، مشيرا إلى أن القضاء "كان مضطرا" لاعتقال الكاتب في إطار تصريح جديد تداولته وسائل إعلام لأول مرة في أكتوبر الماضي حول "سيادة ووحدة التراب الوطني".

ويشير بوقاعدة لـ "الحرة" إلى أن الجزائر "التزمت الصمت بعد توقيفها لصنصال، ولم تقم بأي تصعيد أو استغلال لموقف هذا الأخير من الوحدة الوطنية"، إلا أن اليمين الفرنسي "استغل الحادثة لقلب مواجع التاريخ والعلاقات السياسية بين البلدين وأخرج أسوأ ما فيه".

وبرأي المتحدث فإن اليمين الفرنسي هو من "حرك أحجار القضية، ليهاجم الجزائر"، واعتبر  أن صانع القرار "ذهب بعيدا هو الآخر"، في إشارة إلى قرار السلطات القضائية الجزائرية اعتقال صنصال.

 وتوقع المحلل السياسي أن "تطول حلقات الخلاف بين البلدين هذه المرة بحكم الدوافع التاريخية والسياسية التي تسيطر على اليمين بفرنسا".