منظمة شعاع لحقوق الإنسان قالت إن القضاء الجزائري خفف حكم الفنانة جميلة بن طويس. SHOAA for Human Rights
| Source: SHOAA for Human Rights

جددت إدانة الفنانة الجزائرية، جميلة بن طويس، بالحبس النافذ، النقاش بشأن المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، التي طالبت عدة منظمات محلية ودولية بإلغائها، فضلا عن المطالبة بمراجعة الأحكام بالسجن في حق النشطاء.

وتزامنا مع حملة دولية، خفف مجلس قضاء الجزائر العاصمة، "الحكم الصادر بحق الناشطة جميلة بن طويس من سنتين حبسا نافذا إلى 18 شهرا، ودفع 100 ألف دينار (752 دولار) غرامة مالية"، وفق ما أعلنت عنه منظمة شعاع لحقوق الإنسان، أمس الأربعاء.

وأشارت المنظمة إلى أن القرار جاء" بعد إعادة محاكمتها (جميلة) يوم 18 سبتمبر الماضي بتهمة نشر أخبار مغرضة بين الجمهور من شأنها المساس بالأمن العمومي أو النظام العام".

في المقابل، دعا خبراء في الأمم المتحدة القضاء إلى إلغاء إدانة جميلة بن طويس المتهمة، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية، بـ "الانخراط في جماعة إرهابية"، بسبب أغنية نشرتها خلال الحراك الشعبي "تندد بقمع الحريات في الجزائر، مطالبين بتبرئتها من كافة التهم الموجهة لها".

وطالب الخبراء من محكمة الاستئناف إلغاء "الحكم التعسفي الصادر" بحقها و"تبرئتها من جميع التهم الموجهة إليها والتي تتعارض مع القانون الدولي".

وكانت غرفة الاتهام بمجلس قضاء الجزائر العاصمة قد أصدرت يوم 26 مايو الماضي قرارا بإسقاط جناية "الانخراط في جماعة إرهابية تنشط داخل الوطن وخارجه" تحت طائلة المادة 87 مكرر الموجهة ضد بن طويس،‬ والإبقاء على الجنح بتهمة "المساس بسلامة ووحدة الوطن"، وفق منظمة شعاع الحقوقية.

وكانت الحكومة الجزائرية أدخلت تعديلات سنة 2021 على قانون العقوبات، بإضافة المادة 87 مكرر، التي أعطت توصيفا جديدا للفعل الإرهابي، كما تضمنت مجموعة من العقوبات على مرتكبي هذه الأفعال تراوحت بين الإعدام، المؤبد والسجن.

تعديل محتمل

وفي تعليقه على هذا النقاش بشأن إمكانية أن تدفع هذه المساعي لتعديل المواد المثيرة للجدل، يرى الحقوقي، إدريس فاضلي، أن "المادة 87 مكرر بشكلها الحالي قابلة للتأويل على عدة أوجه"، مضيفا أن التعامل معها "قد يكون عن طريق تعديل محتمل لها".

وحسب الحقوقي إدريس فاضلي، فإن المادة القانونية "واضحة عندما تطبق بشكلها الظاهر لمحاربة الإرهاب، إلا أن الغموض يلفها بمجرد أن ترتبط بقضية ذات صلة بالنشاط الحقوقي".

ويتابع فاضلي، في تصريحه لـ"أصوات مغاربية"، أن هذه المادة تثير جدلا "لكن يمكن إضافة فقرة لها تضبط أحكامها وتحدد مواضع تطبيقها بدقة، حتى لا تبقي فضفاضة وهذا يدخل في سياق التعديلات الممكنة".

وتشير تقديرات من منظمات حقوقية إلى أن عدد معتقلي الرأي في الجزائر يتجاوز 200 شخص، وأشار المحامي سعيد الزاهي، في وقت سابق، إلى أن ما بين 100 إلى 150 ناشط تمت إدانته وفق المادة 87 مكرر.

وكانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، ماري لولور، ذكرت في بيان لها عقب زيارة قامت بها للجزائر خريف العام الماضي إنه "يجب على الجزائر الامتناع عن استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان من أجل تعزيز إصلاحات السنوات الأربع الماضية".

الإلغاء أو التعديل "المستحيل"

يستبعد المحامي، يوسف بن كعبة، المقيم في فرنسا، "إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العقوبات"، كما يستبعد "تعديلها"، قائلا إنه "يستحيل على السطات الجزائرية الاستغناء عنها، لأنها تستعملها لتلجيم النشطاء والمدافعين عن الحريات وحقوق الإنسان".

ويضيف بن كعبة، لـ"أصوات مغاربية"، أن المادة 87 مكرر "بكل ما تحمله من حكام قاسية، أغنت الحكومة عن المتابعات والمطاردات البوليسية للنشطاء، ووجدت فيها خيارا عمليا لتسليط أقسى العقوبات عليهم".

ويشير المتحدث إلى أن الحكومة تبرر الوضع الحقوقي الحالي "ومن ضمنه قضية الفنانة جميلة بن طويس، بكون النشطاء صدرت بحقهم أحكاما قانونية وفق نصوص لا غبار عليها، وأن القاضي حر في الأحكام التي يصدرها".

وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، نفى وجود ملف لـ"معتقلي الرأي في الجزائر"، واصفا ذلك بأنه "أكذوبة القرن"، موضحا أن هؤلاء حوكموا في قضايا "سب وشتم وفق القانون العام"، وذلك في لقاء له مع الصحافة المحلية في يوليو 2022، وهو نفس الموقف الذي تشدد عليه الحكومة في مناسبات عدة.

إحسان القاضي
إحسان القاضي | Source: radio-m.net

تم الجمعة الإفراج عن الصحفي إحسان القاضي بموجب عفو أقره الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، بمناسبة الذكرى السبعين للثورة الجزائرية، بعد أن ظل في السجن لسنة وعشرة أشهر، بتهمة "تلقي مبالغ مالية وامتيازات من أشخاص ومنظمات في البلاد وخارجها، من أجل الانخراط في أنشطة من شأنها تقويض أمن الدولة واستقرارها".

وكان في استقبال إحسان القاضي لدى خروجه من السجن زوجته وابنته وعدد من الناشطين والصحفيين، حيث تم تداول صور للحظات الأولى لهذا اللقاء على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

المحامي عبد الغني بادي

وعقب هذا الإفراج أبدى فريق دفاع الصحفي إحسان القاضي سعادته بهذا العفو، حيث قال المحامي عبد الغني بادي، عضو هيئة دفاعه "نحن مسرورون بالإفراج عن إحسان القاضي، رغم أنه قضى سنة وعشرة أشهر وراء القضبان".

وتمسك بادي بعدم واقعية التهم الموجهة لموكله مشيرا إلى أن "إحسان دخل السجن بسبب مهنة الصحافة، ومواقف مهنية نظير تمسكه بحرية الصحافة والكلمة الحرة، ونشاطه المكثف في تفاصيل عديدة متعلقة بالمجال السياسي والحرياتي، وهو من الصحافيين الذين يعارضون موقف السلطة بتوجهات معينة، ولذلك سجن وقضى قرابة سنتين".

"مراسلون بلا حدود" تثمن

وفي ردود الفعل الأولى، ثمنت منظمة "مراسلون بلا حدود" في مقال على موقعها الإلكتروني هذا الإجراء الذي أقرته السلطات الجزائرية في حق الصحفي إحسان القاضي، بعد مطالبات عديدة ومتكررة منذ توقيفه وسجنه.

وأضاف المقال "الخبر الذي كان مجرد إشاعات في الأشهر الماضية، اليوم أصبح رسميا"، في إشارة إلى خبر العفو عن إحسان، كما أبدت المنظمة أملها في أن "يكون إطلاق سراح إحسان القاضي بداية لرفع القيود المفروضة على حرية الصحافة".

وكان إحسان القاضي قد حكم عليه في الدرجة الثانية من التقاضي في 18 يونيو 2023 بسبع سنوات سجنا، منها سنتان موقوفتا النفاذ، قبل أن يستفيد من تخفيف للعقوبة بسنتين في إطار عفو رئاسي جزئي بمناسبة الاحتفالات بعيد الاستقلال في 5 يوليو 2024، وذلك بعد متابعته بتهم تتعلق بـ "تلقي مبالغ مالية وامتيازات من أشخاص ومنظمات في البلاد وخارجها، من أجل الانخراط في أنشطة من شأنها تقويض أمن الدولة واستقرارها".

وأوضحت هيئة دفاعه أن الأموال التي تلقاها تتمثل في مبلغ 25 ألف جنيه إسترليني حوّلته له ابنته المقيمة في لندن لحل المشاكل المالية التي كانت تواجه آنذاك مؤسسته الإعلامية "إنترفاس ميديا" المسؤولة عن نشر موقعي "راديو أم" و "مغرب إيمرجنت"، والتي تم غلقها بحكم قضائي، باعتبارها من الشركاء المساهمين في المؤسسة.

"خطوة لإنجاح الحوار الوطني نهاية 2025"

ويعيد العفو الرئاسي الحديث عن مطالب الطبقة السياسية والحقوقية في الجزائر بخصوص إقرار ما يسمى "إجراءات التهدئة" من خلال اتخاذ السلطة قرار العفو على جميع المسجونين بسبب آرائهم ومواقفهم أثناء وبعد الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير من عام 2019.

وكانت آخر دعوة رفعها السكرتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية (معارض) والمرشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة، يوسف أوشيش، للرئيس عبد المجيد تبون، كشرط مسبق للمشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه تبون أثناء أدائه اليمين الدستورية، عقب انتخابه لولاية ثانية.

ويرى المحلل السياسي، حكيم بوغرارة، في تصريح "للحرة"، أن "العفو عن المحبوسين بمن فيهم من يسمون بـ "معتقلي الحراك" وعدد من الصحفيين منهم إحسان القاضي يدخل في صلاحيات رئيس الجمهورية".

غير أن العفو يحمل بعدا سياسيا مهما حسب بوغرارة الذي يضيف " إذا تابعنا السنة الأخيرة على الأقل كانت هناك دعوات من الأحزاب السياسية ومن حقوقيين إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عفو في صالح هذه الفئة، الرئيس تبون بعد أدائه لليمين الدستورية دعا إلى حوار وطني ويريد ترتيب الأمور من أجل إنجاح هذا الحوار".

وأشار المتحدث إلى أن الرئيس وعد بدراسة كل الملفات وبمناسبة الذكرى السبعين للثورة كان العفو على ما يسمى "معتقلي الحراك" والصحفيين وهذا يدخل في سياق التحضير للمرحلة المستقبلية، وإطلاق الحوار الوطني نهاية السنة القادمة.

ويضيف حكيم بوغرارة أن هذا العفو "يدخل في إطار اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوحيد الجبهة الاجتماعية وصنع ذلك التلاحم لمجابهة التحديات الإقليمية والدولية تفاديا للاختراقات من خلال ملفات حقوق الإنسان".

المحلل السياسي حكيم بوغرارة

وأشار بوغرارة كذلك إلى أنه كانت هناك دعوات خصوصا من طرف الحقوقيين وجمعيات حقوق الإنسان والمثقفين إلى ضرورة الانتباه لخطورة التحولات الداخلية والإقليمية واتخاذ إجراءات العفو، وقال "أعتقد أنه بعد تجاوز مرحلة الانتخابات الرئاسية بسلام وفي ظل الرهانات حتى لا يبقى أي ملف قد يعيق الرئيس في تجسيد برنامج الولاية الثانية، اتخذ هذه الإجراءات من باب المصلحة العامة، والاستجابة لمطالب الطبقة السياسية والحقوقيين، وهذا ليس عيبا".

العفو على المساجين من صلاحيات رئيس الجمهورية

وأوضح موسى بودهان، الخبير في القانون، في حديث "للحرة"، أن العفو عن مجموعة من الصحفيين والنشطاء يحمل جانبين، الأول قانوني يدخل في إطار صلاحيات الرئيس الجزائري الذي يمكنه إصدار عفو على أي مواطن صدر في حقه حكم نهائي بنص المادة 91 من الدستور.

ويتيح الدستور للرئيس أيضا صلاحية تخفيض العقوبات أو استبدالها، ما عدا بعض الجرائم الكبيرة على غرار القتل العمدي والإرهاب، والثاني سياسي يأتي في إطار التهدئة وتمهيد السبيل لتجسيد ما أشار إليه في خطابه للشعب أثناء أدائه اليمين الدستورية.

الخبير القانوني موسى بودهان

دعوات لإطلاق سراح باقي النشطاء

وبحسب منشور للناشط الجزائري المقيم بكندا، زكرياء حناش، على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن عدد الصحفيين والناشطين المفرج عنهم إلى حد الآن، هم سبعة عشر شخصا، بينهم الشاب محمد تجاديت، الملقب بشاعر الحراك الشعبي، ومحاد قاسمي وسمير خنتوش، وغيرهم.

 

الساعة 16H : تم إطلاق سراح كل من حمزي فاتح و شاوش غيلاس، وعزان منور ، بوزيزة عبد الحميد، محاد قاسمي ، صفوان توفيق ،...

Posted by Zakaria Hannache on Friday, November 1, 2024


وخلف العفو عن عدد من الصحفيين والنشطاء المحبوسين تفاعلا كبيرا من قبل سياسيين وحقوقيين، الذين اعتبروه خطوة مهمة في مسار إعادة الثقة بين المواطن والسلطة، مع إطلاق دعوات لإطلاق سراح باقي المعتقلين.

ويقول المحامي عبد الغني بادي في حديثه للحرة، "اطلعنا على بيان رئاسة الجمهورية الذي تحدث عن مرسومين، الأول يتعلق بالإفراج عن المحكوم عليهم نهائيا في قضايا القانون العام، وهذا واضح".

 غير أنه طرح تساؤلات بخصوص المرسوم الثاني المتعلق بالمدانين في قضايا الإخلال بالنظام العام، وهو يعني النشطاء وسجناء الرأي، ويوضح بادي "لحد الآن لم يفرج عن تفاصيل هذا المرسوم، وما هي التهم بالضبط التي وجهت للذين سيفرج عنهم".

وأوضح المحامي أ التهم التي توجه عادة للنشطاء السياسيين أو الذين سجنوا بسبب مواقفهم وآرائهم لا تتجاوز في حدها الأقصى عشر تهم، المساس بسلامة وحدة الوطن والمادة 87 مكرر فيما يتعلق بمحاولة تغيير النظام خارج الأطر الدستورية والمادة 96 فيما تعلق بعرض منشورات تضر بالمصلحة الوطنية والتحريض على التجمهر، إذن بمجرد الإفراج عن تفاصيل المرسوم سنعرف العدد بالضبط للمحبوسين الذين سيفرج عنهم".

كما دعا المحامي الذي يرافع في عديد القضايا المرفوعة ضد صحفيين وناشطين، إلى ضرورة العفو عن باقي السجناء، مشيرا إلى أن "عدد من هم وراء القضبان يتراوح بين مائتين ومائتين وأربعين، لأن هناك سجناء لا يفصح عنهم من طرف عائلاتهم، لذلك لا يمكن التعرف عليهم".

وينضم لحملة المطالبة بـ"عفو شامل" على المعتقلين الكثير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يرى سعيد صالحي، وهو ناشط حقوقي وعضو في الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، الممنوعة من النشاط بحكم قضائي منذ يونيو 2022، يرى أن الإفراج عن جميع النشطاء في الحراك الشعبي والصحفيين من شأنه أن يساهم في رص الصف الداخلي وإرجاع الثقة والطمأنينة في نفوس المواطنين.

نتمني إطلاق جميع معتقلي الرأي، طوي صفحة الاستبداد و فتح المجال السياسي ، الإعلامي و المدني. الجزائر بحاجة لرص الصف...

Posted by Said Salhi on Friday, November 1, 2024

وبهذا الخصوص، يدعو الخبير القانوني، موسى بودهان، في حديثه للحرة، إلى ضرورة التفريق بين العفو الرئاسي الجزئي والعفو الشامل، "فالأول من صلاحيات رئيس الجمهورية وفقا للدستور، أما الثاني فيصدر بموجب قانون يمر على البرلمان".

وكان الرئيس تبون، قد وقع بمناسبة الذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير على مرسومين رئاسيين يتضمنان العفو عن أكثر من أربعة آلاف محبوس،  بينهم الصحفي إحسان القاضي وعدد من الصحفيين والنشطاء السياسيين الآخرين، المحكوم عليهم نهائيا، في قضايا تتعلق بالقانون العام والقضايا المخلة بالنظام العام.

المصدر: موقع الحرة