رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق
رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق

تشتد وتيرة التصعيد الإعلامي بين الجزائر وفرنسا منذ اعتقال الكاتب بوعلام صنصال في السادس عشر من نوفمبر الماضي بالمطار الدولي هواري بومدين.

ولم يصدر عن السلطات الجزائرية موقف رسمي عن اعتقال صنصال أو التهم الموجهة له، إلا أن رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري)، إبراهيم بوغالي، هاجم "انخراط البرلمان الأوروبي، وبعض الدوائر السياسية والإعلامية الفرنسية، في محاولة للتدخل في الشأن الداخلي للجزائري" على خلفية هذه القضية.

واعتبر بوغالي، خلال اجتماع لمكتب المجلس الأحد الماضي، هذه التطورات "ممارسة مفضوحة لصرف الأنظار عن الانتهاكات الحقيقية لحقوق الإنسان والقانون الدولي"، وذلك ردا على نقاش نظمه البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي حول اعتقال صنصال وبحث إصدار لائحة تطالب بالإفراج عنه.

وقال المتحدث إن "يد القانون ستطال كل من تسول له نفسه محاولة المساس بأمن واستقرار الجزائر"، كما سبق لوكالة الأنباء الجزائرية أن نشرت تعليقا أكدت فيه اعتقال صنصال، وهاجمت بشدة الحكومة واليمين الفرنسي على مطالبهما بالإفراج عنه.

وشهد النقاش حول اعتقال الكاتب صنصال حضورا قويا في وسائل الإعلام الفرنسية، بعد أن عبرت دوائر مقربة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن انشغال ماكرون بالقضية، كما دعت شخصيات من اليمين الفرنسي الجزائر إلى الإفراج عنه.

ولم تغب قضايا الذاكرة والتاريخ عن الجدل الجزائري الفرنسي، على خلفيات تصريحات صنصال لقناة فرنسية في أكتوبر الماضي بشأن "مغربية وهران ومعسكر وتلمسان".

وفيما تحاول وسائل إعلام فرنسية إبراز الجانب الحقوقي من القضية، ترى أوساط جزائرية أن الحملة تحكمها خلفيات اقتصادية وسياسية.

الذاكرة والصحراء الغربية

وتعليقا على الخلفيات الحقيقية التي تحكم التصعيد الأخير في العلاقات بين البلدين، يشير أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إدريس عطية، إلى أن موضوعين أساسيين برزا ضمن التوتر الأخير، ويتعلق الأمر بـ "ملف الذاكرة، وقضية الصحراء الغربية".

ويوضح إدريس عطية أن الرئيس الفرنسي و"في خضم الجدل حول قضية صنصال، كلف سفيره في الجزائر للوقوف أمام ضريح المقاوم الجزائري العربي بن مهيدي".

وزار السفير ستيفان روماتيه قبر أحد مفجري الثورة الجزائرية، وهو العربي بن مهيدي، بعد 19 يوماً من اعتراف الرئيس إيمانويل ماكرون باغتياله خلال حرب التحرير "على يد جنود فرنسيين"، وأقل من أسبوع على اعتقال صنصال، إلا أن ذلك لم يؤد إلى تهدئة التصعيد.

ويفسر عطية فشل خطوة ماكرون لرأب الصدع بين البلدين، في حديثه لـ"الحرة، بكون الجزائر تعتبر موقفه اتجاه الصحراء الغربية "خيانة لها، عندما انحاز لمقاربة المغرب وتخليه عن سياسة التوازن بينهما، فضلا عن الدور الديبلوماسي السابق لبلاده في مجلس الأمن الدولي لصالح التهدئة".

وكان الرئيس الفرنسي أعلن في يوليو الماضي، بمناسبة عيد العرش المغربي، أن بلاده تعتبر أن "حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية"، وأدى ذلك بالجزائر إلى سحب سفيرها من باريس.

اليمين و"مواجع التاريخ"

ومن جهته، يرى المحلل السياسي، توفيق بوقاعدة، أن اعتقال صنصال "فتح كل الملفات دفعة واحدة"، مشيرا إلى أن القضاء "كان مضطرا" لاعتقال الكاتب في إطار تصريح جديد تداولته وسائل إعلام لأول مرة في أكتوبر الماضي حول "سيادة ووحدة التراب الوطني".

ويشير بوقاعدة لـ "الحرة" إلى أن الجزائر "التزمت الصمت بعد توقيفها لصنصال، ولم تقم بأي تصعيد أو استغلال لموقف هذا الأخير من الوحدة الوطنية"، إلا أن اليمين الفرنسي "استغل الحادثة لقلب مواجع التاريخ والعلاقات السياسية بين البلدين وأخرج أسوأ ما فيه".

وبرأي المتحدث فإن اليمين الفرنسي هو من "حرك أحجار القضية، ليهاجم الجزائر"، واعتبر  أن صانع القرار "ذهب بعيدا هو الآخر"، في إشارة إلى قرار السلطات القضائية الجزائرية اعتقال صنصال.

 وتوقع المحلل السياسي أن "تطول حلقات الخلاف بين البلدين هذه المرة بحكم الدوافع التاريخية والسياسية التي تسيطر على اليمين بفرنسا".

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.