كنيسة سان أوغيستين بالجزائر
كنيسة سان أوغيستين بالجزائر

في أعلى هضبة بعنابة (شرق الجزائر) توجد كنيسة القديس أوغستين التي عاشت بجوارها هذه الشخصية الدينية والفكرية الهامة في تاريخ المسيحية، وفي هذه المدينة أعلن الشاب الجزائري، كريم كعرار، قبل خمس سنوات تحوله من الإسلام إلى المسيحية، رغم ما كان ينتظره من صعوبات وصلت درجة الخطر على حياته.

من الإسلام إلى المسيحية..

يروي كريم، عشية أعياد الميلاد لموقع "الحرة"، عدم تقبل أفراد عائلته المسلمة لهذا التحول الجديد في ديانته وحياته، إلا أنه "نجح" بعد جدل ونقاش في إقناعهم بقراره الذي أصبح مع مرور الوقت "واقعا جديدا في حياتهم بعد تحوله من الإسلام إلى المسيحية". 

لكن الخطر الأكبر كان ينتظره خارج المنزل، عندما تلقى تهديدات بالقتل من قبل أشخاص متشددين.

أخطر كريم مصالح الأمن الجزائرية التي "ساعدته كثيرا وتمكنت من توفير الحماية له"، كما أصدر القضاء أحكاما لصالحه.

ويبلغ عدد المسيحيين في الجزائر نحو 124 ألف شخص، وفق بيانات نشرتها منظمة "الأبواب المفتوحة" المسيحية خلال سنة 2019، وتتباين ظروف ممارسة الطقوس الدينية في العالم العربي من بلد إلى آخر.

ورغم العدد الهام من المسيحيين، فإن فئة واسعة من هؤلاء "يتفادون الإعلان عن هويتهم الدينية خشية مآلات غير مرغوب فيها"، وبالنسبة لكريم فإن الأمر يكون "أكثر صعوبة وخطورة في المدن والبلدات الصغيرة".

"هكذا تتعامل السلطات معي"..

كما يواجه كريم صعوبات في تعاملاته الرسمية مع السلطات المحلية، حيث يشير إلى "شكوك" تحوم دوما من حوله بصفته ناشطا في تنظيم معارض الكتب، وهذا ما "يعطل أو يؤخر حصوله على موافقة السلطات خاصة في المدن الصغرى"، بينما تقبّل زملاءه في عمله كمسؤول للموارد البشرية بشركة جزائرية أجنبية، واقعه الجديد.

وصنفت وزارة الخارجية الأميركية الجزائر ضمن الدول الموضوعة على قائمة المراقبة الخاصة بسبب "انتهاكات لحرية الدين أو تسامحها معها"، رفقة أذربيجان، أفريقيا الوسطى، جزر القمر وفيتنام، ضمن تقرير الحريات الدينية لسنة 2024.

ويفسر كريم ذلك بمسألة عدم ترخيص الحكومة لفئة واسعة من البروتستانتينين للنشاط داخل كنائسهم، التي تحصلوا عليها بإمكانياتهم الخاصة، وهذا بعكس الكاثوليكيين الحائزين على تراخيص ضمن جمعيتهم الأسقفية.

وكانت السلطات الجزائرية أغلقت نحو 12 كنيسة غير مرخص لها بمنطقة القبائل شمال شرق البلاد، بعضها ينشط منذ سنوات كما هو الشأن "لكنيسة الإنجيل الكامل التي تضم 1200 منخرط وتنشط منذ 1996".

ودفع ذلك كريم إلى الالتزام بممارسة شعائره الدينية ضمن إطار كنيسة القديس أوغستين بمدينة عنابة التي يقيم بها. 

وخضعت هذه الكنيسة إلى التجديد في الفترة الأخيرة، ضمن برنامج شمل أيضا كنيسة (سانتا كروز) بوهران (غرب)، وكنيسة السيدة الأفريقية بالجزائر العاصمة، كما وافقت الحكومة على إعادة ترميم وإصلاح كنيسة (القلب المقدس) بالعاصمة.

"البيروقراطية الدينية"

ويعتقد الباحث في علم الاجتماع بجامعة مستغانم، مصطفى راجعي، أن الوجود المسيحي "منقسم من حيث المؤسسات إلى الكنيسة الكاثوليكية التي يترأس جمعيتها الأسقفية الكاردينال فيسكو، وإلى الكنيسة بروتستانتينية المعتمدة وغالبية منخرطيها من الجزائريين الذين تحولوا لهذه الديانة".

وتباعا لذلك، يؤكد راجعي لموقع "الحرة" أن التشريعات والقوانين المحلية "تسمح للمسيحيين بممارسة نشاطاتهم الدينية، وفق القوانين والنصوص المتاحة لغير المسلمين"، مشددا على أن تنظيم العبادات "ليس مقتصرا على المسيحية، بل يشمل الديانة الإسلامية أيضا".

وأرجع المتحدث مسؤولية التصنيفات المتدهورة للجزائر في تقارير الخارجية الأميركية إلى ما وصفه بـ"البيروقراطية الدينية، وبطء الإجراءات في اعتماد الجمعيات وتأخر صدور المراسيم التنظيمية للقوانين". 

ونتيجة لذلك فإن مساعي "بعض الإنجيليين تأسيس جمعيات دينية مسيحية مستقلة خارج الإطار البروتستانتيني لازالت محل انتظار"، معتبرا أنها مطالب "مشروعة يعترف بها الدستور الجزائري". 

ويقود جان بول فيسكو الذي عينه أمس البابا فرنسيس، كاردينالا جديدا الكنيسة الكاثولوكية في الجزائر منذ سنة 2021 بعد مسار طويل في العمل الكنسي الكاثوليكي في الجزائر الذي بدأه من تلمسان ووهران (غرب الجزائر)، وفي 27 فبراير 2023، منحه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الجنسية الجزائرية.

وكان وزير الشؤون الدينية الجزائري، يوسف بلمهدي، قال،  الثلاثاء الماضي، إن حرية العبادة "مضمونة" في الجزائر، رغم أن الولايات المتحدة أدرجت مطلع العام الجزائر في قائمة الدول التي تنتهك الحرية الدينية.

وقال بلمهدي، في افتتاح أشغال ندوة حول الحرية الدينية، "الجزائر تعتبر ممارسة حرية العبادة في أماكنها المخصصة مظهر من مظاهر الممارسة الدستورية للحقوق والحريات الأساسية".

العلاقات مقطوعة والحدود مغلقة بين البلدين
تصريحات بنكيران تأتي في سياق توتر بين الجزائر والمغرب

"الصحراء الشرقية مغربية وسكانها مغاربة".. تصريح جديد فتح به رئيس الحكومة المغربية الأسبق وأمين عام حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران صفحة سجال جديد بين المغاربة والجزائريين.

ففي سياق حديثه عن موقف العدالة والتنمية من التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية) في المغرب، خلال اجتماع داخلي للحزب الاثنين، في سياق الحديث عن جوانب تاريخية في الموضوع، قال إن المنطقة التي تعرف بالصحراء الشرقية، الواقعة جنوب غرب الجزائر، هي "تابعة تاريخيا للمغرب".

 

وقال بنكيران إن "الاستعمار الفرنسي دخل إلى الجزائر عنوة قبل 82 عاما على استعمار المغرب الذي دخله بعقد حماية. وكان الفرنسيون على حدودنا (المغرب) ولم يستطيعوا أن يتجاوزوها إلا في بعض المناطق التي ما زالت موضوع خلاف بيننا وبين الجزائريين. لأن تلك المناطق مناطقنا.. توارت وتندوف وحسي بيضا وبشار هي مغربية وسكانها مغاربة".

وأضاف "لما كان الشرقاوي (مولاي الطيب الشرقاوي) سفيرا للمغرب في فرنسا كان سكان تلك المناطق يأتون لمكتبه ويطلبون الحصول جوازات سفر مغربية لأنهم مغاربة".

وتابع رئيس الحكومة السابقة حديثه عما اعتبرها أدلة تاريخية على "مغربية الصحراء الشرقية" قائلا إن "الجزائر حازت تلك المناطق لأن فرنسا اقتطعتها منا (المغرب) وقالت لنا إنها ستعيدها إليها قبل استقلال الجزائر، لكن محمد الخامس لم يرغب في ذلك".

وتحدث عن كون فرحات عباس، أول رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة من 1958 إلى 1961، "رفض إرجاع تلك المناطق للمغرب بعد استقلال الجزائر"، وهو وضع "استمر إلى اليوم".

وأومأ السياسي المغربي إلى "إمكانية فتح الملف من جديد"، قائلا "ولو أن الحسن الثاني تنازل لهم (الجزائر) عليها، لكن ذلك (القرار) لم يمر عبر البرلمان ولا يزال موضوع خلاف".

خلاف جديد قديم

وليس هذه المرة الأولى التي يثير فيها سياسي مغربي جدلا بين الجزائر والمغرب بشأن "الصحراء الشرقية"، ففي يناير 2023 كانت مديرة الوثائق الملكية بالمغرب، بهيجة سيمو، قد أثارت سجالا حين قالت إن "الوثائق التاريخية المحفوظة تؤكد مغربية الصحراء الغربية، كما تؤكد أيضا مغربية الصحراء الشرقية".

وتفاعلت السلطات الجزائرية الرسمية حينها مع التصريحات، إذ وجه رئيس المجلس الشعبي الجزائري حينها، إبراهيم بوغالي، انتقادات لتصريحات المسؤولة المغربية واتهم الرباط بـ"التشويش" على الجزائر.

وصرح بوغالي في البرلمان الجزائري بأن "المغرب يحاول التشويش على بلادنا وتسويق أطماعه التوسعية.. في الوقت الذي تعمل فيه بلادنا تحت القيادة الرشيدة لرئيس الجمهورية على تعزيز الاستقرار على المستوى الجهوي، والقاري والدولي لاستتباب السلم وإنعاش التنمية وبعث الأمل".

وقبل ذلك بعشر سنوات، وتحديدا في ماي 2013، دعا الأمين العام لحزب الاستقلال السابق، حميد شباط، إلى استرجاع ما سماها بـ"الأقاليم المغتصبة من الجزائر مثل مدينة تندوف وبشار والقنادسة الواقعة في الصحراء"، وهو ما ردت عليه السلطات الجزائرية باعتبارها "تصريحات خطيرة".