قوات أمن خارج مقر محكمة في الجزائر
قوات أمن خارج مقر محكمة في الجزائر

يشكل ملف معتقلي الحراك في الجزائر اهتماما خاصا بين الناشطين ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية. 

وترى منظمة العفو الدولية (أمنيستي) أن ما بين 250 و300 معتقل رأي لازالوا في السجون الجزائرية، وذلك ضمن حملة تروج لها تحت شعار "أطلقوا سراح معتقلي الحراك في الجزائر".

ونشر الناشط الحقوقي المقيم بكندا، زكريا حناش، الاثنين، قائمة بـ213 معتقلا من بينهم محام وصحفي، وأوضح حناش، على حسابه الرسمي بفيسبوك، أن القائمة الإسمية المنشورة لا تمثل كافة معتقلي الرأي في الجزائر، بل تعداد ما تمكن من الوصول إلى ملفاتهم، كما استثنى الكاتب بوعلام صنصال، لأنه لم يتوصل إلى "التهم الموجهة له ولا إلى خلفية الاعتقال".

ومنذ الحراك الشعبي الذي عاشته الجزائر بداية من فبراير 2019، بدأ الحديث عن ملف ما أصطلح عليه لاحقا بـ"معتقلي الرأي"، وهم أولئك النشطاء الذين أوقفهم الأمن الجزائري أثناء مسيرات أو مظاهرات احتجاجية ضد السلطة مطالبين بإصلاحات شاملة.

وناشدت منظمات عدة، وهيئات حقوقية، الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، الإفراج عن المعتقلين وطي هذا الملف الحقوقي.

وذكرت أمنيستي أنها جمعت ما يناهز 50 ألف توقيع لمطالبين بالإفراج عن المعتقلين في الجزائر، واعتبرت أن مبادرتها يمكن أن "تمهد الطريق نحو الإفراج عنهم".

وكان الرئيس الجزائري، أعلن في 18 فبراير 2021 عن عفو رئاسي عن معتقلي الحراك، وأفرج عن 59 شخصا خلال الفترة الممتدة ما بين 19 إلى 25 فبراير 2021، تم اعتقالهم تعسفياً لتعبيرهم عن آرائهم أو تظاهرهم السلمي، كما استفاد البعض من الإفراج المؤقت "بانتظار المحاكمة، وآخرون من العفو الرئاسي".

وذكر المصدر نفسه أن السلطات الجزائرية "أفرجت عن عشرات آخرين خلال سنة 2020، بعد تخفيف أحكامهم في الاستئناف".

إلا أن اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري صنصال في السادس عشر من نوفمبر الماضي بمطار العاصمة، أثار ردودا قوية بفرنسا والبرلمان الأوروبي وفي دول عدة، بسبب الظروف الغامضة التي حاطت بتوقيفه، بينما أعلن محاميه، فرنسوا زيمراي، أن موكله وجهت له تهم وفق المادة 87 مكرر من قانون العقوبات التي تعاقب مجمل الاعتداءات على أمن الدولة.

وقال المحامي، الثلاثاء، إنه لم يتمكن من الحصول علي تأشيرة الدخول للجزائر، في وقت تتأهب غرفة الاتهام للنظر في طلب الإفراج عن صنصال الأربعاء.

"حل جزائري لملف المعتقلين"

وتعليقا على هذه التطورات يرى الحقوقي، يوسف بن كعبة، أنه "لابد من تجاوز التعقيدات التي تحاط بالملف، الخاصة بالتباين بشأن التصنيف والمعايير التي يتوجب توفرها في السجين لوصفه بمعتقل الرأي".

وأضاف المتحدث أن الأمر يتعلق بكل من تعرض للاعتقال من صحفيين وناشطين وسياسيين "بسبب آرائهم ومواقفهم، مهما كانت التهم التي وجهت لهم، بما في ذلك المادة 87 من قانون العقوبات المتعلقة بالإرهاب، التي تم توسيعها إلى محاولة قلب نظام الحكم".

وبشأن مستقبل التعامل مع ملف المعتقلين، يؤكد الحقوقي بن كعبة لـ "الحرة" أنه "آن الأوان للسلطة وبعد مرور خمس سنوات على الحراك الشعبي لكي تعالج الملف بما تقتضيه الظروف والتحديات المقبلة"، مشيرا إلى أن الوقت حان "لرفع نداء لرئيس الجمهورية لإصدار عفو عام على هؤلاء، حتى يكون ملف المعتقلين حل جزائري".

تحديد هوية سجناء الرأي

وكانت السلطات الجزائرية أفرجت في نهاية أكتوبر الماضي عن الصحفي إحسان القاضي ومجموعة من سجناء الرأي، بموجب عفو أصدره الرئيس، عبد المجيد تبون، الذي نفي في وقت سابق وجود سجناء رأي في الجزائر، وأشار في لقاء مع وسائل إعلام محلية "أن من يسب ويشتم تتم معاقبته وفقا لأحكام القانون العام".

وفي هذا الإطار يشير المحامي فاروق قسنطيني إلى أن النصوص القانونية هي من "تحكم العلاقة بين الطرفين، الحكومة والحقوقيين الذين يقولون بوجود معتقلين للرأي"، مؤكدا أنه "من الصعب إثبات أن الذين في السجون هم حقيقة الأمر سجناء رأي".

ويقترح فاروق قسنطيني، في حديثه لـ"الحرة"، أن تتم دراسة ملفات السجناء "حالة بحالة لتحديد هوية معتقلي الرأي من سجناء القانون العام"، مضيفا أن لخبراء القانون "الكفاءة والقدرة على تصفية هذا الملف".

ولا يستبعد المتحدث إمكانية أن يصدر الرئيس عفوا شاملا عن هؤلاء، بحكم الصلاحيات التي يحوزها دستوريا وتخول له هذا الحق "الذي قد يمارسه في أي وقت يراه مناسبا".

تشهد دول منطقة الساحل هجمات متزايدة للجماعات الإرهابية
تشهد دول منطقة الساحل هجمات متزايدة للجماعات الإرهابية

تجدد الحديث عن خطر الجماعات الإرهابية المسلحة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى إلى الواجهة، عقب إعلان الجيش الجزائري عن تحرير سائح إسباني من قبضة جماعة مسلحة، كما جاء ذلك بعد فترة من انسحاب القوات الأميركية من قاعدة رئيسية للطائرات المسيرة قرب مدينة أغاديز الصحراوية، بطلب من حكومة النيجر، مقابل ظهور مرتزقة فاغنر الروسية التي تحاول التمدد في الساحل الأفريقي بتقديم خدماتها لحكومات من دول المنطقة.

وتمكنت المصالح الأمنية للجيش الجزائري، الثلاثاء، من تحرير الرعية الإسباني، نفارو كندا جواكيم، الذي تم اختطافه من قبل مجموعة مسلحة في منطقة الساحل منتصف الشهر الجاري.

وحسب بيان لوزارة الدفاع الجزائرية فإن الرعية الإسباني كان في رحلة سياحية حين تعرض للاختطاف من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد بتاريخ 14 يناير الجاري على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة.

ونقل السائح الإسباني على متن طائرة عسكرية من جنوب البلاد إلى القاعدة العسكرية لبوفاريك (شمال) قبل تسليمه لسطات بلاده.

كما شهدت المنطقة الجنوبية للجزائر، مقتل سائحة سويسرية، في 11أكتوبر 2024، بمدينة جانت، عندما هاجمها رجل بسكين خلال وجودها في أحد المقاهي وأقدم على ذبحها أمام أطفالها، وهو يصرخ "الله أكبر"، وفق ما أوردته وكالة فرانس براس.

وتشهد منطقة الساحل توترات أمنية على خلفية عدم الاستقرار الذي أعقب سلسلة من الانقلابات العسكرية، ومقابل انسحاب القوات الفرنسية والأميركية من المنطقة، ظهرت مجموعة فاغنر الروسية في المشهد الأمني لدعم وترسيخ حكم العسكريين في مالي والنيجر وبوركينافاسو.

ويُقصد بالساحل الأفريقي "الحزام الفاصل بين الصحراء والمناطق الجنوبية الخصبة والكثيفة بغابات السافانا، ويُغَطِّي أجزاءً من شمال السنغال، وجنوب موريتانيا، ووسط مالي، وشمال بوركينا فاسو، وأقصى جنوب الجزائر، والنيجر، وأقصى شمال نيجيريا، وأقصى شمال الكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ووسط تشاد ووسط وجنوب السودان وأقصى شمال جنوب السودان وإريتريا وأقصى شمال إثيوبيا، وفق تعريف للمركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات.

وساهم قيام مجموعة فاغنر بقيادة المواجهات بين الجيش المالي وجماعات الطوارق المتمردة على باماكو في موجة من التصعيد الأمني والعسكري بمنطقة "تين زواتين" على الحدود الجزائرية المالية، وتكبدت فاغنر في يوليو 2024 خسائر بشرية ومادية كبيرة أثناء تلك المعارك المسلحة، قبل أن تعاود قوات مالية الهجوم على الطوارق في أغسطس 2024 وتكبدهم خسائر بشرية.

جماعات متشددة "تدير أقاليم في أفريقيا"

ومع تزايد المواجهات تستغل الجماعات الإرهابية والمسلحة الناشطة في تهريب السلاح والبشر والمخدرات حالة التصعيد لتوسيع نطاق تواجدها، ويرى وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أن "بؤرة الإرهاب العالمي انتقلت إلى منطقة الساحل الصحراوي، التي أصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم".

وأثناء جلسة لمجلس الأمن الدولي الأسبوع الجاري، ترأستها الجزائر، ذكر عطاف أن أفريقيا قد "تعرضت خلال الأشهر التسعة الأولى فقط من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص".

وتحدث عطاف عن "جماعات إرهابية تسيطر على مناطق جغرافية شاسعة، تصل إلى أكثر من 60 بالمئة من الأقاليم الوطنية لبعض دول المنطقة وتشرف على إدارتها كسلطات أمر واقع"، مضيفا أن "جماعات إرهابية تستخدم التكنولوجيات الجديدة والابتكارات المالية التي تجعل من شبكات أعمالها معقدة وصعبة الترصد".

وتعليقا على الواقع الجديد الذي تسعى هذه الجماعات لتكريسه، يرى الكاتب والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، عبد القادر حريشان، أن منطقة الساحل تمر "بتحولات عميقة وخطيرة في آن واحد، بسبب التغييرات التي طرأت على بعض أنظمتها بشكل عنيف".

ويشير حريشان في حديثه لـ "الحرة" إلى أن التحولات التي مست أنظمة في العديد من دول الجوار، بما في ذلك التي أعقبت الربيع العربي، "زادت من هشاشة الأوضاع الأمنية، وعززت من تواجد الجماعات المتشددة" التي تنشط بشكل لافت في جنوب الصحراء الكبرى والساحل.

واستدعى ذلك وفق المتحدث "تعزيز" الجزائر لتواجدها الأمني على طول الحدود الجنوبية والشرقية بصفة خاصة، و"تكثيف" التعاون الأمني مع عدة شركاء، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، "بغرض تشديد الخناق على تلك الجماعات".

ووقعت الجزائر، الأربعاء الماضي، مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة بين نائب وزير الدفاع الجزائري، السعيد شنقريحة، وقائد القيادة الأميركية في أفريقيا، مايكل لانغلي "تركز على التعاون العسكري"، الذي قال في تصريح له إنه وقع رفقة شنقريحة على مذكرة تفاهم "تؤسس لجميع الأهداف الأمنية التي تجمع البلدين".

"انسحاب" القوات الدولية

ومن العاصمة المالية باماكو يؤكد الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد ويس المهري، أن الوضع في منطقة الساحل يشهد "تفاقما كبير من الناحية الأمنية وتمدد الجماعات الجهادية المتمثلة في تنظيم القاعدة وداعش"، في ظل تطورات داخلية وخارجية كبيرة في المنطقة.

ويرجع محمد ويس المهري هذه التطورات إلى "انسحاب القوات الدولية في مقدمتها الأميركية التي كانت تستهدف نشاط هذه الجماعات انطلاقا من قاعدتها في النيجر"، مضيفا في حديثه لـ "الحرة" أن الاختطاف والمطالبة بالفدية أصبحت "تجارة رائجة" لدى هذه الجماعات لتمويل عملياتها العسكرية.

ويجدد المتحدث تأكيداته على أن انسحاب القوات الأميركية التي كانت تستخدم الطائرات بدون طيار لمطاردة تلك الجماعات "أثر بشكل مباشر على الوضع الأمني في المنطقة، وفسح المجال لجماعات مسلحة للتحرك بحرية"، مشيرا إلى أنه من الضروري "تركيز الجهود مرة أخرى على مكافحة تمدد المتشددين في بلدان الساحل والصحراء الكبرى".