المركز التفسيري للباس التقليدي الجزائري

يسهر المركز التفسيري ذي الطابع المتحفي للباس التقليدي الجزائري في تلمسان (غرب) على حفظ وتثمين التراث الثقافي اللامادي والتعريف به لدى الجمهور المحلي والسياح الأجانب.

ودخل المركز حيز الخدمة سنة 2012، تاريخ تصنيف الشدة التلمسانية ضمن التراث الثقافي اللامادي للإنسانية من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

ملابس "ترتقي للعالمية"

والشدة التلمساني زي تقليدي يوصف بلباس الأميرات، يرتبط بمراسيم الزفاف في تلمسان والمناطق المجاورة لها.

ويعود تاريخه إلى ما قبل سقوط الأندلس، حيث كانت ترتديها "الأميرات ونساء الطبقة الراقية بتلمسان أيام الدولة الزيانية، قبل أن تتحول إلى لباس خاص بالعروس التلمسانية"، وفق تقرير أوردته وكالة الأنباء الجزائرية عن هذا اللباس.

ويتكون لباس الشدة التلمسانية من (القرفطان) الذي يُنسب للعثمانيين ثم (البلوزة) العربية و(الفوطة) الأمازيغية في حين أن "الشاشية" تعود للأندلسيين، وهو من بين محفوظات المركز التي يعرضها للجمهور.

وإضافة للشدة التلمسانية فإن اليونيسكو أعلنت، خلال شهر ديسمبر الجاري، بشكل رسمي عن تصنيف ملف "الزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير"، على أساس القيمة الأصيلة للمهارات والمعارف المرتبطة به.

وكان وزير الثقافة الجزائري، زهير بللو، أوضح أن تسجيل هذه المعارف والمهارات المتصلة بالخياطة وارتداء الزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير، يعتبر "علامة من علامات الهوية بشكل خاص"، لافتا أن هذا تتويج أيضا "لما تقوم به الحرفيات والحرفيين مسؤولو ورشات الخياطة والمجوهرات التقليدية وكل المهن ذات الصلة بهذا الموروث الذي ارتقى اليوم للعالمية".

وتقدمت الجزائر في أبريل 2023، بطلب لدي منظمة اليونيسكو لإدراج ملف الزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير، بعنوان "معارف ومهارات متعلقة بخياطة وصناعة حلي التزين، القندورة والملحفة".

ويتشكل هذا الزي النسوي الاحتفالي من عدة قطع من الألبسة وهي "القندورة والقفطان والقاط والقويط واللحاف والشاشية والملحفة والسروال والدخيلة واللوقاع والمنديل والقنور والحزام المطرزة عن طريق المجبود والفتلة والكنتيل والتل والترصيع والتعمار"، إضافة إلى الحلي الفضية والذهبية التي تزينه.

ويعتبر اللباس النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري جزء من الأزياء التي يتم ارتداؤها خلال الاحتفالات في المناسبات المتعددة خصوصا الأعراس.

متحف الأزياء

تعمل ربيعة كملحق للحفظ بالمركز التفسيري للباس التقليدي الجزائري، وتحرص على مشاركة زميلاتها الالتزام بكل ما يضمن تقديم التوجيهات والتفسيرات لزوار المركز.

تقول ربيعة لـ "الحرة" أن الحفاظ على التراث الجزائري المادي واللامادي هو المهمة الرئيسية للمركز، مشيرة إلى مشاركتهن في إحياء المناسبات الدينية في البلاد من خلال العروض والمعارض التي يشرف عليها المركز التفسيري للباس التقليدي.

يقع مقر المركز داخل قلعة المشور الشهيرة التي تتوسط مدينة تلمسان، قبالة قصر سلاطين الدولة الزيانية الذين شيدوه ليكون مركز القرار وملتقى الأمراء وقادة الجيوش خلال الفترة الممتدة ما بين 1235 و 1554.

المركز التفسيري للباس التقليدي الجزائري

ويحتوى المركز على مجسمات ونماذج لمختلف الألبسة التقليدية ومناطقها في الجزائر، مع تضمينها لوحات تعريفية لتاريخ اللباس والمنطقة التي تشتهر به، مثل لباس الشدة التلمسانية، وكراكو، والحايك (رداء خارجي غير مخيط ترتديه المرأة على كامل جسدها)، وبلوزة وهران والجبة القبائلية والقندورة القسنطينية.و

تشير ربيعة إلى أن المركز دأب على اتباع تقاليد تتمثل في تنظيم معارض متخصصة لمنطقة واحدة، يستعرض فيها مختلف أنماط الملابس التي تتميز بها، ولإعطاء الزوار لمحة تفصيلية واسعة يعرض المركز إضافة للملابس التقليدية خلال معارضه الخاصة، الأكلات والأطباق الشعبية التي تتميز بها كل المنطقة.

كما يتضمن المركز التفسيري للباس التقليدي بتلمسان جناحا خاصا بالأدوات التقليدية المستعملة في نسج بعض الألبسة مثل الحايك التلمساني وغيرها من باقي قطع الملابس متعددة الاستخدامات.

الذاكرة

ويبرمج المركز التفسيري نشاطات مكثفة كل سنة على مستوى عدة ولايات من الجزائر ضمن تظاهرات وطنية للتعريف بمختلف أنواع الألبسة التقليدية.

ويرى الكاتب والفنان على عبدون في حديثه لـ "الحرة" أن مهمة الحفاظ على التراث بنوعيه المادي واللامادي، هو عملية معقدة تتطلب الكفاءة والخبرة، مشيرا إلى أنها "تتعدى عرض ملابس أو أواني وغيرها إلى الحفاظ على الذاكرة وهي أشبه بمهمة الوقاية من الزهايمر".

ويزور عبدون المركز من حين لآخر رفقة العديد من زوار تلمسان من الفنانين والمسرحيين الذين يستقبلهم بصفته كاتب مسرحي ومخرج بالمدينة التي يرى أن اختيارها لتكون مقرا للمركز التفسيري للباس التقليدي كان قرارا صائبا بالنظر لخصوصياتها التاريخية.

رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق
رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق

تجمع تحاليل الخبراء على أن العلاقات المتوترة بين الجزائر وفرنسا لا تؤثر على المصالح الاقتصادية والثقافية والاجتماعية المشتركة، في وقت تجاوزت المبادلات التجارية بينهما 11مليار دولار سنويا خلال السنوات القليلة الماضية.

وسجلت التبادلات التجارية الفرنسية الجزائرية ارتفاعا بنسبة 5,3 بالمئة على أساس سنوي في 2023، لتصل إلى 11,8 مليار يورو، مقارنة بـ 11,2 مليار يورو عام 2022، وفق فرانس برس.

وبلغت قيمة الصادرات الفرنسية إلى الجزائر 4,49 مليارات يورو عام 2023، بينما بلغ إجمالي واردات السلع الجزائرية إلى فرنسا 7,3 مليارات يورو. 

وفي عام 2023، احتفظت الجزائر بمكانتها، بصفتها ثاني أهم سوق للمبيعات الفرنسية في أفريقيا.

وتتصدر الجزائر المرتبة الثانية في قائمة البلدان الأفريقية الشريكة تجاريا لفرنسا، إذ بلغت قيمة المبادلات بين البلدين 8 مليار يورو خلال2021.

كما احتلت فرنسا المرتبة الثانية في قائمة الموردين إلى الجزائر خلال سنة 2020، بعد الصين، بنسبة واردات تبلغ 10،6 في المئة، والمرتبة الثانية في قائمة عملاء الجزائر بعد إيطاليا بنسبة صادرات جزائرية تبلغ 13،3 في المئة، وفق تقرير للخارجية الفرنسية على موقعها الرسمي.

وفي مجال المحروقات، فإن لفرنسا استثمارات قوية في الجزائر، إذ توفر منشآتها زهاء 40 ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة. 

إضافة إلى استثمارات في قطاع الخدمات والبنوك والنقل والطاقة الكهربائية والزراعة، فضلا عن تعاون مؤسساتي تحكمه اتفاقيات ومعاهدات شتى، وفق المصدر نفسه.

وكانت فرنسا استوردت كمية هامة من الغاز الجزائري المسال المصدر في 2024، بلغت 3.26 مليون طن، متجاوزة إسبانيا وإيطاليا. 

واستوردت فرنسا 1.66 مليون طن، والثانية 1.39 مليون طن، وفقا لتقرير "مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في 2024"، الصادر عن وحدة أبحاث منصة "الطاقة" الذي تداولته، الإثنين، وسائل إعلام جزائرية.

كما ترتبط الجزائر بعدة اتفاقيات تخص الإقامة، العمل والتنقل بين البلدين، أشهرها معاهدة الهجرة لعام 1968 التي تمنح الجزائريين امتيازات في اتنقل والتأشيرة.

وفي المجال الثقافي الفرنسي بالجزائر، فإن زهاء ألف طالب يدرسون بالثانوية الدولية بالجزائر العاصمة، وقرابة 500 تلميذ يدرسون بالابتدائية، كما تنشط خمسة معاهد ثقافية في العاصمة وقسنطينة، ووهران، وعنابة وتلمسان.

الشراكة القوية وأزمة الطاقة

وتعليقا على هدوء جبهة الاقتصاد على عكس عاصفة الخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا، يؤكد خبير الشؤون المالية والاقتصادية، نبيل جمعة، أن التبادلات التجارية سجلت "زيادة" ملحوظة خلال السنوات الماضية "لم تتأثر" بموجة التوتر السياسي.

ويرجع جمعة ذلك، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى كون فرنسا "أهم وأقرب شريك اقتصادي للجزائر منذ التسعينيات"، مضيفا أن الجزائر تستورد "الكثير من المنتجات الفرنسية الصناعية والغذائية والصيدلانية، مقابل النفط والغاز بشكل رئيسي".

ويرى المتحدث أن أزمة الطاقة التي عرفتها أوروبا بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، "عززت الشراكة بين الجزائر وفرنسا التي دعمت استثماراتها في الجزائر، ووقعت اتفاقيات التنقيب واستخراج النفط التي تمتد إلى آفاق سنة 2026".

ويشير نبيل جمعة إلى أن الشركات الفرنسية تعمل وفق مبدأ "استقلالية" القرار الاقتصادي عن التوترات السياسية لحكومة بلدها مع العواصم الشريكة، مضيفا أن ذلك انعكس "إيجابيا في الشق الاقتصادي الذي لم يتأثر رغم حدة الخلافات الجزائرية الفرنسية".

خلاف سياسي بعيدا عن الاقتصاد

وإذا كانت العلاقات الاقتصادية والثقافية تشهد استقرارا ملموسا، فإن أزمة سياسية متصاعدة، خصوصا في الفترة الأخيرة.

وبدأت الأزمة بإعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، شهر يوليو الماضي، اعتراف بلاده بمسار الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب كحل لنزاع بشأن إقليم الصحراء الغربية. 

وأعقب ذلك، سحب الجزائر لسفيرها في باريس، وإلغاء زيارة الرئيس عبد المجيد تبون التي كانت مقررة لفرنسا في خريف العام الماضي.

واعتقلت السلطات الجزائرية الكاتب بوعلام صنصال، منتصف نوفمبر الماضي، بتهمة "المساس بأمن الدولة"، استنادًا إلى المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، التي تُصنّف مثل هذه الأفعال كأعمال إرهابية.

وظل اعتقاله محور التوتر الذي بات يطبع علاقة البلدين، وأمس دعا وزير العدل الفرنسي، جيرالد دارمانان، إلى "إلغاء" اتفاقية عام 2013 التي تتيح للنخبة الجزائرية السفر إلى فرنسا بدون تأشيرة، في وقت تصاعدت حدة الخلافات، عقب دعوة ماكرن الجزائر للإفراج عن صنصال معتبرا أن قضيته "تسيئ للجزائر".

وعليه، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إدريس عطية، أن الخلاف بين البلدين في جوهره "سياسي وليس اقتصادي"، لذلك تم "استبعاد" القضايا الاقتصادية من الجدل الدائر اليوم في العاصمتين.

ويذكر عطية لموقع "الحرة" أن مستوى التأثر الاقتصادي بالخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا يبقى بسيطا، مضيفا أن العلاقات "نوعية وقوية بين البلدين"، لذلك لا يمكن أن تتأثر الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بالخلاف السياسي".

ويعتقد المتحدث أن البيانات الأخيرة للجزائر تحمل في طياتها "خطابا للتهدئة"، مشيرا إلى أنها تؤكد في مجملها على "أهمية الحفاظ على الحقوق التاريخية للجالية الجزائرية بفرنسا، وعدم توظيف الأزمات الداخلية لفرنسا في الشأن الجزائري".