تبون تولى الرئاسة في ديسمبر 2019
تبون تولى الرئاسة في ديسمبر 2019

بين حملة "مانيش راضي" الرافضة للسياسات الحالية وأخرى داعمة بعنوان "أنا مع بلادي"، شهدت الجزائر تطورا غير مسبوق تمثل بعفو رئاسي عن من تصفهم السلطات بالمتورطين في جرائم النظام العام، في خطوة اعتبرها معارضون مجرد محاولة لتهدئة الغضب الشعبي، في حين رأى فيها آخرون بادرة "إيجابية" قد تمهد لحوار وطني شامل.

والمثير في هذه الخطوة التي تأتي بعد أقل من شهر على سقوط نظام الأسد في سوريا، أن السلطات لم تفرج عن أسماء معظم من شملهم العفو البالغ عددهم 2471 شخصا، كما لم يتضح إن كان العفو سيشمل الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، وهو أحد أحدث ضحايا قمع حرية الرأي وفق ما يقول حقوقيون.

وتباينت مواقف الشارع السياسي بشأن أهمية العفو الرئاسي الأخير عن عدد من السجناء، وفي حين رأى البعض أنها تمهد "لإصلاحات سياسية حقيقية"، فإن البعض الآخر اعتبر أن النظام "مهتم بالمحافظة على استمراريته وبقائه"، وأن اعتقال النشطاء "لم يتوقف".

وكانت السلطات الجزائرية شرعت، الخميس في الإفراج عن مئات السجناء ضمن إجراءات العفو التي أعلنت عنها الرئاسة لفائدة 2471 محكوم عليه (بما في ذلك غير المحبوسين)، و"تدابير تهدئة"، وفق البيان الرسمي.

واستفاد 14 محبوسا من المحكوم عليهم في قضايا النظام العام (التظاهر)، بالإضافة لثمانية آخرين محبوسين على ذمة التحقيق وإجراءات المحاكمة، إلا أن أسماء معظمهم لازالت مجهولة لحد الآن، ولم يتضح بعد إن كان صنصال سيستفيد من هذا العفو.

وكانت السلطات أوقفت بوعلام صنصال منتصف نوفمبر في مطار الجزائر العاصمة، وأودع رهن الحبس الموقت بموجب المادة 87 مكرر التي تعاقب "كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية".

واستفاد 2471 محبوسا بإجراءات عفو رئاسي وتدابير تهدئة، إذ تضمن قرار الرئيس الجزائري عفوا كليا للعقوبة بالنسبة للأشخاص غير المحبوسين، المحكوم عليهم نهائيا الذين تقل أو تساوي عقوبتهم 24 شهرا، وعفوا كليا للعقوبة بالنسبة للأشخاص المحبوسين الذين تقل أو تساوي عقوبتهم 18 شهرا.

عفو مفاجئ

وشكل العفو الرئاسي مفاجأة للجزائريين الذين لم يألفوا صدوره في هذا الوقت الذي تزامن ونهاية السنة الميلادية، حيث دأبت الرئاسة على إصدار العفو في المناسبات الوطنية والدينية، خصوصا عيد الاستقلال (5يوليو)، وعشية شهر رمضان أو عيد الفطر.

إلا أن العفو الرئاسي الأخير، يأتي في ظروف دولية وإقليمية أعقبت السقوط غير المتوقع لنظام بشار الأسد في سوريا على يد المعارضة المسلحة، كما يأتي تزامنا ودعوات داخلية من أجل انفتاح أكثر على المشهدين السياسي والإعلامي.

وانتشر في الآونة الأخيرة هشتاغ "مانيش راضي" على منصات التواصل الاجتماعي بالجزائر، قابله هشتاغ آخر لموالين للحكومة بعنوان "أنا مع بلادي".

وأثارت الحملة الأولى حفيظة الرئيس الجزائري الذي قال، يوم الثلاثاء الماضي، خلال لقاء الحكومة بالولاة أنه "لا يمكن افتراس الجزائر من خلال هشتاغ"، مضيفا أن بلاده تختلف كون حكومتها ومسؤوليها "في خدمة الشعب وليس العكس"، مشيرا إلى أن إصلاح بعض القوانين من بينها تشريعات الجماعات المحلية تهدف إلى "بناء ديموقراطية حقيقية وليست ديماغوجية".

بوادر حسن نية

وتعليقا على العفو الجديد يرى المحامي فاروق قسنطيني أنه "يعكس حسن النوايا لدى الحكومة اتجاه كل من له علاقة بقضايا السجناء والمحبوسين"، معتبرا "أنها خطوة جيدة ضمن إجراءات التهدئة، مثلما أشار إليه البيان، والتي يخولها الدستور لرئيس الجمهورية".

ويعتقد قسنطيني في تصريحه لـ"الحرة" أن هذا الإجراء من شأنه أن "يطوي ملف السجناء بشكل تدريجي باعتباره بداية لمساعي الحوار الحقيقي الذي وعد به الرئيس".

ويخلص المتحدث إلى التأكيد على أن هذه النوايا "قد يدعمها فتح نقاش سياسي عميق بين الحكومة والتشكيلات السياسية"، مشيرا إلى أن الخطاب الرئاسي المرتقب أمام البرلمان بغرفتيه قبيل نهاية السنة الجارية "من شأنه أن يحمل المزيد من المؤشرات الإيجابية".

عفو واعتقالات "جديدة"

وكانت الجزائر شهدت في فبراير 2019 حراكا شعبيا دفع بملايين الجزائريين للتظاهر احتجاجا على ترشح الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، لعهدة خامسة، وبعد 20 سنة قضاها في سدة الحكم، اضطر بوتفليقة تحت ضغط الشارع والجيش إلى الاستقالة مطلع أبريل من نفس السنة.

وأدى استمرار المسيرات والمظاهرات في مختلف ولايات الوطن خلال 2019 إلى اعتقال عشرات النشطاء، ولازالت منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن أزيد من 200 ناشط تقول أنهم في السجون، إلا أن الرئيس الجزائري نفى خلال لقاءات صحفية وجود معتقلي "رأي"، مؤكدا أن الأمر يتعلق بمحبوسين في قضايا النظام والحق العام.

أما الناشط الجزائري المقيم في كندا والمتابع لملف المعتقلين، زكريا حناش، فيؤكد أن إجراءات التهدئة المعلن عنها هذا الأسبوع، رافقها "تجدد اعتقال نشطاء آخرين في بعض الولايات"، مضيفا أنه في الوقت الذي وثق فيه الإفراج عن 3 معتقلين، وصلته أنباء عن "حبس 8 نشطاء، ووضع 3آخرين تحت نظام الرقابة القضائية".

ويتساءل حناش في حديثه لـ"الحرة" عن طبيعة التهدئة التي تتحدث عنها الحكومة، بينما تقوم باعتقال نشطاء آخرين؟"، معتبرا أن التهدئة "للتسويق الإعلامي فقط".

ويتابع المتحدث قائلا أنه ومنذ يناير 2020، تاريخ أول عفو رئاسي صدر بعد انتخاب عبد المجيد تبون في 12 ديسمبر 2019، "وثق نحو عشرة إعفاءات رئاسية تم الإفراج خلالها عن معتقلين"، مشيرا أن ذلك "يتزامن دوما مع حملات ايداع وتوقيف نشطاء آخرين، مما أبقى على نفس العدد من المعتقلين لحد الآن الذي يتراوح ما بين 200 و280 معتقلا".

ويعتقد المتحدث أن الحكومة لها "مخاوف جمة من الشارع الجزائري منذ تجربة الحراك الشعبي، خصوصا من حملات منصات التواصل الاجتماعي، التي تعمل على محاربتها وقمعها بواسطة حملات مضادة". 

تشهد دول منطقة الساحل هجمات متزايدة للجماعات الإرهابية
تشهد دول منطقة الساحل هجمات متزايدة للجماعات الإرهابية

تجدد الحديث عن خطر الجماعات الإرهابية المسلحة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى إلى الواجهة، عقب إعلان الجيش الجزائري عن تحرير سائح إسباني من قبضة جماعة مسلحة، كما جاء ذلك بعد فترة من انسحاب القوات الأميركية من قاعدة رئيسية للطائرات المسيرة قرب مدينة أغاديز الصحراوية، بطلب من حكومة النيجر، مقابل ظهور مرتزقة فاغنر الروسية التي تحاول التمدد في الساحل الأفريقي بتقديم خدماتها لحكومات من دول المنطقة.

وتمكنت المصالح الأمنية للجيش الجزائري، الثلاثاء، من تحرير الرعية الإسباني، نفارو كندا جواكيم، الذي تم اختطافه من قبل مجموعة مسلحة في منطقة الساحل منتصف الشهر الجاري.

وحسب بيان لوزارة الدفاع الجزائرية فإن الرعية الإسباني كان في رحلة سياحية حين تعرض للاختطاف من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد بتاريخ 14 يناير الجاري على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة.

ونقل السائح الإسباني على متن طائرة عسكرية من جنوب البلاد إلى القاعدة العسكرية لبوفاريك (شمال) قبل تسليمه لسطات بلاده.

كما شهدت المنطقة الجنوبية للجزائر، مقتل سائحة سويسرية، في 11أكتوبر 2024، بمدينة جانت، عندما هاجمها رجل بسكين خلال وجودها في أحد المقاهي وأقدم على ذبحها أمام أطفالها، وهو يصرخ "الله أكبر"، وفق ما أوردته وكالة فرانس براس.

وتشهد منطقة الساحل توترات أمنية على خلفية عدم الاستقرار الذي أعقب سلسلة من الانقلابات العسكرية، ومقابل انسحاب القوات الفرنسية والأميركية من المنطقة، ظهرت مجموعة فاغنر الروسية في المشهد الأمني لدعم وترسيخ حكم العسكريين في مالي والنيجر وبوركينافاسو.

ويُقصد بالساحل الأفريقي "الحزام الفاصل بين الصحراء والمناطق الجنوبية الخصبة والكثيفة بغابات السافانا، ويُغَطِّي أجزاءً من شمال السنغال، وجنوب موريتانيا، ووسط مالي، وشمال بوركينا فاسو، وأقصى جنوب الجزائر، والنيجر، وأقصى شمال نيجيريا، وأقصى شمال الكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ووسط تشاد ووسط وجنوب السودان وأقصى شمال جنوب السودان وإريتريا وأقصى شمال إثيوبيا، وفق تعريف للمركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات.

وساهم قيام مجموعة فاغنر بقيادة المواجهات بين الجيش المالي وجماعات الطوارق المتمردة على باماكو في موجة من التصعيد الأمني والعسكري بمنطقة "تين زواتين" على الحدود الجزائرية المالية، وتكبدت فاغنر في يوليو 2024 خسائر بشرية ومادية كبيرة أثناء تلك المعارك المسلحة، قبل أن تعاود قوات مالية الهجوم على الطوارق في أغسطس 2024 وتكبدهم خسائر بشرية.

جماعات متشددة "تدير أقاليم في أفريقيا"

ومع تزايد المواجهات تستغل الجماعات الإرهابية والمسلحة الناشطة في تهريب السلاح والبشر والمخدرات حالة التصعيد لتوسيع نطاق تواجدها، ويرى وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أن "بؤرة الإرهاب العالمي انتقلت إلى منطقة الساحل الصحراوي، التي أصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم".

وأثناء جلسة لمجلس الأمن الدولي الأسبوع الجاري، ترأستها الجزائر، ذكر عطاف أن أفريقيا قد "تعرضت خلال الأشهر التسعة الأولى فقط من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص".

وتحدث عطاف عن "جماعات إرهابية تسيطر على مناطق جغرافية شاسعة، تصل إلى أكثر من 60 بالمئة من الأقاليم الوطنية لبعض دول المنطقة وتشرف على إدارتها كسلطات أمر واقع"، مضيفا أن "جماعات إرهابية تستخدم التكنولوجيات الجديدة والابتكارات المالية التي تجعل من شبكات أعمالها معقدة وصعبة الترصد".

وتعليقا على الواقع الجديد الذي تسعى هذه الجماعات لتكريسه، يرى الكاتب والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، عبد القادر حريشان، أن منطقة الساحل تمر "بتحولات عميقة وخطيرة في آن واحد، بسبب التغييرات التي طرأت على بعض أنظمتها بشكل عنيف".

ويشير حريشان في حديثه لـ "الحرة" إلى أن التحولات التي مست أنظمة في العديد من دول الجوار، بما في ذلك التي أعقبت الربيع العربي، "زادت من هشاشة الأوضاع الأمنية، وعززت من تواجد الجماعات المتشددة" التي تنشط بشكل لافت في جنوب الصحراء الكبرى والساحل.

واستدعى ذلك وفق المتحدث "تعزيز" الجزائر لتواجدها الأمني على طول الحدود الجنوبية والشرقية بصفة خاصة، و"تكثيف" التعاون الأمني مع عدة شركاء، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، "بغرض تشديد الخناق على تلك الجماعات".

ووقعت الجزائر، الأربعاء الماضي، مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة بين نائب وزير الدفاع الجزائري، السعيد شنقريحة، وقائد القيادة الأميركية في أفريقيا، مايكل لانغلي "تركز على التعاون العسكري"، الذي قال في تصريح له إنه وقع رفقة شنقريحة على مذكرة تفاهم "تؤسس لجميع الأهداف الأمنية التي تجمع البلدين".

"انسحاب" القوات الدولية

ومن العاصمة المالية باماكو يؤكد الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد ويس المهري، أن الوضع في منطقة الساحل يشهد "تفاقما كبير من الناحية الأمنية وتمدد الجماعات الجهادية المتمثلة في تنظيم القاعدة وداعش"، في ظل تطورات داخلية وخارجية كبيرة في المنطقة.

ويرجع محمد ويس المهري هذه التطورات إلى "انسحاب القوات الدولية في مقدمتها الأميركية التي كانت تستهدف نشاط هذه الجماعات انطلاقا من قاعدتها في النيجر"، مضيفا في حديثه لـ "الحرة" أن الاختطاف والمطالبة بالفدية أصبحت "تجارة رائجة" لدى هذه الجماعات لتمويل عملياتها العسكرية.

ويجدد المتحدث تأكيداته على أن انسحاب القوات الأميركية التي كانت تستخدم الطائرات بدون طيار لمطاردة تلك الجماعات "أثر بشكل مباشر على الوضع الأمني في المنطقة، وفسح المجال لجماعات مسلحة للتحرك بحرية"، مشيرا إلى أنه من الضروري "تركيز الجهود مرة أخرى على مكافحة تمدد المتشددين في بلدان الساحل والصحراء الكبرى".