بين حملة "مانيش راضي" الرافضة للسياسات الحالية وأخرى داعمة بعنوان "أنا مع بلادي"، شهدت الجزائر تطورا غير مسبوق تمثل بعفو رئاسي عن من تصفهم السلطات بالمتورطين في جرائم النظام العام، في خطوة اعتبرها معارضون مجرد محاولة لتهدئة الغضب الشعبي، في حين رأى فيها آخرون بادرة "إيجابية" قد تمهد لحوار وطني شامل.
والمثير في هذه الخطوة التي تأتي بعد أقل من شهر على سقوط نظام الأسد في سوريا، أن السلطات لم تفرج عن أسماء معظم من شملهم العفو البالغ عددهم 2471 شخصا، كما لم يتضح إن كان العفو سيشمل الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، وهو أحد أحدث ضحايا قمع حرية الرأي وفق ما يقول حقوقيون.
وتباينت مواقف الشارع السياسي بشأن أهمية العفو الرئاسي الأخير عن عدد من السجناء، وفي حين رأى البعض أنها تمهد "لإصلاحات سياسية حقيقية"، فإن البعض الآخر اعتبر أن النظام "مهتم بالمحافظة على استمراريته وبقائه"، وأن اعتقال النشطاء "لم يتوقف".
وكانت السلطات الجزائرية شرعت، الخميس في الإفراج عن مئات السجناء ضمن إجراءات العفو التي أعلنت عنها الرئاسة لفائدة 2471 محكوم عليه (بما في ذلك غير المحبوسين)، و"تدابير تهدئة"، وفق البيان الرسمي.
واستفاد 14 محبوسا من المحكوم عليهم في قضايا النظام العام (التظاهر)، بالإضافة لثمانية آخرين محبوسين على ذمة التحقيق وإجراءات المحاكمة، إلا أن أسماء معظمهم لازالت مجهولة لحد الآن، ولم يتضح بعد إن كان صنصال سيستفيد من هذا العفو.
وكانت السلطات أوقفت بوعلام صنصال منتصف نوفمبر في مطار الجزائر العاصمة، وأودع رهن الحبس الموقت بموجب المادة 87 مكرر التي تعاقب "كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية".
واستفاد 2471 محبوسا بإجراءات عفو رئاسي وتدابير تهدئة، إذ تضمن قرار الرئيس الجزائري عفوا كليا للعقوبة بالنسبة للأشخاص غير المحبوسين، المحكوم عليهم نهائيا الذين تقل أو تساوي عقوبتهم 24 شهرا، وعفوا كليا للعقوبة بالنسبة للأشخاص المحبوسين الذين تقل أو تساوي عقوبتهم 18 شهرا.
عفو مفاجئ
وشكل العفو الرئاسي مفاجأة للجزائريين الذين لم يألفوا صدوره في هذا الوقت الذي تزامن ونهاية السنة الميلادية، حيث دأبت الرئاسة على إصدار العفو في المناسبات الوطنية والدينية، خصوصا عيد الاستقلال (5يوليو)، وعشية شهر رمضان أو عيد الفطر.
إلا أن العفو الرئاسي الأخير، يأتي في ظروف دولية وإقليمية أعقبت السقوط غير المتوقع لنظام بشار الأسد في سوريا على يد المعارضة المسلحة، كما يأتي تزامنا ودعوات داخلية من أجل انفتاح أكثر على المشهدين السياسي والإعلامي.
وانتشر في الآونة الأخيرة هشتاغ "مانيش راضي" على منصات التواصل الاجتماعي بالجزائر، قابله هشتاغ آخر لموالين للحكومة بعنوان "أنا مع بلادي".
وأثارت الحملة الأولى حفيظة الرئيس الجزائري الذي قال، يوم الثلاثاء الماضي، خلال لقاء الحكومة بالولاة أنه "لا يمكن افتراس الجزائر من خلال هشتاغ"، مضيفا أن بلاده تختلف كون حكومتها ومسؤوليها "في خدمة الشعب وليس العكس"، مشيرا إلى أن إصلاح بعض القوانين من بينها تشريعات الجماعات المحلية تهدف إلى "بناء ديموقراطية حقيقية وليست ديماغوجية".
بوادر حسن نية
وتعليقا على العفو الجديد يرى المحامي فاروق قسنطيني أنه "يعكس حسن النوايا لدى الحكومة اتجاه كل من له علاقة بقضايا السجناء والمحبوسين"، معتبرا "أنها خطوة جيدة ضمن إجراءات التهدئة، مثلما أشار إليه البيان، والتي يخولها الدستور لرئيس الجمهورية".
ويعتقد قسنطيني في تصريحه لـ"الحرة" أن هذا الإجراء من شأنه أن "يطوي ملف السجناء بشكل تدريجي باعتباره بداية لمساعي الحوار الحقيقي الذي وعد به الرئيس".
ويخلص المتحدث إلى التأكيد على أن هذه النوايا "قد يدعمها فتح نقاش سياسي عميق بين الحكومة والتشكيلات السياسية"، مشيرا إلى أن الخطاب الرئاسي المرتقب أمام البرلمان بغرفتيه قبيل نهاية السنة الجارية "من شأنه أن يحمل المزيد من المؤشرات الإيجابية".
عفو واعتقالات "جديدة"
وكانت الجزائر شهدت في فبراير 2019 حراكا شعبيا دفع بملايين الجزائريين للتظاهر احتجاجا على ترشح الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، لعهدة خامسة، وبعد 20 سنة قضاها في سدة الحكم، اضطر بوتفليقة تحت ضغط الشارع والجيش إلى الاستقالة مطلع أبريل من نفس السنة.
وأدى استمرار المسيرات والمظاهرات في مختلف ولايات الوطن خلال 2019 إلى اعتقال عشرات النشطاء، ولازالت منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن أزيد من 200 ناشط تقول أنهم في السجون، إلا أن الرئيس الجزائري نفى خلال لقاءات صحفية وجود معتقلي "رأي"، مؤكدا أن الأمر يتعلق بمحبوسين في قضايا النظام والحق العام.
أما الناشط الجزائري المقيم في كندا والمتابع لملف المعتقلين، زكريا حناش، فيؤكد أن إجراءات التهدئة المعلن عنها هذا الأسبوع، رافقها "تجدد اعتقال نشطاء آخرين في بعض الولايات"، مضيفا أنه في الوقت الذي وثق فيه الإفراج عن 3 معتقلين، وصلته أنباء عن "حبس 8 نشطاء، ووضع 3آخرين تحت نظام الرقابة القضائية".
ويتساءل حناش في حديثه لـ"الحرة" عن طبيعة التهدئة التي تتحدث عنها الحكومة، بينما تقوم باعتقال نشطاء آخرين؟"، معتبرا أن التهدئة "للتسويق الإعلامي فقط".
ويتابع المتحدث قائلا أنه ومنذ يناير 2020، تاريخ أول عفو رئاسي صدر بعد انتخاب عبد المجيد تبون في 12 ديسمبر 2019، "وثق نحو عشرة إعفاءات رئاسية تم الإفراج خلالها عن معتقلين"، مشيرا أن ذلك "يتزامن دوما مع حملات ايداع وتوقيف نشطاء آخرين، مما أبقى على نفس العدد من المعتقلين لحد الآن الذي يتراوح ما بين 200 و280 معتقلا".
ويعتقد المتحدث أن الحكومة لها "مخاوف جمة من الشارع الجزائري منذ تجربة الحراك الشعبي، خصوصا من حملات منصات التواصل الاجتماعي، التي تعمل على محاربتها وقمعها بواسطة حملات مضادة".