صنصال معتقل في الجزائر منذ منتصف نوفمبر الماضي
صنصال معتقل في الجزائر منذ منتصف نوفمبر الماضي

حث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين الحكومة الجزائرية بالإفراج عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال المعتقل منذ منتصف نوفمبر الماضي.

وقال ماكرون، ضمن خطاب أدلى به أمام سفراء فرنسا في الخارج في قصر الإليزيه "الجزائر التي نحب والتي نشترك معها الكثير من الأبناء والقصص دخلت في مسار تاريخي لا يشرفها بمنع رجل مريض جدا من العلاج، وهذا يسيء لسمعتها".

وأضاف "نحن الذين نحب الشعب الجزائري وتاريخه أطلب بشدة من حكومته الإفراج عن بوعلام صنصال".

وفي منتصف نوفمبر، اعتُقل الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال (75 عاما) في مطار هواري بومدين بالجزائر العاصمة عند وصوله من فرنسا.

ولم يُكشف عن خبر اعتقال صنصال إلا بعد أيام، ليُعلن عن متابعته بتهمة "المساس بأمن الدولة"، استنادًا إلى المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، التي تُصنّف مثل هذه الأفعال كأعمال إرهابية.

ولم تصدر عن السلطات الجزائرية بيانًا رسميًا يوضح أسباب الاعتقال، لكن وكالة الأنباء الجزائرية وصفت صنصال بأنه "مثقف زائف تمجده الأوساط اليمينية المتطرفة في فرنسا"، واعتبرت دعوات الإفراج عنه صادرة من "الدوائر المناهضة للجزائر".

وتحدث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الأحد الماضي، عن قضية توقيف الكاتب بالجزائر للمرة الأولى، واصفا إياه بـ"المحتال" و"المبعوث من فرنسا".

بينما أعربت الحكومة الفرنسية عن قلقها إزاء اعتقال صنصال، إذ انتقد وزير الخارجية الفرنسي الأحد جان نويل بارو الإجراء، قائلا إنه "يثير شكوكا حول جدية الجزائر في إحياء علاقاتها مع باريس".

ولا يزال صنصال رهن الاحتجاز، ولم تُعلن السلطات الجزائرية عن موعد لمحاكمته أو تفاصيل إضافية حول قضيته.

رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق - فرانس برس

طفت لغة التهدئة على العلاقات الجزائرية الفرنسية هذا الأسبوع، عقب أكثر من 6 أشهر من التصعيد السياسي والدبلوماسي والإعلامي، تخللتها تصريحات مكثفة وقرارات غير مسبوقة استهدفت تنقل الأفراد، كما شملت محاولات لترحيل جزائريين مقيمين بفرنسا.

وصرح الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في لقاء له السبت الماضي مع وسائل إعلام محلية، أن نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون هو "المرجعية" في العلاقات مع بلاده.

ووصف تبون الخلاف بين البلدين بـ"المفتعل بالكامل"، مشيرا إلى أن ما يحدث "فوضى" و"جلبة"، معتبرا أن الرئيس ماكرون هو "المرجع الوحيد ونحن نعمل سويا".

وأحال الرئيس الجزائري ملف الأزمة القائمة بين بلاده وفرنسا على وزير الخارجية، أحمد عطاف قائلا:" فيما يخصني، فإن ملف الخلاف المفتعل بين أياد أمينة، بين يدي شخص كفء جدا يحظى بكامل ثقتي، ألا وهو وزير الشؤون الخارجية، السيد أحمد عطاف".

وخلفت التصريحات الجديدة ارتياحا لدى الأوساط الفرنسية الرسمية، ترجمته المتحدثة باسم الحكومة، صوفي بريماس، التي أعربت، في تعليق لها على ما قاله الرئيس الجزائري، أمس الأحد، عن أملها في استئناف العلاقات "الطبيعية" مع الجزائر.

وهي المرة الأولى التي تشهد مرونة في لغة التخاطب منذ يوليو 2024 تاريخ إعلان إيمانويل ماكرون دعم بلاده لمقترح المغرب الخاص بالحكم الذاتي للصحراء الغربية.

جذور الخلاف "لا زالت قائمة"

لكن الباحث في علم الاجتماع السياسي بالجزائر، أحمد رواجعية، يرى أن هذه الإشارات "المرنة" المتبادلة بين البلدين "مرحلية ولا تعبر عن حقيقة ما يحكم العلاقات بين الجزائر وفرنسا لحد الآن"، معتبرا أن "جذور الخلاف بين البلدين لا زالت قائمة".

وفي حديثه لـ"الحرة" أوضح أحمد رواجعية أن التصريحات المتداولة خلال الأيام القليلة الماضية حتى وإن عكست الجنوح نحو التهدئة، فإن الملفات الأساسية التي تشكل جوهر الخلافات التاريخية بين البلدين "ستظل حجر عثرة أمام أي محاولة للتطبيع مع باريس".

وتشكل قضايا "الذاكرة" بكافة فروعها ذات الصلة بجرائم الفترة الاستعمارية والتجارب النووية وضحاياها والألغام وتجريم الاستعمار وتنقل الأشخاص والهجرة، "أبرز جذور الخلاف الجزائري الفرنسي" وفق المتحدث الذي دعا إلى "مصارحة ومكاشفة تنهي عقودا من التوتر".

من صنصال إلى الهجرة

وشهدت العلاقات بين البلدين تصعيدا غير مسبوق اشتد مع اعتقال السلطات الجزائرية للكاتب بوعلام صنصال، منتصف نوفمبر الماضي، ووجهت له تهم "الإرهاب، والمس بالوحدة الوطنية".

وكان صنصال صرح في أكتوبر الماضي لقناة فرنسية أن أجزاء من الغرب الجزائري تعود تاريخيا للمغرب، وهاجمت الحكومة الجزائرية صنصال، بينما وصفه الرئيس عبد المجيد تبون بـ "المحتال".

وانتقل الخلاف من قضية صنصال إلى الميدان السياسي والدبلوماسي، إذ رفضت الجزائر استقبال مهاجرين مرحلين من باريس، بينما دعا وزراء من الحكومة الفرنسية إلى مراجعة اتفاقية الهجرة الموقعة عام 1968، التي تمنح امتيازات وأفضلية للمهاجرين الجزائريين، إلا أن لغة التهدئة سرعان ما عادت إلى واجهة الخطاب السياسي بين الحكومتين.

"هدوء" العاصفة..

وفي تعليقه على هذه التطورات يشير المحلل السياسي، عبد الرحمان بن شريط إلى أن العديد من المؤشرات توحي بتراجع وتيرة وحدة الخلاف بين البلدين"، مضيفا أن الجزائر "لم تمارس منذ البداية أي تصعيد"، محملا المسؤولية للجانب الفرنسي الذي مارس "استفزازات سياسية بالمنطقة".

وبشأن أسباب التحول في الخطاب بين البلدين، يرى بن شريط في تصريحه لـ"الحرة" أن فرنسا "تراجعت" خلال الفترة الأخيرة عن مسار التصعيد لأنها "شعرت بأنها تسلك مسارا من شأنه أن تفقد فيه الجزائر كشريك، وأن مصالحها أصبحت مهددة".

ووفق المتحدث فإن باريس "لا تريد تكرار الهزائم التي منيت بها في أفريقيا"، بعد فقدانها نفوذها هناك، مضيفا أن فرنسا أدركت "عمق التحول الذي طرأ علي المؤسسات الرسمية في الجزائر، من حيث الحرص على حماية السيادة واتخاذ القرار بدون وصاية"، متوقعا أن "تهدأ العاصفة" بين البلدين خلال المرحلة المقبلة.