من احتفالات أمازيغ الجزائر برأس السنة الأمازيغة 2018
من احتفالات أمازيغ الجزائر برأس السنة الأمازيغة 2018

من جبال جرجرة "القبائلية" شرق الجزائر، مروراً بأوراس "الشاوية"، إلى هقار "الطوارق" جنوباً، ينبض إرث الأمازيغ الثقافي والحضاري العريق بروح التحدي التي تسكن رجاله المحاربين المنحدرين من شمال أفريقيا منذ آلاف السنين.

نقش الأمازيغ (الاسم الذي يعني الأحرار) هويتهم بحروف تيفيناغ (اللغة الأمازيغية) على صخور الجبال، حفاظاً على لغتهم وثقافتهم رغم ثقل التاريخ والتحديات، والحروب التي خاضوها ضد الطامعين والغزاة.

وقصة الأمازيغ ليست مجرد صفحات من التاريخ، بل هي نبض الحياة الذي يتجلى في أغانيهم ورقصاتهم وأزيائهم التقليدية.

وبالتقويم الأمازيغي، نحن في سنة 2975، العام الجديد الذي يحتفل به الأمازيغ في الثاني عشر من يناير الجاري. وهي دعوة مفتوحة لاستكشاف عالمهم المليء بالسحر والتحدي والكبرياء.

القبائل.. أيقونة أمازيغية

لم تكن منطقة القبائل مجرد جبال شاهقة، بل مدارس حقيقية صقلت شخصيات الأمازيغ على مر العصور. ففي صراعهم الدائم مع الطبيعة والغزاة، تعلموا الصبر والقوة والشجاعة.

من الماضي إلى الحاضر، ظلت منطقة القبائل (شرق الجزائر) في قلب الأحداث. فهي تمتد عبر عدة ولايات، أبرزها تيزي وزو، سطيف، بجاية، البويرة، بومرداس، وبرج بوعريريج، والتي تُعرف اختصاراً بمنطقة القبائل.

يشكل القبائل جزءاً هاماً من النسيج الاجتماعي والثقافي في الجزائر. وبمرور الزمن، تحولت المنطقة إلى أيقونة بارزة. ويفسر المؤرخ المتخصص في الشأن الأمازيغي، محمد أرزقي فراد، ذلك في حديثه لموقع "الحرة" بـ"الوعي التاريخي والثقافي والسياسي السائد منذ القدم في المنطقة".

ويقول أرزقي فراد إن المنطقة "كانت جزءاً من المقاومة الأمازيغية للأطماع الرومانية التي قادها يوغرطة الماسيلي ما بين 112 و105 قبل الميلاد، وتواصلت بالتصدي لكل الغزاة".

يُعتبر التراث القبائلي، بما يشمله من عادات وتقاليد وأزياء وأغاني وشعر، الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الهوية. فهو الذاكرة الجماعية التي تروي القصص، إلا أن "تمازيغت" (اللغة الأمازيغية) تعد أهم مكوناته. ولهذا السبب، ظلت محور نضالهم إلى أن تم الاعتراف بها كعنصر أساسي للهوية في الدستور الجزائري ابتداءً من عام 2002.

رسخت أسماء كثيرة في تاريخ القبائل الحديث، بدءاً من لالة فاطمة نسومر، القائدة الأمازيغية التي حاربت الاستعمار الفرنسي، مروراً بالشيخ المقراني، وبوبغلة، والشيخ الحداد. وبين ثنايا جبال المنطقة ترقد روح المطرب معطوب الوناس (1958-1998)، الذي قاد النضال من أجل الهوية منذ الثمانينيات إلى أن سكنت قلبه رصاصة غادرة. رحل معطوب، إلا أن إرثه ظل خالداً، حيث يذكّر صوته الجميع بثمن الحرية.

أوراس الشاوية.. مهد الثورة

قمة جبلية أخرى شامخة ترسم خريطة الأمازيغ، وهذه المرة بين جبال أوراس الشاوية في أقصى الشرق الجزائري، الذين اقترن اسمهم بالشجاعة ومحاربة الغزاة، من الرومان إلى الفرنسيين.

وإضافةً إلى ولاية باتنة، يتواجد الشاوية بشكل أساسي في مناطق أخرى، وهي: تبسة، سوق أهراس، قالمة، خنشلة، أم البواقي، وبسكرة.

وتشكل قبيلة "هوارة"، التي تضم عشائر كثيرة أبرزها النمامشة، الحراكتة، وآث داود، أحد مكونات الشاوية، إلى جانب قبائل أخرى مثل "الزناتة"، وآيت سعادة، وآيت عبدي.

يشكل الشاوية عنصرا هاما من مكونات الهوية في الجزائر، وظل اسمهم مرادفا للشجاعة والإقدام، ونتيجة لذلك ورثوا تقاليد وتعابير اجتماعية حيث السيف والبندقية جزء لا يتجزأ من مظاهر احتفالاتهم بالأعياد والمناسبات الاجتماعية.

تحمل المرأة الشاوية رمزية خاصة في الموروث الشعبي وهي ترتدي "الملحفة" أو "هيملحفت" بالشاوية، وهي قطع قماش ذات فخامة تتضمن عناصر عديدة من الموروث الثقافي بما في ذلك حلي الفضة.

تدرس المقررات التعليمية أن الثورة الجزائرية أطلقت أول رصاصة لها يوم 1 نوفمبر 1954 من جبال الأوراس، وحفل تاريخها بأسماء عكست تعلق الشاوية بالوطن والحرية، أمثال مصطفى بن بولعيد، وقادة ورؤساء بعد الاستقلال (هواري بومدين و ليامين زروال).

الطوارق.. الفرسان الزرق

يعرفون باسم رجال الصحراء الزرق، أولئك الذين يمتطون الجمال والخيول ويحفظون طرق الصحارى عن ظهر قلب.

استمد الطوارق تسميتهم من لباسهم التقليدي، خصوصا العمامة الزرقاء التي يغطون بها رؤوسهم ويخفون وراءها وجوههم، بسبب لهيب شمس الصحراء الحارقة، ويعيشون بشكل رئيسي جنوب الجزائر والصحراء الكبرى.

يمتد تواجد الطوارق إلي دول مجاورة مثل مالي والنيجر وجنوب غرب ليبيا، إلا أنهم في الجزائر تمسكوا باستقرارهم النسبي في أرض قبائلهم التي دافعوا عنها بقوة خلال عقود الاستعمار الفرنسي.

اكتشف الباحثون العديد من النقوش الصخرية في مناطق تواجد الطوارق بالجزائر، التي تصور حياة الناس والحيوانات في تلك الفترة التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ.

يفضل الطوارق تسميتهم بـ (إيموهاغ)، وهي تعني بالعربية " الرجال الشرفاء الأحرار"، وفق ما نشره معهد كارنيغي الأميركي حول "قبائل الطوارق"، و"يتحدث الطوارق اللغة الطارقية، وهي خاصة بهم، لها عدة لهجات مثل التماشق والتماجق والتماهق، يتباين استخدامها من قبيلة إلى أخرى".

يحظى الطوارق في الجزائر باهتمام كبير، نظرا لتاريخهم البارز في الحرب ضد الفرنسين، وأبرزهم الشيخ آمود أغ المختار (1859/ 1928) الذي قاوم "الاحتلال الفرنسي" بشدة، وحاليا يعتبر كبير أعيان الطوارق وعضو مجلس الأمة، بكري غومة بن براهيم، أحد أبرز قادتهم.

سحر الحياة في بني مزاب

يعرفون بالانضباط كما يتميزون بزيهم الأبيض الموحد، ومذهبهم الديني الإباضي السائد بينهم، والمختلف عن المذهب المالكي الغالب في الجزائر.

والمذهب الإباضي هو "أحـد المدارس الإسلامية التي وضع أسسها وشكّل ملامحها الإمام جابر بن زيد، ويقوم على عقيدة المسلمين ولا علاقة له بالجـنس والعـرق والدّم".

تتمركز قبائل المزاب في واحات وادي مزاب في جنوب الجزائر (ولاية غرداية) التي تشتهر بهندستها المعمارية المميزة، وهم أحد "أفرع قبيلة زناتة الأمازيغية التي استوطنت المغرب الأوسط (الجزائر)"، وفق ما يذكر موقع "آت مزاب" المتخصص في تاريخ أمازيغ بني ميزاب.

لا وجود لمظاهر فردية في الحياة بين بني مزاب، فهم قبائل تتميز بالتكافل والاحتفال بالأعراس الجماعية وإحياء المناسبات الاجتماعية والدينية في إطار جماعي بمظاهر تعكس سحرا حقيقيا نادرا ما يوجد في الجزائر، إذ يحتكمون لنظام تسيير خاص بهم وفق عاداتهم وتقاليدهم.

ويعتبر "العرف" في منطقة بني مزاب قانونا نافذا يحتكم إليه الجميع، في اتخاذ القرار عن طريق كبار وأعيان العشائر الذين يجتمعون تحت اسم "العوام" الذين ينسقون شؤون المجتمع الميزابي مع مجلس "العزّابة" وهم رجال الدين.

ويلفت بني مزاب انتباه الرأي العام المحلي وحتى الخارجي بمظاهرهم الاحتفالية المميزة الساحرة التي يسودها الانضباط التام والحضور القوي.

تشهد دول منطقة الساحل هجمات متزايدة للجماعات الإرهابية
تشهد دول منطقة الساحل هجمات متزايدة للجماعات الإرهابية

تجدد الحديث عن خطر الجماعات الإرهابية المسلحة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى إلى الواجهة، عقب إعلان الجيش الجزائري عن تحرير سائح إسباني من قبضة جماعة مسلحة، كما جاء ذلك بعد فترة من انسحاب القوات الأميركية من قاعدة رئيسية للطائرات المسيرة قرب مدينة أغاديز الصحراوية، بطلب من حكومة النيجر، مقابل ظهور مرتزقة فاغنر الروسية التي تحاول التمدد في الساحل الأفريقي بتقديم خدماتها لحكومات من دول المنطقة.

وتمكنت المصالح الأمنية للجيش الجزائري، الثلاثاء، من تحرير الرعية الإسباني، نفارو كندا جواكيم، الذي تم اختطافه من قبل مجموعة مسلحة في منطقة الساحل منتصف الشهر الجاري.

وحسب بيان لوزارة الدفاع الجزائرية فإن الرعية الإسباني كان في رحلة سياحية حين تعرض للاختطاف من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد بتاريخ 14 يناير الجاري على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة.

ونقل السائح الإسباني على متن طائرة عسكرية من جنوب البلاد إلى القاعدة العسكرية لبوفاريك (شمال) قبل تسليمه لسطات بلاده.

كما شهدت المنطقة الجنوبية للجزائر، مقتل سائحة سويسرية، في 11أكتوبر 2024، بمدينة جانت، عندما هاجمها رجل بسكين خلال وجودها في أحد المقاهي وأقدم على ذبحها أمام أطفالها، وهو يصرخ "الله أكبر"، وفق ما أوردته وكالة فرانس براس.

وتشهد منطقة الساحل توترات أمنية على خلفية عدم الاستقرار الذي أعقب سلسلة من الانقلابات العسكرية، ومقابل انسحاب القوات الفرنسية والأميركية من المنطقة، ظهرت مجموعة فاغنر الروسية في المشهد الأمني لدعم وترسيخ حكم العسكريين في مالي والنيجر وبوركينافاسو.

ويُقصد بالساحل الأفريقي "الحزام الفاصل بين الصحراء والمناطق الجنوبية الخصبة والكثيفة بغابات السافانا، ويُغَطِّي أجزاءً من شمال السنغال، وجنوب موريتانيا، ووسط مالي، وشمال بوركينا فاسو، وأقصى جنوب الجزائر، والنيجر، وأقصى شمال نيجيريا، وأقصى شمال الكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ووسط تشاد ووسط وجنوب السودان وأقصى شمال جنوب السودان وإريتريا وأقصى شمال إثيوبيا، وفق تعريف للمركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات.

وساهم قيام مجموعة فاغنر بقيادة المواجهات بين الجيش المالي وجماعات الطوارق المتمردة على باماكو في موجة من التصعيد الأمني والعسكري بمنطقة "تين زواتين" على الحدود الجزائرية المالية، وتكبدت فاغنر في يوليو 2024 خسائر بشرية ومادية كبيرة أثناء تلك المعارك المسلحة، قبل أن تعاود قوات مالية الهجوم على الطوارق في أغسطس 2024 وتكبدهم خسائر بشرية.

جماعات متشددة "تدير أقاليم في أفريقيا"

ومع تزايد المواجهات تستغل الجماعات الإرهابية والمسلحة الناشطة في تهريب السلاح والبشر والمخدرات حالة التصعيد لتوسيع نطاق تواجدها، ويرى وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أن "بؤرة الإرهاب العالمي انتقلت إلى منطقة الساحل الصحراوي، التي أصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم".

وأثناء جلسة لمجلس الأمن الدولي الأسبوع الجاري، ترأستها الجزائر، ذكر عطاف أن أفريقيا قد "تعرضت خلال الأشهر التسعة الأولى فقط من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص".

وتحدث عطاف عن "جماعات إرهابية تسيطر على مناطق جغرافية شاسعة، تصل إلى أكثر من 60 بالمئة من الأقاليم الوطنية لبعض دول المنطقة وتشرف على إدارتها كسلطات أمر واقع"، مضيفا أن "جماعات إرهابية تستخدم التكنولوجيات الجديدة والابتكارات المالية التي تجعل من شبكات أعمالها معقدة وصعبة الترصد".

وتعليقا على الواقع الجديد الذي تسعى هذه الجماعات لتكريسه، يرى الكاتب والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، عبد القادر حريشان، أن منطقة الساحل تمر "بتحولات عميقة وخطيرة في آن واحد، بسبب التغييرات التي طرأت على بعض أنظمتها بشكل عنيف".

ويشير حريشان في حديثه لـ "الحرة" إلى أن التحولات التي مست أنظمة في العديد من دول الجوار، بما في ذلك التي أعقبت الربيع العربي، "زادت من هشاشة الأوضاع الأمنية، وعززت من تواجد الجماعات المتشددة" التي تنشط بشكل لافت في جنوب الصحراء الكبرى والساحل.

واستدعى ذلك وفق المتحدث "تعزيز" الجزائر لتواجدها الأمني على طول الحدود الجنوبية والشرقية بصفة خاصة، و"تكثيف" التعاون الأمني مع عدة شركاء، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، "بغرض تشديد الخناق على تلك الجماعات".

ووقعت الجزائر، الأربعاء الماضي، مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة بين نائب وزير الدفاع الجزائري، السعيد شنقريحة، وقائد القيادة الأميركية في أفريقيا، مايكل لانغلي "تركز على التعاون العسكري"، الذي قال في تصريح له إنه وقع رفقة شنقريحة على مذكرة تفاهم "تؤسس لجميع الأهداف الأمنية التي تجمع البلدين".

"انسحاب" القوات الدولية

ومن العاصمة المالية باماكو يؤكد الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد ويس المهري، أن الوضع في منطقة الساحل يشهد "تفاقما كبير من الناحية الأمنية وتمدد الجماعات الجهادية المتمثلة في تنظيم القاعدة وداعش"، في ظل تطورات داخلية وخارجية كبيرة في المنطقة.

ويرجع محمد ويس المهري هذه التطورات إلى "انسحاب القوات الدولية في مقدمتها الأميركية التي كانت تستهدف نشاط هذه الجماعات انطلاقا من قاعدتها في النيجر"، مضيفا في حديثه لـ "الحرة" أن الاختطاف والمطالبة بالفدية أصبحت "تجارة رائجة" لدى هذه الجماعات لتمويل عملياتها العسكرية.

ويجدد المتحدث تأكيداته على أن انسحاب القوات الأميركية التي كانت تستخدم الطائرات بدون طيار لمطاردة تلك الجماعات "أثر بشكل مباشر على الوضع الأمني في المنطقة، وفسح المجال لجماعات مسلحة للتحرك بحرية"، مشيرا إلى أنه من الضروري "تركيز الجهود مرة أخرى على مكافحة تمدد المتشددين في بلدان الساحل والصحراء الكبرى".