أثارت تعليقات أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بخصوص اعتقال ناشط جزائري غضبا رسميا وشعبيا بالجزائر.
قال ماكرون، الاثنين، إن الجزائر التي أبقت بوعلام صنصال قيد الحبس، تسيء إلى سمعتها.
وكانت تصريحات للكاتب صنصال، وهو جزائري لكن يحمل الجنسية الفرنسية أيضا قد أثارت جدلًا بالجزائر، حيث ادعى أن هناك أراضٍ جزائرية كانت في الأصل مغربية، لكن فرنسا ألحقتها بالجزائر خلال فترة الاستعمار.
تنديدا بتصريح ماكرون، أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية والبرلمان بيانات شجب وإدانة، في حين وصف الجيش الجزائري تعليق الرئيس الفرنسي بأنه "ابتزاز".
كما استنكر نشطاء وصحفيون ووزراء سابقون في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، ما بدر من الرئيس الفرنسي.
المُلفت أن اعتقال صنصال يعود إلى نوفمبر الماضي، بينما جاءت تصريحات ماكرون يوم الاثنين، مما يثير التساؤلات حول توقيت هذا التصعيد.
ولطالما ضغطت أصوات في فرنسا على ماكرون للإدلاء بتصريح بالخصوص لكنه لم يفعل حتى قبل يومين.
والأسبوع الماضي، أوقفت السلطات الفرنسية مؤثرين جزائريين مشهورين على تيك توك، للاشتباه في تحريضهم على الإرهاب والدعوة للعنف.
المؤثرون الذين يعيشون في مناطق مختلفة بفرنسا، كانوا توعدوا معارضين جزائريين دعوا للاحتجاجات في الجزائر وفرنسا.
أوساط كثيرة بالجزائر اعتبرت حملة الاعتقالتى تلك "ردا من باريس" على اعتقال بوعلام صنصال.
الصحراء الغربية.. على الخط!
يعتقد المحلل الفرنسي، فرانسواز جيري، أن موقف ماكرون من ملف الصحراء الغربية هو الذي يقف "في الحقيقة" وراء التوتر الحاصل مع الجزائر.
جيري، الذي شغل لعدة سنوات منصب رئيس معهد التحليل الاستراتيجي الفرنسي، قال في حديث لموقع "الحرة" إن اختيار ماكرون للمقترح المغربي بشأن الصحراء الغربية على حساب الرؤية الجزائرية ومصالح باريس معها "خلق توترًا نحن في غنى عنه" وفق تعبيره.
إثر تبني ماكرون للمقترح المغربي بشأن ملف الصحراء الغربية في يوليو، سحبت الجزائر سفيرها من باريس، وانتقدت موقف الرئيس الفرنسي في عدة مناسبات.
المحلل السياسي الجزائري، فيصل مطاوي، يرى هو الآخر أن خلفية التوتر بين الجزائر وماكرون هي في الواقع موقفه من ملف الصحراء الغربية وتبنيه المقترح المغربي، إلى جانب رغبة باريس الضغط على الجزائر بسبب خياراتها الاقتصادية بعيدا عن فرنسا.
وفي اتصال مع موقع "الحرة"، قال ميطاوي إن "باريس اختارت أن تقوي علاقاتها مع المغرب بدعمها المخطط المغربي"، مشيرًا إلى أن الجزائر تتمسك بالمواقف الدولية التي تدعو لإجراء استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية.
إقليم الصحراء الغربية هو مستعمرة إسبانية سابقة غنية بالفوسفات والموارد السمكية، يسيطر المغرب على 80% منه ويقترح منحه حكمًا ذاتيًا تحت سيادته، فيما تدعو جبهة "بوليساريو"، المدعومة من الجزائر، إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991.
وفي أكتوبر الماضي، دعا مجلس الأمن الدولي إلى حل سياسي "واقعي ومقبول" في الصحراء الغربية، في قرار مدّد تفويض بعثة الأمم المتحدة فيها لمدة عام.
ويُمدّد النص الذي اقترحته الولايات المتحدة تفويض بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية حتى 31 أكتوبر 2025.
سر التوقيت
يُرجع مطاوي اختيار ماكرون لهذا التوقيت بالذات ليلقي كلمته التي أزعجت الجزائر إلى الأزمة السياسية التي يعيشها منذ حل حكومته، وإلى إلحاح الجزائر على فرنسا للاعتراف بجرائمها خلال حقبة الاستعمار.
وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قد طالب باريس في خطاب ألقاه في الأول من يناير الجاري بالاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية خلال حرب التحرير.
وتشهد فرنسا أزمة سياسية منذ دعا ماكرون إلى انتخابات مبكرة في الصيف، مما أدى إلى برلمان منقسم بين ثلاث كتل متخاصمة.
وفي 4 ديسمبر 2024، حجب البرلمان الفرنسي الثقة عن حكومة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه، بعد ثلاثة أشهر فقط من تنصيبها.
تعليقًا على ذلك، قال مطاوي إن وضع ماكرون "المتهلهل" جراء الوضع الاقتصادي والاجتماعي "المتأزم" جعله "يسعى لتوجيه الأنظار خارج البلاد".
لكن المحلل الفرنسي، فرانسواز جيري، رد على ذلك بالقول إن "خطأ" ماكرون الذي تسبب في التصعيد مع الجزائر "هو اتخاذه لموقف يخص ملفا مصيريا بتفكير آني".
وردد جيري ذلك مراا مُصرّا على فكرة أن سبب توتر العلاقات مع الجزائر هو موقف ماكرون من ملف الصحراء الغربية وليس "شيئًا آخر" في إشارة إلى ما يصفه مطاوي الوضع السياسي المتأزم للرئيس الفرنسي.
وأضاف ذات المتحدث أن الدبلوماسية الفرنسية "فقدت الكثير من المصداقية والأهمية خلال فترة حكم ماكرون"، مشيرًا إلى تراجع دور باريس في أفريقيا ولا سيما شمال القارة التي تضم إلى جانب الجزائر كلا من تونس والمغرب.
في السنوات الأخيرة، اتخذت عدة دول أفريقية خطوات نحو تقليل أو إنهاء علاقاتها مع فرنسا، ما تسبب في تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة وظهور شعور عام مناهض للتدخل الفرنسي.
ومن أبرز تلك الدول: مالي، النيجر، بوركينا فاسو، تشاد، وكذا جمهورية أفريقيا الوسطى.
بالخصوص، يقول جيري إنه لاحظ تلاشي الدور الدبلوماسي الفرنسي التقليدي، الذي كان يقوم على إيجاد التوازنات في أفريقيا عمومًا، بسبب خيارات "لا نرى جدواها على المدى الطويل". ثم استدرك "هي خيارات ماكرون وحده".
جدد الرجل استغرابه من موقف ماكرون تجاه الجزائر، مشيرًا إلى أن "سياساته تختلف عن سياسات الرؤساء السابقين". وأكد أن من مصلحة فرنسا التركيز على مصالحها الاستراتيجية وعدم المغامرة في قضايا معقدة مثل نزاع الصحراء الغربية.
فيصل ميطاوي من جانبه عاد ليؤكد أن تغير موقف ماكرون حيال الجزائر عمومًا يعود إلى أن الأخيرة أصبحت أكثر انفتاحًا على آفاق أخرى بعيدة عن باريس.
وقال إن انفتاح الجزائر على شركاء اقتصاديين وتجاريين مثل ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا ودول عربية عديدة، وتراجع حضور المؤسسات الفرنسية بالجزائر، لم يرق لباريس.