رئيس أركان الجيش الجزائري في زيارة سابقة لفرنسا

تتصاعد حدة التوتر السياسي بين الجزائر وباريس منذ إعلان الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في يوليو 2024 اعتراف بلاده بالمقترح المغربي حول الحكم الذاتي، الذي اعتبره "الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية"، وهو ما أثار غضب الجزائر التي ردت بسحب سفيرها بفرنسا.

والصحراء الغربية تحتوي على ثروات سمكية واحتياطات كبيرة من الفوسفات، تعتبرها الأمم المتحدة "منطقة غير متمتعة بالحكم الذاتي"، وهي موضع خلاف منذ عقود بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر.

ويسيطر المغرب على نحو 80 بالمئة من هذه المنطقة وتقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادتها، فيما تدعو بوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير برعاية الأمم المتحدة نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991.

وبينما ظل الجدل السياسي قائما، تصاعد توتر العلاقات بين البلدين، بعد اعتقال الجزائر الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال. 

وأثارت تصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي بشأن اعتقال هذا الكاتب حفيظة الجيش الجزائري، الذي قال إن البلاد "لا تقبل الابتزاز والوصاية والرضوخ لأي جهة مهما كانت قوتها".

وأضافت افتتاحية مجلة الجيش، الصادرة هذا الأسبوع، أن "المشهد واضح كل الوضوح ولا يتطلب تفكيرا طويلا وتحليلا عميقا حتى تدرك خبث نوايا أعداء الجزائر وأهدافهم الدنيئة".

وتابعت المجلة قائلة إن "الجزائر التي بقيت صامدة قوية طيلة تاريخها الحافل بالمجد والبطولات، لن تنحني أبدا أمام رياح التآمر والتفرقة وسموم الفتنة".

وكان الرئيس الفرنسي دعا الجزائر للإفراج عن بوعلام صنصال، المعتقل منذ منتصف نوفمبر الماضي، واعتبر في كلمة له أمام السلك الديبلوماسي لبلاده أن الجزائر "دخلت في مسار لا يشرفها بمنع رجل مريض جدا من العلاج، وهذا يسيء لسمعتها".

قضية تعني "الوحدة الترابية"

ويرى أستاذ العلوم السياسية، توفيق بوقاعدة، أن رد الجيش الجزائري على الرئيس ماكرون في افتتاحية المجلة يأتي "اتساقا مع مواقف المؤسسات الدستورية الأخرى في البلاد". 

وهي رسالة سياسية تؤكد أن مؤسسات الجمهورية "متطابقة المواقف فيما يتعلق بالمحاولات الفرنسية ابتزاز الجزائر والضغط عليها فيما بات يعرف بقضية صنصال"، وفق بوقاعدة.

ويشير بوقاعدة لموقع "الحرة" إلى أن رد المؤسسة العسكرية جاء لإدانة "استغلال الفرنسيين لقضية صنصال سواء من خلال السجال الدبلوماسي أو السياسي بين البلدين".

ولأن القضية "مست الوحدة الترابية"، فإنه كان من الضروري أن تعبر افتتاحية الجيش عن "ذات الموقف الذي أعلن عنه الرئيس تبون في خطابه للأمة نهاية السنة الماضية وبيان المجلس الشعبي الوطني ووزارة الخارجية"، وفق المتحدث.

ويتابع توفيق بوقاعدة قائلا إن "رد الجيش جاء ليؤكد دعمه المواقف التي أعلنها الرئيس تبون، ضد محاولات الابتزاز التي تمارسها باريس على الجزائر، ووصول العلاقات بين البلدين إلى مرحلة متقدمة من الخلافات التي لم تعرفها منذ الاستقلال".

وتتأرجح العلاقات بين البلدين بين التوتر والتطبيع، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تصعيدا تجاوز، هذه المرة، الخلافات التقليدية التي كانت تدور في مجملها حول الذاكرة. 

ورغم أن الرئيس الجزائري تطرق إلى هذا الملف في خطاب له أمام البرلمان الشهر الماضي، داعيا إلى الاعتذار عوضا عن تعويض ضحايا الجرائم الفرنسية إبان فترة استعمارها للجزائر (1830/ 1962)، فإن قضية صنصال غطت على باقي تفاصيل الخطاب الرئاسي.

"الانسجام" بين الجيش والرئاسة

ومع دخول المؤسسة العسكرية على خط الجدل المتصاعد بين الجزائر وباريس، يؤكد المحلل السياسي، عبد الرحمان بن شريط، أن لهذا الأمر دلالة واضحة، الهدف منها أن "تدرك فرنسا قوة التلاحم والانسجام في المواقف بين الرئاسة والجيش".

ويضيف بن شريط، في حديثه لموقع "الحرة"، أن المؤسسات الدستورية في الجزائر "تدرك أن قضية صنصال "ليست مسألة عابرة أو شكلية، بل جوهرية لما حملته من مس بالخطوط الحمراء المتمثلة في الأمن القومي والوحدة الترابية وإحداث الفوضى".

ويعتقد المتحدث أنه ليس لفرنسا حق التدخل في علاقة حكومة بمواطنها، وأن كون صنصال يحمل جنسية فرنسية لا يمنحه ذلك حق الطعن في الوحدة الترابية".

وكان المحامي فرانسوا زيميراي ذكر في وقت سابق أن صلصال سيتابع بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري. 

وتعاقب هذه المادة على "الأفعال التي تهدد أمن الدولة" وتعتبرها "أعمالا إرهابية". 

ووصف المحامي الفرنسي، في بيان نشرته وكالة الأنباء الفرنسية، قرار حبس الكاتب بـ"العمل الخطير"، على إثر تصريحات صحفية تحدث فيها عن "مغربية مناطق من غرب الجزائر".

وفي رده على الاتهامات الموجهة لصنصال، اعتبر المحامي أن "سلب الحرية من كاتب بسبب كتاباته يمثل انتهاكًا بالغًا"، مشددا على أن "الحرية يجب أن تكون مكفولة، خاصة للكتاب الذين يعبرون عن أفكارهم بحرية".

منشآت نفطية تابعة لشركة سوناطراك الجزائرية
منشآت نفطية تابعة لشركة سوناطراك الجزائرية

وقعت الجزائر الأربعاء اتفاقا مع شركة شيفرون الأميركية العملاقة للطاقة بهدف تقييم موارد النفط البحرية المحتملة في البحر الأبيض المتوسط، بحسب وزارة الطاقة في البلاد.

وأعلنت الوزارة في بيان أن الشراكة أبرمت بين الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات "النفط" وشيفرون شمال أفريقيا.

وأضاف البيان أن الاتفاق الذي سيستمر عامين ينص على "إنجاز دراسة معمقة لتقييم الموارد النفطية في المنطقة البحرية الجزائرية".

وقد يمهد الاتفاق "الطريق لمشاريع استكشاف وتطوير مستقبلية تهدف إلى تثمين موارد المحروقات الوطنية".

ويأتي هذا في إطار جهود وكالة "النفط" في "جذب استثمارات نوعية وتعزيز القدرات التقنية في مجال الاستكشاف البحري"، بحسب ما قال رئيسها مراد بلجهم في البيان.

في عام 2018، وقعت شركة سوناطراك المملوكة للدولة للمحروقات اتفاقيتين مع شركة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية لتقييم احتياطيات النفط البحرية المحتملة.

وتعد الجزائر أكبر مصدّر للغاز الطبيعي في إفريقيا وعضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتحتوي صحراؤها الشاسعة على معظم احتياطاتها الكبيرة المؤكدة والبالغة نحو 4,504 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي و12200 مليون برميل من النفط الخام.

تشكّل عائدات المحروقات ثلاثة أخماس دخل الدولة الموجّه لدعم البنزين والكهرباء والخدمات الصحية والاجتماعية، والسلع الأساسية.

والجزائر مورّد حيوي للغاز إلى الاتحاد الأوروبي عبر خطي أنابيب رئيسيين، هما ترانس ميد الذي يمتد إلى إيطاليا عبر تونس، وميدغاز إلى إسبانيا.

وتحاول الجزائر التي تقلّ أعمار 45 في المئة من سكانها عن 25 عاما، تنويع اقتصادها لتلبية احتياجات مواطنيها.

ومن أجل تقليل اعتمادها على الطاقة، تعمل الجزائر على تشجيع النشاط التجاري والاستثمار الأجنبي والزراعة، وهو القطاع الذي يعوقه التصحر.