تثير الحريات النقابية في الجزائر نقاشات حقوقية واسعة شملت إضرابات واحتجاجات، على ضوء سلسة تعديلات طالت قوانينها خلال السنوات القليلة الماضية.
وقال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إن ممارسة الحق النقابي "مضمونة" في بلاده، والدولة "تلتزم" باحترامها، علما بأن "الحكومة نفسها بحاجة إلى النقابات التمثيلية والقوية، للارتقاء بعالم الشغل".
ودعا تبون، أثناء ترأسه لاجتماعات مجلس الوزراء أمس الإثنين، إلى أن يكون إعادة التنظيم والتكييف النقابي وفق القانون الجديد، "تعزيزا للحوار الاجتماعي في مختلف القطاعات".
وكان أعضاء مجلس الأمة صادقوا في مارس 2023 على نص القانون الجديد لممارسة الحق، النقابي الذي صدر بعد ذلك في الجريدة الرسمية، في مايو من نفس السنة.
وواجهت التعديلات معارضة نقابات مستقلة اعتبرتها "تراجعا" عن هامش حريات كان متاحا في القانون السابق، الذي كان ثمرة انفتاح سياسي واسع مطلع تسعينيات القرن الماضي.
وتعارض النقابات المستقلة رفع نسبة التمثيل النقابي من 20 إلى 25 بالمائة، معتبرة أنها "مرتفعة" للغاية.
كما منع القانون الجديد الانتساب الحزبي للنقابيين، أو التصريح بدعم تيارات سياسية وحظر الدعم المالي للنقابات من قبل الأحزاب، فيما حدد شروطا جديدة للإعلان عن الإضراب بضمان استمرارية الخدمات.
وكان المقرر الأممي المعني بالحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، كليمان نياليتسوسي فول، شدد على ضرورة "إيلاء اهتمام عاجل للوضع الحالي، للقيود القانونية ومحاكمات الأفراد والجمعيات في الجزائر"، في ختام زيارة قادته للبلاد في سبتمبر 2023، واستغرقت 10 أيام.
ويرى رئيس الاتحاد الجزائري لعمال التربية والتكوين، صادق الدزيري، أن الممارسة النقابية في الجزائر لاتزال "حبيسة الشعارات"، بسبب "غياب الحوار الحقيقي، وعدم اجتماع الثلاثية التي تضم الحكومة وأرباب العمل والنقابات، وعدم الفصل في ملف الاتحادات النقابية من قبل وزارة العمل".
وفي معرض تطرقه للتكيف مع القوانين الجديدة الصادرة في 2023، قال الدزيري، لموقع "الحرة"، إن "القوانين الحالية فيها الكثير من المواد التي تعرقل الحرية النقابية".
وأشار إلى أن هذه القوانين "لا تسمح ببناء نقابات قوية، بسب الشروط المشددة التي تفوق ما كانت عليه من قبل".
وتطرق الدزيري إلى الاقتراحات التي وجهتها النقابات المستقلة للبرلمان بتحديد نسبة لا تتجاوز 10 بالمائة للتمثل النقابي من مجموع العمال "دون جدوى".
وأضاف أن الحكومة تطالب النقابات الالتزام بقوانين "لم ترض عنها"، وفق تعبيره، داعيا في إطار "تعزيز الحوار الاجتماعي إلى تعديل القوانين الجديدة".
وذكر رئيس واحدة من أهم نقابات عمال التربية والتكوين أن "الحكومة وضعت قوانين على المقاس الذي تريد، وتطلب منا كنقابات أن نلتزم ونتكيف معها".
وقال إن ذلك يعني وفق القوانين الجديدة "عدم القيام بأي إضراب مطلبي، ولا يمكن تحقيق التمثيلية النقابية المطلوبة بعد رفع سقفها عن الواقع النقابي المعاش".
وتفاءل الدزيري بدعوة تبون لبناء حوار "جاد ومسؤول للمساهمة في مسار الحوار الوطني والتوصل لعقد اجتماعي يبني الاقتصاد في الجزائر".
دعوة رئاسية للحوار
وفي الجزائر، 160 منظمة نقابية مسجلة، بينها 99 منظمة عمالية، 72 منها تنشط في قطاع الوظيفة العمومية و34 في قطاع التربية الوطنية و20 نقابة في قطاع الصحة خلال سنة 2023، وفق تصريح لوزير العمل السابق يوسف شرفة، أمام المجلس الشعبي الوطني.
كما أشار الوزير وقتها إلى وجود "61 منظمة لأرباب العمل لمختلف المهن والفروع وقطاعات النشاط، ومن بين 160 منظمة نقابية معتمدة توجد 43 نقابة منها غير ناشطة".
ويؤكد الحقوقي إدريس فاضلي، أن دعوة تبون تأتي في سياق مسار الحوار الوطني "الحقيقي والجاد الذي وعد به تجسيدا لما أعلن عنه في مناسبات عدة".
وفي تعليقه علِى هذه التطورات، يرى فاضلي، في حديثه لموقع "الحرة"، أن الدعوة الرئاسية "لتعزيز الحوار الاجتماعي تهدف إلى إضفاء حركية على الحياة النقابية والسياسية في البلاد".
ويشير المتحدث إلى أنه "لا يمكن فصل دعوة الرئيس الجزائري الموجهة للنقابات من أجل تعزيز الحوار الاجتماعي، عما يسعى إليه من لقاءات تجمع الحكومة بالشركاء السياسيين".
وأشار إلى أن الدعوة الرئاسية تصبو إلى "تشجيع الممارسة النقابية التي تحرص الحكومة على أن تكون تشاركية بينها وبين النقابات المختلفة".