قاعة الركوب بمطار هواري بومدين الدولي، الجزائر
قاعة الركوب بمطار هواري بومدين الدولي، الجزائر

يستمر سجال الخلافات السياسية بين الجزائر وفرنسا في التصعيد، ورغم أن الطرفين خاضا في كل الملفات من شتى الزوايا، إلا أن وزير العدل الفرنسي، جيرالد دارمانان، سحب، هذه المرة، ملفا جديدا من أرشيف المعاهدات بين البلدين بعد أن دعا، مطلع الأسبوع الجاري، إلى "إلغاء" اتفاقية عام 2013 التي تتيح للنخبة الجزائرية من حاملي جواز السفر الديبلوماسي والمهمة إلى فرنسا بدون تأشيرة.

وطالب الوزير الفرنسي بإجراءات "سريعة"، معتبرا، في سياق حديثه عن الخلافات بين البدين، أن الجزائر تسعى "لإذلال" فرنسا، داعيا إلى مراجعة اتفاقيات أخرى لتعزيز احترام متبادل بين الجانبين.

وكانت الجزائر وفرنسا وقعتا في ديسمبر 2013 على اتفاقية إلغاء التأشيرة لحاملي جواز السفر الديبلوماسي أو للخدمة (المهمات)، خلال زيارة قادت الوزير الأول الفرنسي، وقتها، جون مارك أيرولت، بمناسبة الاجتماع الأول للجنة الحكومية المشتركة عالية المستوى بين البلدين الذي احتضنته الجزائر العاصمة، بينما وقعها عن الجانب الجزائري، الوزير الأول السابق، عبد المالك سلال.

وصدر المرسوم الرئاسي الذي وقعه الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، في 19 يونيو 2014 بالجريدة الرسمية من ثماني مواد، تضمنت الإعفاء المتبادل من تأشيرات الإقامة القصيرة الآجال لحاملي جوازات السفر الديبلوماسية أو للخدمة.

وتضمن المرسوم أهداف الاتفاقية التي تسمح لرعايا الجزائر، الذين يتنقلون في مهمة أو بصفة خاصة، الحاملين لجوازات سفر ديبلوماسي أو للخدمة ساري المفعول، دخول التراب الفرنسي دون تأشيرة لإقامة متواصلة أو متعددة لا تتجاوز 90 يوما خلال فترة مدتها 180 يوما في دول فضاء شنغن (الاتحاد الأوروبي)، ونفس الأمر بالنسبة للفرنسيين الذين تنطبق عليهم نفس سمات الإقامة في الجزائر.

ويتيح المرسوم لكل من الطرفين "إنهاء هذا الاتفاق عبر إشعار خطي، الذي يصبح نافذا بعد مضي 90 يوما على تاريخ الإشعار الكتابي المسبق المرسل عبر القناة الديبلوماسية".

وأتاح المرسوم الفرنسي الجزائري للطرفين "تعليق العمل به كليا أو جزئيا، على أن يتم الاخطار بالتعليق ورفع هذا الإجراء عبر القناة الدبلوماسية"، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في خريف 2014.

أورق ضغط متعددة

ويعتقد الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن الطرفين في نزاعهما الجديد "يستخدمان أوراق ضغط متعددة، لا تتوقف عند قضية التهديد بإلغاء اتفاق استثناء النخب الجزائرية من التأشيرة، لأن هناك "عدة أورق ضغط من الجهتين".

ويستبعد إيوانوغان في حديثه لـ "الحرة" أن "ينفذ وزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانان تهديداته" التي أطلقها مؤخرا، وأشار فيها إلى إمكانية إلغاء الاتفاق التفضيلي الذي تستفيد منه النخب الجزائرية بشأن التأشيرة.

وأشار المتحدث إلى أن النخب الجزائرية تعني "كل الذين شغلوا مناصب عليا في الدولة"، وهم الذين ينطبق عليهم الإعفاء من التأشيرة لدخول التراب الفرنسي أو فضاء بلدان الاتحاد الأوروبي.

مخالفة الأعراف الديبلوماسية

بينما يرى خبير القانون الدستوري، موسى بودهان، أن التهديدات التي أطلقها وزير العدل الفرنسي حول اتفاقية 2013، تعبر عن نوايا "التملص من التزامات الدولة الفرنسية اتجاه شركائها"، مشيرا إلى أن هذه التهديدات "تخالف الأعراف الديبلوماسية وتقاليدها التي تعتبر راسخة بين البلدان" إلا في حالات استثنائية.

وذكر موسى بودهان أن التلويح في كل مرة بإلغاء اتفاقية أو معاهدة "يمس بمصداقية الشراكات والتعاون الذي يجعله هشا"، كما يمس بالثقة المتبادلة بين الطرفين التي وصلت بالفعل لأدني درجاتها"، واصفا تهديدات الجانب الفرنسي فيما تعلق بالاتفاقيات الديبلوماسية بـ "غير المبرر".

ويوضح خبير القانون الدستوري أن المعاهدات والاتفاقيات "تخضع في إلغائها إلى شروط مبينة في بنودها، بشأن الظروف التي تسمح بفسخها أو تجميدها أو تعليق العمل بها لفترة معينة، وما قد يترتب عن ذلك من أعباء، كما يتضمن بعضها بنودا تنص على الحق في إلغائها من جانب واحد أو من كلا الجانبين".

عرف ديبلوماسي

وتربط الجزائر بفرنسا عدة اتفاقيات تفضيلية تسمح باستثناءات في مجال الهجرة والإقامة والتنقل بين البلدين نتيجة الخلفيات التاريخية المرتبطة بالاستعمار الفرنسي للبلاد الذي دام 132 سنة (1830/ 1962)، أبرزها اتفاقية الهجرة لسنة 1968.

وتتيح اتفاقية الهجرة للجزائريين حرية تأسيس الشركات أو ممارسة مهن حرة، كما يستفيدون من تسريع إصدار الإقامة، الذي يكون ساري المفعول لمدة 10 سنوات، ويتمتع المهاجرون الجزائريون بالعديد من المزايا المتعلقة بتصاريح الإقامة ولم شمل الأسرة التي لا يتمتع بها المهاجرون من جنسيات أخرى.

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، محمد هدير أن التهديدات التي تضمنتها تصريحات وزير العدل الفرنسي بخصوص تنقل النخب الجزائرية بدون تأشيرة لفرنسا، هي "واجهة لابتزاز مالي واقتصادي فقدته فرنسا في الجزائر خلال السنوات الأخيرة".

ويؤكد هدير في حديثه لـ"الحرة" أن الاتفاقية التي وقعت في أواخر سنة 2013 "تتقاسم" مزاياها الجزائر والفرنس جنبا إلى جنب، مضيفا أن الجزائر "وقعت مع عدة دول أخرى اتفاقيات مشتركة تتضمن إلغاء التأشيرة على حاملي جوازات السفر الديبلوماسية والخدمة، ولا يقتصر الأمر على الطرف الفرنسي"، في إطار "الأعراف والتقاليد الديبلوماسية، وليست امتيازا قدمه الجانب الفرنسي للجزائر".

وكان وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، قال الجمعة الماضية، إن "الجزائر تسعى لإذلال فرنسا"، مضيفا "مع احتفاظنا بهدوئنا... علينا الآن أن نقيم كل الوسائل التي في متناولنا تجاه الجزائر".

الجزائر ظلت متمسكة بمواقفها السياسية والديبلوماسية المؤيدة لنظام بشار الأسد حتى آخر أيامه (سانا)
الجزائر ظلت متمسكة بمواقفها السياسية والديبلوماسية المؤيدة لنظام بشار الأسد حتى آخر أيامه (سانا)

وصل وفد جزائري حكومي رفيع المستوى، السبت، إلى دمشق وفق ما أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا".

وقالت الوكالة إن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني استقبلا الوفد الذي ترأسه وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، من دون إعطاء المزيد من التفاصيل.

بدورها ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أن عطاف وصل لدمشق في "إطار زيارة يقوم بها بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون".

ونقلت الوكالة عن بيان صادر من وزارة الخارجية الجزائرية القول إن عطاف سلّم الشرع "رسالة خطية" موجهة إليه من قبل تبون هنأه فيها وتمنى له التوفيق "في تحمل مهامه خلال هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا".

وأضاف البيان أن عطاف ناقش مع الشرع "مستجدات الأوضاع على الصعيدين الوطني والإقليمي.. واستعداد الجزائر في دعم المساعي الرامية للم شمل الشعب السوري حول مشروع وطني جامع يعيد بناء مؤسسات الدولة ويوفر مقومات الأمن والاستقرار والتنمية والرخاء".

وظلت الجزائر متمسكة بمواقفها السياسية والديبلوماسية المؤيدة لنظام بشار الأسد حتى آخر أيامه.

وقبيل سقوط نظام الأسد بأيام أكدت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان "موقف الجزائر الثابت وتضامنها المطلق مع الجمهورية العربية السورية الشقيقة، دولة وشعبا، في مواجهة التهديدات الإرهابية التي تتربص بسيادتها ووحدتها وحرمة أراضيها، وكذا أمنها واستقرارها".

وكانت الجزائر دعت في فبراير 2020 إلى "رفع التجميد عن عضوية سوريا في الجامعة العربية"، وقال وزير الخارجية الجزائري الأسبق صبري بوقادوم أن تجميد عضويتها "خسارة لكل الدول العربية".

وتعد الجزائر في" صدارة" الدول العربية "القليلة" التي تحفظت على قرار تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية أواخر نوفمبر 2011"، ورافعت من أجل عودتها بمناسبة احتضانها للقمة العربية الواحدة والثلاثين في نوفمبر 2022.

وواصلت الجزائر إعلان انشغالها بالتطورات الحاصلة في سوريا عقب الإطاحة بنظام الأسد من قبل المعارضة المسلحة، حيث أصدرت بيانا دعت فيه كافة الأطراف إلى "الوحدة والسلم والعمل من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه".