فرنسا- الجزائر
سلط خلاف الجزائر وفرنسا الضوء على جالية البلد المغاربي في هذه الدولة الأوروبية

وسط تصاعد الخلافات بين البلدين، أثارت وسائل إعلام فرنسية قضية مصير الجالية الجزائرية بفرنسا.

وأشارت صحيفة "لوموند" إلى أن جزائريي فرنسا "في قلب استراتيجيات نفوذ النظام".

بينما تطرقت مجلة "لوبوان" في صفحتها الأولى إلى "طريقة عمل شبكات النظام الجزائري" التي تعتمد على "زعزعة استقرار فرنسا"، بحسب تعبيرها، في إشارة إلى نشاط مؤثرين جزائريين في باريس ساندوا مواقف حكومة بلادهم.

واتهمت "لوبوان" السلطات الجزائرية باستخدام المؤثرين والمساجد والقنصليات لـ"زعزعة استقرار فرنسا"، وفق تعبيرها.

بينما أشارت "لوموند" إلى التهديدات التي تطال معارضين ولاجئين سياسيين جزائريين "تعرض بعضهم لاعتداءات بفرنسا من طرف موالين للسلطة في الجزائر".

وطفت قضية مؤثرين جزائريين يقيمون بفرنسا إلى السطح مع ارتفاع حدة الخلاف السياسي والدبلوماسي بين الجزائر وباريس على خلفية اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، وتصاعدت حدتها بين الطرفين مع نهاية السنة الماضية ومطلع 2025.

والأسبوع الماضي، شرعت النيابة العامة الفرنسية في التحقيق بشأن تسجيلات مصوّرة "مشحونة بالكراهية" لمؤثرة جزائرية، بعد يومين على رفض الجزائر تسلم مؤثر آخر طردته فرنسا، وسط تبادل اتهامات بين البلدين.

ومثلت المؤثّرة الفرنسية-الجزائرية، صوفيا بن لمان، التي أوقفت الخميس بفرنسا، أمام النيابة العامة في إطار نفس التحقيق على أن تحاكم في مارس القادم.

وكالت بن لمان، التي يتابعها على تيك توك وفيسبوك أكثر من 300 ألف شخص، الشتائم في بثّ مباشر في سبتمبر لامرأة أخرى "متمنّية لها الموت"، وفق ما أوردته فرانس برس.

وتواجه صوفيا رفقة خمسة مؤثّرين جزائريين آخرين إجراءات قضائية بفرنسا لنفس الأسباب.

كما أوقفت السلطات الفرنسية مؤثرا آخر في ضواحي غرونوبل، بعد نشره مقطع فيديو، حذِف لاحقا، يحض المتابعين على "الحرق والقتل والاغتصاب على الأراضي الفرنسية".

وكانت الجزائر أعادت إلى فرنسا الأسبوع الماضي المؤثّر الجزائري المعروف باسم "بوعلام" الذي كانت باريس رحّلته في اليوم نفسه إلى بلده.

ووجهت له السلطات الفرنسية تهمة "الدعوة لتعذيب معارض للنظام الحالي في الجزائر".

ظاهرة "مؤقتة ومرحلية"

وتعليقا على هذه التطورات، يرى المحلل السياسي فاتح بن حمو أن المؤثرين الجزائريين القاطنين بفرنسا برزوا عبر بوابة ما يحدث من تقلبات في المشهد السياسي بين البلدين، ضمن "حالة استقطاب تشكلت على منصات التواصل الاجتماعي، عقب اشتداد الخلاف بين الجزائر وباريس".

ويشير بن حمو في حديثه لـ"الحرة" إلى أن وجود نحو ستة ملايين مهاجر جزائري، يحوز الجنسية الفرنسية، شكل "حالة جدلية لم يكن بوسع المؤثرين التخلف عنها أو تجاهلها بحكم التفاعل القوي حول هذا الموضوع على منصات التواصل الاجتماعي".

ويعتقد المتحدث أن "الخطاب الذي حمل عنفا لم يكن موجها أو مبرمجا" بشكل مباشر من الحكومة في الجزائر، مشيرا إلى أن هؤلاء "لا يشكلون لوبي يضغط بفرنسا لصالح الحكومة"، واصفا إياهم بـ"الظاهرة المؤقتة والمرحلية التي تأثرت بحجم الخلافات السياسية بين البلدين".

ظهور منذ حراك 2019

بينما يؤكد الحقوقي يوسف بن كعبة أن "التواجد اللافت للجالية الجزائرية بفرنسا يجعل من التواصل مع القنصليات هناك ضروريا ودائما ومتواصلا"، مما يؤدي إلى ظهور "حالة من التضامن أو التعاطف الشعبي للمغتربين مع بلادهم".

ويشير بن كعبة في حديثه لـ"الحرة" إلى وجود "نشاط دائم مباشر وغير مباشر بين القنصليات الجزائرية بفرنسا والمؤثرين".

وأكد أن هؤلاء الذين ظهروا على منصات التواصل الاجتماعي "تبنوا أطروحات السلطة منذ بداية الحراك، قبل خمس سنوات وليس وليد اليوم".

وأضاف المتحدث أن ظهور هؤلاء يأتي ضمن "تفاعلات ليست جديدة في ساحة العلاقات بين الجزائر وفرنسا".

واعتبر أن التوقيت والتوتر الحاصل بين البلدين "سلط عليهم الضوء، وجعلهم تحت مجهر الحكومة الفرنسية التي قدمت بعضهم للمحاكمة".

رئيسا الجزائر وفرنسا في لقاء سابق - فرانس برس

طفت لغة التهدئة على العلاقات الجزائرية الفرنسية هذا الأسبوع، عقب أكثر من 6 أشهر من التصعيد السياسي والدبلوماسي والإعلامي، تخللتها تصريحات مكثفة وقرارات غير مسبوقة استهدفت تنقل الأفراد، كما شملت محاولات لترحيل جزائريين مقيمين بفرنسا.

وصرح الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في لقاء له السبت الماضي مع وسائل إعلام محلية، أن نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون هو "المرجعية" في العلاقات مع بلاده.

ووصف تبون الخلاف بين البلدين بـ"المفتعل بالكامل"، مشيرا إلى أن ما يحدث "فوضى" و"جلبة"، معتبرا أن الرئيس ماكرون هو "المرجع الوحيد ونحن نعمل سويا".

وأحال الرئيس الجزائري ملف الأزمة القائمة بين بلاده وفرنسا على وزير الخارجية، أحمد عطاف قائلا:" فيما يخصني، فإن ملف الخلاف المفتعل بين أياد أمينة، بين يدي شخص كفء جدا يحظى بكامل ثقتي، ألا وهو وزير الشؤون الخارجية، السيد أحمد عطاف".

وخلفت التصريحات الجديدة ارتياحا لدى الأوساط الفرنسية الرسمية، ترجمته المتحدثة باسم الحكومة، صوفي بريماس، التي أعربت، في تعليق لها على ما قاله الرئيس الجزائري، أمس الأحد، عن أملها في استئناف العلاقات "الطبيعية" مع الجزائر.

وهي المرة الأولى التي تشهد مرونة في لغة التخاطب منذ يوليو 2024 تاريخ إعلان إيمانويل ماكرون دعم بلاده لمقترح المغرب الخاص بالحكم الذاتي للصحراء الغربية.

جذور الخلاف "لا زالت قائمة"

لكن الباحث في علم الاجتماع السياسي بالجزائر، أحمد رواجعية، يرى أن هذه الإشارات "المرنة" المتبادلة بين البلدين "مرحلية ولا تعبر عن حقيقة ما يحكم العلاقات بين الجزائر وفرنسا لحد الآن"، معتبرا أن "جذور الخلاف بين البلدين لا زالت قائمة".

وفي حديثه لـ"الحرة" أوضح أحمد رواجعية أن التصريحات المتداولة خلال الأيام القليلة الماضية حتى وإن عكست الجنوح نحو التهدئة، فإن الملفات الأساسية التي تشكل جوهر الخلافات التاريخية بين البلدين "ستظل حجر عثرة أمام أي محاولة للتطبيع مع باريس".

وتشكل قضايا "الذاكرة" بكافة فروعها ذات الصلة بجرائم الفترة الاستعمارية والتجارب النووية وضحاياها والألغام وتجريم الاستعمار وتنقل الأشخاص والهجرة، "أبرز جذور الخلاف الجزائري الفرنسي" وفق المتحدث الذي دعا إلى "مصارحة ومكاشفة تنهي عقودا من التوتر".

من صنصال إلى الهجرة

وشهدت العلاقات بين البلدين تصعيدا غير مسبوق اشتد مع اعتقال السلطات الجزائرية للكاتب بوعلام صنصال، منتصف نوفمبر الماضي، ووجهت له تهم "الإرهاب، والمس بالوحدة الوطنية".

وكان صنصال صرح في أكتوبر الماضي لقناة فرنسية أن أجزاء من الغرب الجزائري تعود تاريخيا للمغرب، وهاجمت الحكومة الجزائرية صنصال، بينما وصفه الرئيس عبد المجيد تبون بـ "المحتال".

وانتقل الخلاف من قضية صنصال إلى الميدان السياسي والدبلوماسي، إذ رفضت الجزائر استقبال مهاجرين مرحلين من باريس، بينما دعا وزراء من الحكومة الفرنسية إلى مراجعة اتفاقية الهجرة الموقعة عام 1968، التي تمنح امتيازات وأفضلية للمهاجرين الجزائريين، إلا أن لغة التهدئة سرعان ما عادت إلى واجهة الخطاب السياسي بين الحكومتين.

"هدوء" العاصفة..

وفي تعليقه على هذه التطورات يشير المحلل السياسي، عبد الرحمان بن شريط إلى أن العديد من المؤشرات توحي بتراجع وتيرة وحدة الخلاف بين البلدين"، مضيفا أن الجزائر "لم تمارس منذ البداية أي تصعيد"، محملا المسؤولية للجانب الفرنسي الذي مارس "استفزازات سياسية بالمنطقة".

وبشأن أسباب التحول في الخطاب بين البلدين، يرى بن شريط في تصريحه لـ"الحرة" أن فرنسا "تراجعت" خلال الفترة الأخيرة عن مسار التصعيد لأنها "شعرت بأنها تسلك مسارا من شأنه أن تفقد فيه الجزائر كشريك، وأن مصالحها أصبحت مهددة".

ووفق المتحدث فإن باريس "لا تريد تكرار الهزائم التي منيت بها في أفريقيا"، بعد فقدانها نفوذها هناك، مضيفا أن فرنسا أدركت "عمق التحول الذي طرأ علي المؤسسات الرسمية في الجزائر، من حيث الحرص على حماية السيادة واتخاذ القرار بدون وصاية"، متوقعا أن "تهدأ العاصفة" بين البلدين خلال المرحلة المقبلة.