وسط تواصل الخلافات بين الجزائر وباريس، تتباين آراء وزراء حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن مستقبل اتفاقية الهجرة الموقعة بينهما في العام 1968.
فقد أكد وزير الخارجية الفرنسي، جان نوال بارو، صعوبة إلغاء الاتفاقية، مضيفا أن السياسة الخارجية هي "تحت سلطة رئيس الجمهورية".
وأشار الوزير الفرنسي في حوار مع قناة "بي أف أم تيفي"، الاثنين، إلى أن "كل شخص حر في تقديم مقترحاته، إلا أنه في وزارة الخارجية وتحت سلطة رئيس الجمهورية يتم تشكيل السياسة الخارجية الفرنسية".
وأضاف معلقا على دعوات إلغاء اتفاقية الهجرة مع الجزائر "لا يخفى عليكم أنه تم تعديل الاتفاقية عدة مرات، وهي تتضمن مزايا لبعض الجزائريين وعيوبا للآخرين".
وخلص بارو إلى التأكيد على أنه "ليس من السهل إلغاء الاتفاقية وإلا كنا علمنا بذلك".
جاء هذا عقب ساعات من دعوة وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، إنهاء العمل بالاتفاقية التي تمنح الجزائريين امتيازات خاصة في السفر والإقامة والعمل بفرنسا.
وقال الوزير "هذا الاتفاق عفا عليه الزمن وشوه الهجرة الجزائرية. ليس هناك أي مبرر لوجوده، ويجب إعادته إلى طاولة البحث".
ووقعت فرنسا اتفاق الهجرة في ديسمبر 1968 لتسهيل حركة وعمل وإقامة الجزائريين في فرنسا، ودخل حيز التنفيذ بعد ست سنوات من استقلال الجزائر.
ويسمح الاتفاق للجزائريين بالسفر إلى فرنسا والحصول على تصاريح الإقامة بسهولة.
كما يسمح بـ"لم شمل أسرة العامل الجزائري وجلبها للعيش معه بعد 12 شهرا من التواجد بفرنسا بدلا من 18 شهرا للعمال الأجانب غير الجزائريين".
إلا أن الاتفاقية أكثر تقييدا للطلاب الجزائريين الذين تجبرهم على مغادرة التراب الفرنسي بعد نهاية دراستهم، بعكس القانون العام الذي يطبق على باقي الأجانب.
إلا أن هذه المضامين عدلت أكثر مرة لجعل هدا الجانب أكثر مرونة، حسب قناة "بي أف أم تيفي".
ومنحت الحكومة الفرنسية 646 ألفا و462 تصريح إقامة للمواطنين الجزائريين سنة 2023، متفوقة بفارق كبير على الدول الأخرى، وفق تقرير للمديرية العام للأجانب بفرنسا على موقعها الإلكتروني.
اختبار الرأي العام
وتعليقا على هذا التباين في المواقف الفرنسية إزاء التعامل مع الجزائر، يعتقد أستاذ علم الاجتماع السياسي، أحمد رواجعية، أن "المزايدات السياسية والحزبية من طرف وزراء الحكومة الفرنسية مقصودة لاختبار الرأي العام الفرنسي والجزائري". مضيفا أنها تدخل في نطاق "عادات وتقاليد الطبقة السياسية هناك".
ويؤكد رواجعية في حديثه لـ "الحرة" أن تصريحات ومواقف وزير الداخلية "تفتقد للثقل السياسي بفرنسا مقارنة بتصريحات زميله وزير الخارجية عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع الدول".
ويتابع قائلا إن "صمت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منذ أول تصريح له بشأن قضية صنصال، يعزز تحولا في الأفق لدى الحكومة الفرنسية"، موضحا أن التخلي عن اتفاقية الهجرة مع الجزائر سيجعل باريس "أمام أزمة هجرة متدفقة من دول الساحل، ومن الجزائر نفسها".

وأضاف أن "الجزائر ملتزمة بكافة اتفاقياتها بما في ذلك التعاون لمكافحة الإرهاب"، داعيا الفرنسيين في المقابل إلى "احترام التزاماتهم".
الاقتصاد والسياسة
غير أن المحلل السياسي، عبد الرحمان بن شريط يستبعد أن يتخذ المسؤولون الفرنسيون قرارا يلغي اتفاق الهجرة مع الجزائر والسبب "قوة المصالح الاقتصادية" كما يسميها.
هذه القوة "تمثل جزءا من أدوات الضغط على الفرنسيين في تعاملهم مع الجزائر التي غطت احتياجات أوروبا وفرنسا أساسا من الطاقة منذ أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا"، وفق بن شريط.
ويعرف التبادل التجاري بين الجزائر وفرنسا ارتفاعا لافتا خلال السنوات القليلة الماضية، إذ سجلت زيادة بنسبة 5.3 بالمئة في 2023، لتصل إلى 11.8 مليار يورو، مقارنة بـ 11.2 مليار يورو عام 2022، وفق فرانس برس.
ويرجع بن شريط، في تصريحه لـ"الحرة"، التباين في مواقف وزراء من الحكومة الفرنسية إلى "اعتبارات الدولة ومصالحها التي يخضع لها الرئيس الفرنسي"، كونه "لا يريد التصعيد" في علاقة بلاده مع الجزائر بحسب قوله.

وطالب الوزير الفرنسي بإجراءات "سريعة"، معتبرا، في سياق حديثه عن الخلافات بين البدين، أن الجزائر تسعى "لإذلال" فرنسا، داعيا إلى مراجعة اتفاقيات أخرى لتعزيز احترام متبادل بين الجانبين.
وبعكس ذلك، يضيف المتحدث "يخضع بعض وزراء حكومة ماكرون لتوجهاتهم اليمينية وهو التيار البارز هذه الأيام بفرنسا" الذي "يسعى لمزيد من "التصعيد السياسي والديبلوماسي ضد الجزائر".