تنحو العلاقات الجزائرية-الأميركية منحى أكثر عمقًا، مدفوعة بالحاجة إلى تعزيز التعاون في مجال الأمن الإقليمي لمنطقة الساحل ومكافحة الإرهاب على ضوء التحديات والمخاطر التي تعيشها المنطقة بسبب التصعيد من الجماعات المسلحة وحكومة بلدان أفريقية.
كما شكل الغزو الروسي لأوكرانيا امتحان ثقة للجزائر التي عززت وجودها الطاقوي في أوروبا مقابل فسح المجال لشراكة قوية في قطاع المحروقات مع الشركات الأميركية خلال السنوات الماضية.
وتكريسا لمسار العلاقات الثنائية بين الجزائر وواشنطن، وقع قائد القوات الأمريكية في أفريقيا (افريكوم) الجنرال مايكل لانغلي، في 22 يناير الجاري، اتفاق تفاهم للتعاون العسكري بين البلدين، عقب لقائه مع قادة جزائريين، في مقدمتهم الرئيس عبد المجيد تبون، وقائد أركان الجيش الجزائري، الفريق أول السعيد شنقريحة.
وفي ختام زيارته، قال إن "البلدين يتقاسمان الاهتمامات ذاتها بخصوص الاستقرار والأمن".
وكان لانغلي قد زار الجزائر في يوليو الماضي، وتحدث مع تبون بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك في مجال التعاون الأمني بين الجزائر والولايات المتحدة الأميركية.
وجاءت المحادثات على ضوء التطورات العسكرية التي شهدتها منطقة الساحل والصحراء الكبرى بعد تخلي باماكو عن اتفاق الجزائر للمصالحة الموقع بينها وبين الفصائل المسلحة للطوارق سنة 2015، حيث تطالب هذه الأخيرة بالانفصال عن مالي.
وعلى الصعيد السياسي، ناقش روبيو، الثلاثاء الماضي، مع عطاف "الشراكة المتينة بين البلدين لتعزيز السلام والأمن على المستوى الإقليمي والدولي تحت قيادة الرئيس تبون".
وتطرق الوزيران إلى موضوع "تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والإفراج عن الرهائن، والقيادة الجزائرية في مجال المساهمة بالمساعدات الإنسانية لغزة"، وفق بيان الخارجية الأميركية.
كما تطرق الطرفان إلى "الشراكة المتينة بين البلدين لتعزيز السلام والأمن على المستوى الإقليمي والدولي، وترسيخ التعاون في مجالي الاقتصاد والطاقة بين البلدين... وجهود معالجة انعدام الاستقرار في منطقة الساحل"، وذلك خلال مكالمة هاتفية بينهما، وفق بيان الخارجية الأميركية.
شركات أميركية في قلب التعاون
وعلى المستوى الاقتصادي، وقّعت الوكالة الجزائرية لتثمين موارد المحروقات "النفط"، وشركة "شيفرون" الأميركية، في الثاني والعشرين من يناير الجاري، اتفاقية لإنجاز دراسة حول "إمكانات موارد المحروقات في المناطق البحرية الجزائرية"، وتمتد الاتفاقية على مدى سنتين من الشراكة في هذا المجال.
كما سبق لشركة سوناطراك للمحروقات أن أبرمت عدة اتفاقيات تعاون مع شركات أميركية في مجال الطاقة.
وفي هذا الصدد، وقّعت سوناطراك اتفاقية مبادئ مع شريكتها الأميركية أوكسيدنتال بتروليوم كوربوريشن (أوكسي)، بهدف "تعزيز العلاقات الحالية بين الطرفين وتوسيع مجالات التعاون، وذلك عبر فرص شراكة جديدة في مجالي استكشاف واستغلال المحروقات"، في أكتوبر 2024.
وفي 23 مايو الماضي، وقّعت سوناطراك اتفاقية مبدئية مع الشركة الأميركية للنفط والغاز، إكسون موبيل، بغرض تطوير التعاون بين الطرفين على امتداد سلسلة القيم في الجزائر في مجال استكشاف وإنتاج المحروقات.
شراكة مفتوحة على كل القطاعات
وتعليقًا على آفاق الشراكة بين الجزائر والولايات المتحدة الأميركية، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، سليمان أعراج، أنها تنطلق بدايةً من المواقف الأميركية التي كانت دومًا "بجانب حق الجزائريين في تقرير المصير خلال نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات"، معتبرًا أنها "مواقف تحتفظ بها الجزائر كقاعدة تعاون مهمة مع واشنطن".
وتبعًا لذلك، يشير أعراج، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى أن التحولات الإقليمية والدولية الحاصلة في العالم "تدفع الجزائر والولايات المتحدة إلى تعزيز تعاونهما في عدة مجالات، أبرزها فرض الأمن الإقليمي في المنطقة ومكافحة الإرهاب، خصوصًا في منطقة الساحل والصحراء الكبرى".
واعتبر أن الشراكة مع واشنطن "مفتوحة على كل القطاعات، بعضها قد يصل إلى درجة النوعية والنموذجية من أجل حفظ مصالح البلدين".
ويخلص المتحدث إلى أن الصور الإيجابية في العلاقة بين البلدين "تؤسس لأرضية صلبة بشأن مستقبل التعاون السياسي والأمني والاقتصادي، وشراكات ناجحة مع الجزائر التي تملك قدرات اقتصادية وإمكانات هامة لتجسيد هذا المسار".
وكان تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قد توقّع أن تسعى الجزائر إلى "مواصلة تعميق انخراطها مع الولايات المتحدة وتموضعها كمورد رئيسي للطاقة لأوروبا".
وكشف التقرير، الذي نشره المعهد عن العهدة الثانية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، التي استهلها في سبتمبر 2024، أنه على المدى القصير سيكون التعاون "مكسبًا لكل من واشنطن والجزائر، لا سيما في مجالات مثل التعاون في مكافحة الإرهاب"، وذلك في تقرير له.
الطاقة محور التعاون المستقبلي
وبالنسبة للخبير الدولي في المحروقات، عبد الرحمان مبتول، فإن الطاقة هي محور التعاون المستقبلي بين الجزائر وواشنطن.
وقال مبتول، لموقع "الحرة"، إن الشركات الأميركية أبدت في الفترة الأخيرة رغبة واسعة في الاستثمار بهذا النطاق الحيوي، ولم يستبعد أن يشمل التعاون مجال الطاقات المتجددة.
واعتبر الخبير أن "الفرصة سانحة للجزائر بعد تولي دونالد ترامب الحكم، لتوسيع اكتشافاتها الطاقوية بحريًا بشراكة أميركية"، مستدلًا على ذلك بالاتفاق الأخير مع شركة شيفرون الأميركية العملاقة للطاقة، التي ستقوم بـ"تقييم موارد النفط البحرية المحتملة في البحر الأبيض المتوسط".
وأعرب المتحدث عن اعتقاده بأن التعاون المرتقب "سيتوسع إلى مجالات أخرى للصناعة التحويلية والزراعة، وكذا في مجال تطوير شبكة الكهرباء وإنتاج الكوابل الكهربائية".
وأشار مبتول إلى أن ذلك يتطلب استقرارًا أمنيًا في المنطقة، وهو ما يستوجب على البلدين العمل معًا على "ضمان الأمن الطاقوي".
وختم قائلًا إن الجزائر "نجحت بشكل كبير في الوفاء بالتزاماتها تجاه شركائها في أوروبا عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، ما جعلها شريكًا موثوقًا وملتزمًا".