الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إن الجزائر ستكون على استعداد لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل "في اليوم ذاته الذي ستكون فيه دولة فلسطينية كاملة".

جاء ذلك في مقابلة لتبون مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية الأحد كشف فيها عن معطيات بخصوص الأزمة بين بلده وفرنسا، وقضية الصحراء الغربية، وملف اعتقال الكاب بوعلام صنصال وأزمة ترحيل المؤثرين الجزائريين، وموضوع الذاكرة المشتركة.

وتحدث الرئيس الجزائري عن ملف الصحراء الغربية وموقف الرئيس الفرنسي الذي دعم المقترح المغربي بمنح الإقليم المتنازع عليه حكما ذاتيا، وقال "حذرت الرئيس ماكرون من أنه سيرتكب خطأ فادحا في قضية الصحراء الغربية".

وتحدث تبون عن ملف العلاقات الفرنسية الجزائرية المتوترة، قائلا إن مناخها الحالي "ضار" و"نحن نضيع الوقت مع الرئيس ماكرون"، كما قال إنه "لا يريد القطيعة مع فرنسا"، ذاكرا أن "الكرة الآن في ملعب الإيليزيه لتجنب وقوع قطيعة قد لا تكون قابلة للإصلاح".

واتهم وزير الداخلية الفرنسي اليميني، برونو ريتيلو، بأنه "أراد القيام بانقلاب سياسي بترحيل المؤثر الجزائري دولامن بالإرغام"، منتقدا تلويحه بإلغاء اتفاقية الهجرة بين البلدين الموقعة في العام 1968 ووصف ذلك بـ"قوقعة فارغة لحشد المتطرفين".

وبخصوص ملف الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال الذي أجج الخلاف بين بلاده وفرنسا، قال الرئيس الجزائري إنه "يستطيع التواصل مع عائلته ويتلقى العلاج الطبي وستتم محاكمته في الوقت المحدد".

كما أفصح تبون عن موقفه بخصوص ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، داعيا إلى "عدم التستر عن أي شيء يتعلق بالتعاون في مجال الذاكرة وتلويث المواقع التي أجريت فيها التجارب النووية الفرنسية"، معتبرا ذلك "ضرورة إنسانية وأخلاقية وسياسية وعسكرية".

وأكد على إمكانية استئناف التعاون الأمني مع فرنسا لكنه قال إنه يقع "على عاتق" هذه الدولة الأوروبية "التعامل مع حالات الجهاديين الذين أصبحوا متطرفين على أراضيها".

وفي سؤال عن إمكانية ترشحه لولاية ثالثة، قال الرئيس الجزائري "ليست لدي أي نية للبقاء في السلطة وسأحترم الدستور الجزائري".

وينص الدستور في الجزائر على ترشحه الرئيس لعهدتين رئاسيتين فقط.

الجزائر وإسرائيل.. وبينهما المغرب

وكانت الجزائر شددت خطابها المنتقد لإسرائيل عقب توقيعها اتفاقيات إبراهيم مع بلدان عربية بينها المغرب واعترافها بسيادة الأخير على الصحراء الغربية.

واعتبرت الخارجية الجزائرية أن قرار إسرائيل الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية يشكل "انتهاكا جديدا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي".

ومنذ ذلك الحين، ظلت الجزائر تتهم إسرائيل بمحاولة استهدافها بالتنسيق مع المغرب. 

كما اتّهمت الرئاسة الجزائرية في بيان رسمي المغرب وإسرائيل بالتآمر ضدّها، وتقديم الدعم لحركة "ماك"، المطالبة باستقلال منطقة القبائل في البلاد.

أزمة فرنسا والجزائر

وزاد التوتر بين الجزائر وفرنسا عقب دعم رئيسها إيمانويل ماكرون مقترح الحكم الذاتي المغربي، معتبرا في رسالة إلى العاهل المغربي محمد السادس أواخر يوليو الماضي أن "حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية".

France's President Emmanuel Macron receives a standing ovation after his speech in front of the members of Morocco's Parliament…
من برلمان المغرب.. ماكرون يعد باستثمارات فرنسية في الصحراء الغربية
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطاب أمام البرلمان المغربي الثلاثاء، إنه يؤكد مجددا تأييد بلاده لـ"سيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية"، كاشفا الاتفاق مع الرباط على استثمارات فرنسية في هذه المنطقة.

وعاد ماكرون ليكرر موقفه في زيارة رسمية للمغرب نهاية أكتوبر الماضي، مؤكدا مجددا تأييد بلاده لـ"سيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية"، كاشفا الاتفاق مع الرباط على استثمارات فرنسية في هذه المنطقة.

وكانت الدبلوماسية الجزائرية استبقت أول موقف فرنسي داعم لخطة المغرب منح إقليم الصحراء الغربية حكما ذاتيا، منتقدة في بيان التوجه ووصفته بأنه "قرار غير منتظر وغير موفق وغير مجدي".

الجزائر قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في أغسطس 2021 - فرانس برس
الجزائر قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في أغسطس 2021 - فرانس برس

عاد التصعيد بين الجزائر والمغرب إلى واجهة الأحداث، بعد أن نشرت وكالة الأنباء الجزائرية تعليقا اتهمت فيه الرباط بالوقوف وراء "اختلاق الأكاذيب والافتراءات ونشرها على أوسع نطاق ممكن"، في إشارة إلى مزاعم أفادت أن الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، رفض طلب وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، الإفراج عن "جنود من الجيش الجزائري وجبهة البوليساريو سبق لهم القتال بجانب قوات بشار الأسد".

وقالت الوكالة الرسمية إن هذه الأخبار "محض افتراءات من نسج خيال بؤساء لا هَمَّ لهم سوى الجزائر". بينما لم يصدر أي رد رسمي من المغرب.

وكانت إذاعة "مونتي كارلو" الفرنسية نقلت، عن مراسلها في سوريا، خبرا مفاده أن الشرع رفض طلبا تقدم به وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، بالإفراج عن 500 جندي جزائري ومقاتل من جبهة البوليساريو، قبل أن تعيد "قناة سوريا"، التي تبث من تركيا، نقل الخبر.

وكان وزير الخارجية الجزائري زار دمشق السبت الماضي، وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" أن الشرع، ووزير خارجيته أسعد الشيباني، استقبلا الوفد الذي ترأسه عطاف، من دون إعطاء المزيد من التفاصيل.

بينما ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية أن عطاف سلّم الشرع "رسالة خطية" موجهة إليه من قبل الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، هنأه فيها وتمنى له التوفيق، "في تحمل مهامه خلال هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا".

وأضافت الوكالة أنهما ناقشا "مستجدات الأوضاع على الصعيدين الوطني والإقليمي، واستعداد الجزائر دعم المساعي الرامية للم شمل الشعب السوري حول مشروع وطني جامع، يعيد بناء مؤسسات الدولة ويوفر مقومات الأمن والاستقرار والتنمية والرخاء"، ولم يتم ذكر أي شكل من أشكال وجود قوات جزائرية في سوريا.

وكانت الجزائر قد دعمت بشار الأسد بشكل قوي، حيث دعت في فبراير 2020 إلى "رفع التجميد عن عضوية سوريا في الجامعة العربية"، كما تحفظت على قرار تجميد عضويتها في الجامعة العربية أواخر نوفمبر 2011".

وعقب الإطاحة بنظام بشار الأسد، دعت كافة الأطراف إلى "الوحدة والسلم والعمل من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه".

وتزامنا مع ذلك انتشرت في منصات التواصل الاجتماعي أخبار غير رسمية وغير مؤكدة عن وجود "مقاتلين من جبهة البوليساريو" في قبضة السوريين، وتخوض جبهة البوليساريو نزاعا مع المغرب منذ 1975 حول الصحراء الغربية، في وقت تقود فيه الأمم المتحدة جهودا لإيجاد حل سياسي ينهي النزاع، لكن المفاوضات التي تشارك فيها أيضا الجزائر وموريتانيا، توقفت منذ 2019 بعد استئنافها في 2018.

"هجمة مركزة من حسابات مغربية"

وتعليقا على هذه التطورات يرى المحلل السياسي، فاتح بن حمو، أن الجزائر وجهت اتهامات مباشرة للمغرب بضلوعه في الترويج لأخبار ومعلومات "مضللة من منطلق تبني منصات مغربية لتلك الأخبار المفبركة على شبكات التواصل الاجتماعي بطريقة ممنهجة"، مشيرا إلى "هجمة مركزة من حسابات مغربية".

وتابع بن حمو حديثه لـ"الحرة" قائلا إن الجهات المغربية التي تقف وراء هذه "الدعاية" استغلت تصريح سفير الجزائر في دمشق، كمال بوشامة، في مطلع ديسمبر الماضي، حين أفاد بوجود 500 مواطن جزائري مقيم يتعرض للحصار في حلب لوحدها بسبب الأوضاع الأمنية التي كانت تعرفها المدينة جراء زحف قوات المعارضة السورية عليها".

وأضاف المتحدث أن هذا التصريح "بتر وحرف بشكل فاضح، وعوض الحديث عن 500 جزائري، تحول بقدرة قادر إلي 500 جندي"، مؤكدا أن كل الصحف والمنصات المغربية تناقلت الخبر بشكل "متعمد في محاولة لتشويه الجزائر ومقاتلي جبهة البوليساريو"، مضيفا أنها ليست المرة الأولى التي يكثف "الذباب الإلكتروني المغربي من هجماته ضد الجزائر"، معتبرا أن تعليق وكالة الأنباء الرسمية "لم يخرج عن سياقه الحقيقي في الرد عما تداوله المغاربة".

وكانت الجزائر قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في أغسطس 2021، منددة بسلسلة "أفعال عدائية"، لا سيما في ما يتعلق بإقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه، والتطبيع مع إسرائيل ودعم حركة انفصال منطقة القبائل التي تصنفها الجزائر "منظمة إرهابية".

خطاب "العدو المتربص"

ومن مدينة وجدة شرق المغرب التي تتقاسم حدودها مع غرب الجزائر، يرى أستاذ العلاقات الدولية، خالد الشيات، أن ما صدر عن وكالة الأنباء الجزائرية من "اتهام مفصل للمغرب أمر معتاد"، متسائلا عن هوية الجهة التي ردت عليها وكالة الأنباء الرسمية.

وأشار الشيات في حديثه لـ "الحرة" إلى أن الرد.. إن كان يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي، فما نشر عليها "ليس موقفا رسميا أو حكوميا"، مضيفا أن هذه الأخبار "استمدت تفاعلها من التوافق الذي كان حاصلا بين النظام الجزائري والسوري بقيادة بشار الأسد".

ويعتقد المتحدث أن الهدف من اتهام الجزائر للمغرب بالوقوف وراء الترويج لهذه الأخبار هو"العودة مجددا للفت انتباه الرأي العام الداخلي في الجزائر إلى خصومة حكومته مع المغرب، والترويج لخطاب وجود عدو متربص دائم"، نافيا أن تكون وسائل إعلام رسمية، مثل وكالة الأنباء المغربية، تروج لمثل هذه الأخبار، داعيا الجزائر إلى "عدم تحميل المغرب مسؤولية خياراتها في التحالف مع نظام الأسد وحلفائه".