الرئيس الجزائري يسعى للفوز بولاية رئاسية جديدة سبتمبر المقبل

أثار كلام الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، عن التطبيع مع إسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينية، تساؤلات بشأن معاني ودلالات التوقيت، الذي يأتي وسط ظروف دولية وإقليمية مشحونة سياسيًا وعسكريًا.

وقال تبون إن الجزائر "ستكون على استعداد لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في اليوم ذاته الذي تكون فيه دولة فلسطينية كاملة"، وذلك في مقابلة له مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، الأحد، تطرق فيها إلى عدة قضايا تهم بلاده، من بينها الموقف من العلاقات مع إسرائيل.

ردود…

وأثار تصريح الرئيس الجزائري بشأن التطبيع المشروط مع إسرائيل ردودًا مختلفة، كان أبرزها من حركة مجتمع السلم (تيار الإخوان)، التي عادت للتذكير بتصريح سابق لتبون وصف فيه اتفاقيات إبراهيم بـ"الهرولة المرفوضة نحو التطبيع".

واعتبر الحزب الإخواني، في بيان الأحد، أن الجزائر "تتعرض لمحاولات مشبوهة وضغوط" من حلفاء إسرائيل لجرّها نحو التطبيع.

كما حفلت منصات التواصل بتحليلات متباينة، أرجعت موقف تبون إلى قمة بيروت عام 2002، التي طرحت فيها السعودية المبادرة العربية تحت شعار "الأرض مقابل السلام".

وحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، زهير بوعمامة، فإن الجزائر "ثابتة على موقفها (ليس ما قاله جديدًا، لأننا نلتزم بمبادرة السلام العربية منذ 2002) ولن تتنازل ولن تخضع لأي ابتزاز أو ضغط أو مساومة قد تأتي في المرحلة القادمة".

رسالة الرئيس؛ الجزائر ثابتة على موقفها (ليس ما قاله بالجديد لأننا ملتزمين بمبادرة السلام العربية منذ 2002) و لن تتنازل...

Publiée par Zoheir Bouamama sur Dimanche 2 février 2025

في المقابل، رأى الحقوقي ساسي هاشم أن موقف الجزائر "أبعد ما يكون عن موقف إيران من القضية الفلسطينية، وأقرب ما يكون إلى موقف أيرلندا، إسبانيا، والنرويج".

تقارب حذر

ولا يعدّ حديث التطبيع الجزائري مع إسرائيل جديدًا، فقد صافح الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، في الرباط، على هامش جنازة ملك المغرب الحسن الثاني، في يوليو 1999.

واعتبرت المصافحة بمثابة تقارب حذر، لكن بوتفليقة قال إنه لقاء "بمحض الصدفة"، كما زار بعدها وفد من الصحفيين الجزائريين إسرائيل عبر باريس.

وفي ربيع 2005، سمحت الحكومة الجزائرية لعشرات اليهود القادمين من بلدان مختلفة بالحج إلى ضريح الحاخام الأكبر إفرايم بن كاوا بمدينة تلمسان (غرب الجزائر)، التي تضم مقبرة ليهود الجزائر.

وإفرايم بن كاوا هو "الطبيب، والحاخام، والكاتب اللاهوتي، ومؤسس الطائفة اليهودية في تلمسان وشمال أفريقيا، توفي عام 1442، وفرّ من محاكم التفتيش الإسبانية، وهناك فقد والده وأمه"، وفق الموسوعة اليهودية.

وفي 2017، ذكرت وسائل إعلام جزائرية أن صحفيين جزائريين رافقوا زملاء لهم من تونس والمغرب، بدعوة من إسرائيل، للتعرف على "إسرائيل الحقيقية"، وفق ما كشف عنه، آنذاك، عوفير جندلمان، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

السياق التاريخي

ووفقًا لإحصاء أجرته حكومة فيشي عام 1941، كان عدد اليهود الجزائريين في حدود 111 ألفًا، بالإضافة إلى 6,625 من اليهود الأجانب.

وكان اليهود الجزائريون مواطنين فرنسيين، وفي عام 1870، منحهم مرسوم كريمييو الجنسية الفرنسية بالجملة.

وشاركوا في مؤسسات تعليمية، وسياسية، واجتماعية في المستعمرة الفرنسية، وفق ما جاء في موسوعة الهولوكوست.

تشديد اللهجة ضد إسرائيل

سياسيًا، شددت الجزائر لهجتها "المنتقدة" لإسرائيل عقب توقيع الأخيرة اتفاقيات إبراهيم مع بلدان عربية، أبرزها الجار المغربي، ثم اعتراف إسرائيل بسيادة الرباط على الصحراء الغربية.

واعتبرت الجزائر قرار إسرائيل الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية "انتهاكًا جديدًا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن"، وعلى إثر هذه التطورات، ظلت الجزائر تتهم إسرائيل بمحاولة استهدافها بالتنسيق مع المغرب.

تبون "محق"…

وتعليقًا على هذه التطورات، يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي، أحمد رواجعية، أن الرئيس الجزائري "محق في الإعلان عن استعداد بلاده للتطبيع مع إسرائيل في اللحظة التي يتم فيها الإعلان عن قيام دولة فلسطينية".

وأضاف أنه "من غير المعقول ألا تعترف الجزائر بإسرائيل إن حدثت تحولات جوهرية على النحو الذي اشترطه تبون".

وتابع رواجعية حديثه لموقع "الحرة"، قائلًا إن تصريح تبون "منطقي وواقعي وذكي، من منطلق معرفته بالعقبات التي تعترض قيام دولة فلسطينية".

وأضاف أنه "لا يمكن للجزائر أن تغرد خارج السرب إن حدث اعتراف إسرائيلي بدولة فلسطينية".

وفي رده على سؤال حول ما إذا كان الرئيس الجزائري حطم "تابو" الحديث عن التطبيع مع إسرائيل، يؤكد المتحدث أن الظروف السياسية والعالمية "تغيرت تمامًا".

لذلك، فإن تصريحات تبون "مقبولة دبلوماسيًا، وهو يريد الخروج من دائرة الرفض المطلق إلى القبول المشروط"، وفق رواجعية.

التوقيت… وقراءات متضاربة

في المقابل، رأى المحلل السياسي، سيف الإسلام بن عطية، أن مضمون ما أعلنه تبون عن التطبيع مع إسرائيل "ليس جديدًا، وهو موقف الدولة الجزائرية"، باعتبار أن البلاد كانت طرفًا في المبادرة العربية للسلام في بيروت عام 2002.

وقال بن عطية، لموقع “الحرة”، إن "سوء اختيار التوقيت، في خضم ما يجري في الشرق الأوسط منذ أكثر من سنة، جعل كلامه يأخذ منحى آخر، وقراءات متضاربة، بعضها اعتبر أن الموقف الجزائري تغير من القضية الفلسطينية".

وبشأن دلالات تصريح تبون على الصعيد العربي، يرى المتحدث أن الفترة الراهنة تتميز عربيًا "بالمناورات الفردية".

وأشار إلى أن الخيارات العربية في هذه الظروف "أصبحت مفروزة بين التطبيع الشامل، وبين التطبيع المعلق على شرط واحد".

جرائم "القاتل الصامت" في الجزائر

عاد هشام شعبان من صالة الرياضة إلى البيت. أشعل المدفأة قبل أن يتوجه إلى الحمام؛ ثم إلى المطبخ لتحضير وجبة طعام.

حتى تلك اللحظة، كان يوما عاديا من أيام يناير في الجزائر العاصمة.

لم تخطر في بال هشام الأخبار المنتشرة في عموم البلاد عن حوادث "القاتل الصامت".

في الغرفة، قرب المدفأة، شعر بألم غريب في عينيه. ظنّ في البداية أن سبب ذلك هو الإرهاق من التمارين، أو لأن الهواء البارد كان قد لفح وجه عندما غادر الجم قبل نحو ساعة، متعرقا.

"لكن الألم أخذ ينتشر في جسدي كله، خاصة في رأسي، وصرت أتنفس بصعوبة،" يقول هشام لموقع "الحرة".

"تحول الألم إلى غثيان. شعرت بدوخة، وأصبح ذهني مشوشا".

عندها فقط تذكر هشام الأحاديث عن مآسي تسرب مادة أحادي أوكسيد الكاربون في بيوت كثير من الجزائريين.

تذكر "القاتل الصامت،" الذي رسم خارطة للأحزان، امتدت من تلمسان غربي الجزائر، إلى ولاية سوق أهراس شرقا.

القاتل والضحايا

الضحايا من أعمار مختلفة في ولايات عدة.

سجلت السلطات 231 حادثا في شهر يناير وحده، هذا العام. قضى فيها 34 شخصا، وأنقذت فرق الحماية المدنية 554 شخصا آخرين.

في العام الماضي، سجلت البيانات الرسمية 964 حادثة تسرب غاز.

خلالها، قضى "القاتل الصامت" على حياة 119 شخصا".

يَنتج أحادي أوكسيد الكاربون من الاحتراق غير الكامل للغاز الطبيعي.

من دون لون، أو طعم، أو رائحة. لهذا يُسمى "القاتل الصامت".

ولأنه أكثف من الهواء، فهو يهيمن على الفضاء في الأماكن المغلقة.

وإذا لم تتدارك نفسك قبل فوات الأوان، قد تستلم لإغوائه، وتفقد الوعي، قبل أن تموت مختنقا بسبب انعدام الأوكسجين.

كاد هشام أن يستلقي على الكنبة ليرتاح قليلا. لو أخذ قيلولة ربما يتحسن حاله، فكّر.

لحسن الحظ، استجمع قواه، وتحرك بصعوبة. 

أطفأ المدفأة، وأغلق مصدر الغاز، وفتح باب البيت والنوافذ.

مع ذلك، لا يمكن الوثوق بالحظ دائما.

فاطمة عريف، التي تعيش مع أسرتها في مدينة سطيف، تواجه المشكلة بحذر شديد ويقظة دامعة.

فقدت خالها في حادث "تسرب" قبل خمس سنوات. ومنذ لك الحين، باتت حياتها محكومة بالخوف من تكرار المأساة.

"أصبح هاجس الغاز يرافقني في كل تفاصيل حياتي، خاصة قبل النوم، أو حتى عندما تدخل والدتي الحمام، يصيبني القلق وأظل يقظة، أراقب، طيلة الوقت".

الأثمان المدفوعة بالأرواح لحوادث الغاز كبيرة، في منطقة سطيف، شرقي الجزائر. فالبرد القارس يجبر السكان على استخدام وسائل التدفئة بكثافة.

"المناخ عندنا في الشرق أكثر برودة من العاصمة. وللأسف، عدد كثير من العائلات في منطقتنا فقدت أحباءها بسبب حوادث الغاز خلال فصل الشتاء،" تقول فاطمة.

تحاول السلطات تنبيه المواطنين بشأن خطورة أحادي أوكسيد الكاربون، تقول فاطمة.

"لكن الحرص مطلوب من الجميع.. لا يمكن أن نتحمل فقدان مزيد من الأرواح".

مبدأ "رابح-رابح".. لماذا تسعى الجزائر لتعديل اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي؟
رغم أن الجزائر ما انفكت تؤكد أن ميزان الشراكة يميل لصالح دول الاتحاد الأوروبي، فإن الطرف الأوروبي يتهم الجزائر "بتقييد صادرات الاتحاد الأوروبي واستثماراته، منذ سنة 2021"، داعيا إلى إجراء مشاورات مع السلطات الجزائرية.

"دفاتر عائلية أُغلقت"

أصبحت حوادث الاختناق بغاز أحادي أكسيد الكربون من أكبر الهواجس بالنسبة للجزائريين خلال فصل الشتاء، يقول عضو منظمة حماية المستهلك، فادي تميم، لموقع "الحرة".

ويضيف "كل عام نشهد إغلاق دفاتر عائلية بأكملها (بعد وفاتها بسبب الغاز)، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الحماية المدنية والسلطات العمومية وجمعيات المجتمع المدني في مجال التوعية وترقية السلوك الاستهلاكي".

بالنسبة لتميم، تكمن المشكلة في "استخفاف" بعض المواطنين بالموضوع.

"عندما يسمع المستهلك عن حالة وفاة بسبب الغاز، يعتقد أن هذا الأمر يحدث لغيره ولن يحدث له، وهذا ما يؤدي إلى عدم الاحتياط، رغم أنه يمكن تفادي الاختناق بضمان استمرارية تهوية المنزل".

"البرد لا يقتل، لكن غاز أحادي أكسيد الكربون يقتل عائلات بأكملها".

وتحدث هو عضو في منظمة حماية المستهلك عن تطور إجراءات الوقاية التي أقرتها السلطات.

وقال طالبت المنظمة في 2018-2019 بتوفير أجهزة الكشف عن الغاز مع إمكانية اقتطاع ثمنها على مراحل، "قبل أن يقر رئيس الجمهورية توزيعها مجانا".

وبالفعل زودت السلطات المساكن بكاشفين بدلا من واحد، لكن ذلك لم يحل المشكلة.

"ما زالت أرقام الاختناقات مرتفعة"، يقول تميم.

مصدر التسرب

تشكل سخانات الماء المصدر الرئيسي لتسرب غاز أحادي أكسيد الكربون في المنازل الجزائرية، خاصة عند عدم تجهيزه بأنبوب لتصريف الغازات المحترقة إلى الخارج، أو في حال انسدادها.

وتشير الحوادث إلى أن المدافئ التقليدية ومواقد التدفئة والطهي التقليدية من المصادر الشائعة للتسمم، خصوصا عندما توضع في أماكن مغلقة تفتقر للتهوية الكافية.

ويعتمد معظم السكان في الجزائر على غاز المدينة الذي توفره شركة توزيع الكهرباء والغاز، لكن الأجهزة المستخدم للتدفئة والطهي تسخين المياه هي السبب في معظم حوادث الاختناق.

بل، يستدرك تميم، ليس الأجهزة هي السبب، فهي تخضع لرقابة صارمة من وزارة التجارة.

"المشكلة تكمن في استخدام قطع غيار غير أصلية عند الإصلاح، وإهمال الصيانة الدورية، وانسداد مخارج الغازات المحترقة".

بالإضافة إلى "إجراء بعض السكان تغييرات عشوائية على هذه المخارج، ما يمنع تصريف الغازات إلى الخارج ويؤدي إلى عودتها إلى المنازل"، مما يسبب في مآسي.

النزيف مستمر

خلال أيام الأسبوع الماضي، كان الحظ حليف عائلة من ثلاثة أفراد في تلمسان. نجوا بأعجوبة من الموت اختناقا بعد انتشار أحادي أوكسيد الكاربون من سخان ماء.

وفي ولاية أهراس، تسبب انتشار المادة القاتلة من موقد تقليدي في وفاة شيخ داخل حمام منزله.

وكان موقد فحم سببا في مأساة مماثلة في بجاية، شمال شرقي البلاد. وفي الجلفة، أجهز "القاتل الصامت" على شخص في ريعان شبابه.

حاول موقع "الحرة" التواصل مع مسؤولين في الحماية المدنية في الجزائري، حول الموضوع، لكن لم يحصل على أي رد حتى إعداد التقرير.