توسعت دائرة تحرك ميلشيا فاغنر، لتشمل ليبيا ودولا أفريقية أخرى مثل مالي
توسعت دائرة تحرك ميلشيا فاغنر، لتشمل ليبيا ودولا أفريقية أخرى مثل مالي

عادت قضية "مرتزقة فاغنر" الروسية لواجهة الاهتمام الجزائري، بعد تأكيد الرئيس عبد المجيد تبون، في حواره مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، الأحد الماضي، أن بلاده "ترفض وجود قوات مرتزقة على حدودها وأبلغت روسيا بذلك".

وكان تبون يشير إلى نشاط قوات فاغنر في عدد من دول الساحل، وفي مقدمتها مالي التي تتقاسم حدودا شاسعة مع الجزائر.

وتأسست المجموعة العسكرية الروسية، فاغنر، بالتزامن مع الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم عام 2014. وعملت على دعم المجموعات الانفصالية في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، قبل أن تتوسع بأنشطتها لتصبح ذراع موسكو في دول عدة.

وعملت المجموعة في حوالي 30 دولة، ولديها معسكرات تدريب في روسيا، وترتبط إدارتها وعملياتها ارتباطا وثيقا مع المجتمع العسكري والاستخباراتي الروسي، وفقا لبحث أجراه "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن.

أين تتواجد فاغنر ولماذا؟

و"استغلت" روسيا الانقلابات الأخيرة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر "لترسيخ وجودها في منطقة الساحل"، حسب تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الذي نشره في أغسطس الماضي. 

و"توفر الحماية للأنظمة العسكرية في منطقة الساحل مقابل الوصول إلى الموارد الطبيعية ذات الأهمية الاستراتيجية مثل الذهب، ما يساعدها في التحايل على العقوبات الغربية وتمويل الحرب في أوكرانيا".

واستفادت روسيا من البنية التحتية التي وفرتها مجموعة فاغنر في المناطق الخاضعة لخليفة حفتر شرق ليبيا، كالقواعد الجوية في الرحلات التي تنقل المعدات والأفراد المسافرين من القواعد الروسية في سوريا إلى مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، من بين دول أخرى، وفق المصدر نفسه.

ويذكر معهد واشنطن أن السفير الروسي في مالي أول دبلوماسي أجنبي التقى بممثلي القادة العسكريين الذين استولوا على السلطة في أغسطس 2020، الذين طلبوا لاحقًا "المساعدة من شركات عسكرية خاصة روسية لمحاربة المتمردين الإسلاميين، لقاء 10.8 مليون دولار شهريًا مقابل التدريب العسكري وتوفير الحماية لكبار المسؤولين".

وبحلول يناير 2022، أكدت السلطات المالية وجود حوالي 400 عسكري روسي، بما في ذلك مجموعة "فاغنر". وبلغ هذا الوجود ذروته مع تخطي العدد 2000 عسكري في أوائل 2023، فيما تشير التقديرات الحالية إلى وجود حوالي 1000 جندي روسي.

أما في بوركينا فاسو فإن التقديرات الأخيرة تشير إلى عدد إجمالي للأفراد العسكريين الروس يتراوح بين 200 إلى 300 عنصر، بما في ذلك "أعضاء مديرية المخابرات الرئيسية الروسية، وفيلق أفريقيا، وجنود فاغنر السابقين..".

وأدى الانقلاب العسكري في النيجر سنة 2023 إلى انسحاب القوات الأميركية من القاعدة الجوية في منطقة أغاديس، بطلب من قادة الانقلاب، الذين سمحوا لعناصر عسكرية مسلحة روسية بالانتقال من ليبيا للنيجير.

"فضائع" فاغنر.. بداية القلق

ووثقت منظمات حقوقية غير حكومية ما وصفته بـ "الانتهاكات المروعة"، وقالت منظمة هيومن راتس ووتش، في تقرير لها صادر في مارس 2024 إن الجيش المالي وفاغنر "يرتكبان فضائع ضد المدنيين" بطائرات بدون طيار "تركية الصنع".

وطالبت بـ "إجراء تحقيقات في الغارات الجوية العشوائية بطائرات بدون طيار وعمليات القتل الميداني".

كما أن هناك "تصورات قوية بأن فاغنر ساهمت بشكل ضئيل نسبيًا في كفاح مالي ضد الجماعات الجهادية، وربما تكون قد أشرفت على تدهور الوضع"، مثلما أشار إلى ذلك تقرير، صدر العام الماضي، عن المعهد الإنجليزي الملكي للخدمات المتحدة والدراسات الدفاعية والأمنية.

وذكر المعهد الإنجليزي أن مجموعة فاغنر "تبدو غير محبوبة للغاية بين الطوارق في شمال مالي أيضًا، نظرًا لدورها في إعادة الحرب إلى المنطقة وتدمير اتفاق يونيو 2015 مع المتمردين الطوارق (اتفاق الجزائر للسلام).

الجزائر والتدخل لـ"حفظ السلم"

وتعليقا على تجدد النقاش الجزائري بشأن نشاط قوات فاغنر، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، محمد هدير، أن مخاوف الجزائر "موضوعية بشأن بقاء قوات غير منضبطة تمارس نشاطات عسكرية غير مراقبة لمن يدفع أكثر".

ويشير محمد هدير، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى أنه "من حق الجزائر حماية أمنها القومي، ولو تطلب ذلك القيام بعمليات خارج الحدود الجزائرية"، وهو الإجراء الذي يخوله دستور 2020 للجيش بعنوان "مهام حفظ السلم".

ويعتبر المتحدث رفض الرئيس تبون "وجود قوات مرتزقة على حدود بلاده"، وتبليغ روسيا بذلك"، تحذيرا من تفاقم أو تعقد الأوضاع الأمنية بسبب ما تقوم به مرتزقة فاغنر من نشاطات عسكرية "قد يدفع عدم التوقف عنها بالجزائر إلى حفظ أمن حدودها بكل الوسائل المتاحة".

وطفى الخلاف الجزائري بشأن تواجد مرتزقة فاغنر في يوليو 2024، عندما خاضت هذه القوات الروسية المنشأ معركة ضد تنظيمات الأزواد (الطوارق الذين يسعون للانفصال بشمال مالي عن باماكو). 

وتكبدت فاغنر رفقة عناصر الجيش المالي خسائر بشرية فادحة وأخرى مادية خلال الفترة ما بين 22 إلى 27 يوليو 2024، بمدينة تين زواتين بأقصى شمال مالي قريبا من الحدود الجنوبية للجزائر.

ومع تجدد المعارك والهجومات التي تقودها قوات فاغنر رفقة الجيش المالي، طلبت الجزائر من روسيا وقف عمليات هذه القوات على حدودها الجنوبية. 

وقال وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، في ديسمبر الماضي، إنه أبلغ الروس بأن الجزائر لن تسمح ولن تقبل بأن يُنظر لحركات سياسية (الأزواد) كانت طرفاً موقعاً على اتفاق الجزائر للسلم في مالي، بين ليلة وضحاها على أنها عصابات إرهابية".

سيادة مالي

بينما "يستغرب" خبير الشؤون الأفريقية، مصطفى سنكاريه، المقيم في باماكو، رفض الجزائر تواجد قوات أجنبية على الجانب الآخر من التراب المالي المحاذي لحدودها، مضيفا أنه "ليس من حق الجار الشمالي أن يتدخل في أمر نشر قوات تستعين بها الحكومة المالية لأغراض أمنية معينة".

وقال سنكارية، لموقع "الحرة"، إن التدخل في قرار نشر قوات على الحدود "مس بسيادة باماكو على أراضيها وتدخل في شؤونها الداخلية".

ويضيف المتحدث أن "هذا المنطق بعيد كل البعد عن ديبلوماسية العلاقات السوية"، مؤكدا أن السياسة التي تنتهجها الجزائر هي التي تثير المشاكل بين البلدين، حيث لا تشعر مالي من خلالها بالاحترام المتبادل من طرف جارتها الشمالية".

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

اعتبر رئيس الجزائر عبد المجيد تبون أن هناك "فوضى عارمة وجلبة سياسية (في فرنسا) حول خلاف تم افتعاله بالكامل" مع بلاده.

وأوضح تبون خلال لقاء إعلامي، السبت، أنه كان هناك بالفعل سوء تفاهم، لكن إيمانويل ماكرون "يبقى رئيس الجمهورية الفرنسية".

وتابع في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية: "بالنسبة لي فإن تسوية الخلافات يجب أن تكون، سواء معه (ماكرون) أو مع الشخص الذي يفوضه، أي وزيره للشؤون الخارجية، وهو الصواب".

وأشار تبون إلى أن الجزائر و فرنسا دولتان مستقلتان.. "قوة أفريقية وقوة أوروبية ورئيسان يعملان سويا"، مؤكدا أن "الباقي لا يعنينا".

وبخصوص زيارات مسؤولين رسميين فرنسيين إلى الصحراء الغربية، قال تبون إن هذه الزيارات "ليست استفزازا".

وتابع: "فرنسا والمغرب يتفقان جيدا وهذا أمر لا يزعجنا".

وفي مارس الجاري، لم تستبعد الخارجية الفرنسية إمكانية "الدخول في حوار مع الجزائر من أجل إحراز تقدم بشأن القضايا" التي تهم الطرفين.

وأشارت المتحدثة بالنيابة للخارجية الفرنسية، جوزيفا بوغنون، لـ"الحرة" إلى أنه "لا مجال للدخول في تصعيد لا مصلحة للجزائر ولا لفرنسا فيه".

وشددت على أن باريس "تظل متمسكة بعلاقتها الفريدة والطويلة الأمد مع الجزائر والشعب الجزائري. وما يزال هناك مجال للحوار".

وتشهد العلاقات الثنائية بين البلدين توترا مؤخرا،  إذ استدعت الخارجية الجزائرية، في مارس، السفير الفرنسي لديها، وأبلغته بـ"خطورة مشروع المناورات العسكرية الفرنسية-المغربية المزمع إجراؤها في شهر سبتمبر المقبل في الراشيدية بالقرب من الحدود الجزائرية، وذلك تحت مسمى شرقي 2025 الذي يحمل الكثير من الدلالات"، معتبرة الخطوة بمثابة "استفزاز".

كما يعرف ملف الهجرة بين البلدين جدلا سياسيا وقانونيا واسعا، بعد رفض الجزائر استقبال مواطنيها المرحلين، وفي هذا السياق، جددت الخارجية الفرنسية (الكي دورسيه) تأكيداتها لـ"الحرة" أن بلادها ستقدم للجزائر "قائمة بالأشخاص الذين سيتم ترحيلهم" خلال أسابيع.

ورفضت الجزائر استقبال عدد من مواطنيها الذين لم تُسو أوضاعهم في فرنسا والذين رحلتهم باريس، ومن بينهم "منفذ هجوم أودى بحياة شخص في 22 فبراير في مولوز في شرق فرنسا".

وأدى الرفض إلى المزيد من التوتر في العلاقات المضطربة منذ اعتراف فرنسا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في يوليو 2024.