الكاتب الجزائري الفرنسي بوعالم صنصال
الكاتب الجزائري الفرنسي بوعالم صنصال

تجددت النقاشات بين الجزائر وفرنسا عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بشأن قضية الكاتب بوعلام صنصال بعد مضي أكثر من مائة يوم على اعتقاله.

وفي هذا السياق، كتب وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو تدوينة على منصة إكس قائلاً "أولئك الذين اعتقلوه تعسفًا وحرموه من الرعاية والزيارات، ألحقوا العار بالجزائر". 

وأشار إلى أن اعتقاله جاء لأنه كان "حرًا للغاية: حرًا في أن يصبح فرنسيًا، حرًا في التفكير ضد الإسلاموية، وحرًا في أن يكون كاتبًا".

وتصاعدت حدة النقاش بفرنسا بعد أن رفض رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دو فيلبان، وصف الجزائر بـ"الديكتاتورية"، في حوار له مع قناة "BFMTV".

وفي المقابلة، تحدث دو فيلبان عن قضية الكاتب صنصال، موضحا "إذا قلت لكم اليوم إنها دكتاتورية فإنني أدخل في سيناريو يقودني، على المستوى السياسي والدبلوماسي، إلى طريق مسدود تماما في علاقاتنا مع الجزائر ".

وبعكس ذلك، تساءلت صحيفة "ماريان" الفرنسية" عما إذا كانت أوروبا "تغض الطرف" عن الاعتقال "التعسفي" لبوعلام صنصال".

واعتبرت الصحيفة أن الاعتقال يشكل "انتهاكا لحرية التعبير، وإهانة لكل القيم التي تقوم عليها أوروبا، واختبارا حاسما للديمقراطيات التي تدعي الدفاع عن الحقوق الأساسية".

من جهة أخرى، لم تُظهر السلطات الجزائرية أي تغيير في موقفها تجاه بوعلام صنصال. 

وكان الكاتب قد صرّح في أكتوبر الماضي لوسائل إعلام فرنسية بأن مناطق من الغرب الجزائري "تعود تاريخيا للمغرب"، مما أثار موجة غضب واسعة في الجزائر على مختلف الأصعدة.

وفي منتصف نوفمبر الماضي، اعتقلت السلطات الجزائرية صنصال في مطار العاصمة لدى عودته من باريس، وانقطعت أخباره عن عائلته وأصدقائه. 

وبعد أسبوع، نشرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية تعليقًا وصفت فيه صنصال بـ"دمية التحريف"، ردًا على الحملة الفرنسية ضد صمت السلطات الجزائرية، مع اعتراف ضمني باعتقاله.

ووُجهت إلى صنصال تهم بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، التي تُعرّف الأعمال الإرهابية أو التخريبية بأنها كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي. أثارت هذه التهم موجة تضامن واسعة في الأوساط السياسية والثقافية داخل فرنسا وخارجها. 

ولاحقًا، وصف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الكاتب صنصال بـ"اللص" خلال حديثه لصحيفة فرنسية، بينما اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن "الجزائر تسيء لسمعتها".

وبعد مرور مائة يوم على اعتقاله، أعلن محامي بوعلام صنصال أن موكله بدأ إضرابًا عن الطعام. 

وأوضح المحامي أنه حصل على هذه المعلومات من مصدر قضائي. وعبّر المحامي فرنسوا زيمراي عن قلقه بشأن صحة صنصال، وكذلك حول إمكانية حصوله على محاكمة عادلة.

غير أن نقيب المحامين في الجزائر، محمد بغدادي، نفى الثلاثاء أن يكون صنصال قد بدأ إضرابا عن الطعام أو أوقف علاجه.

وأشار إلى أن الكاتب "ألغى توكيلات جميع وكلاء الدفاع عنه"، وفق ما نقلته عنه فرانس برس.

عقوبة قبل الإفراج

وفي تعليقه على هذه التطورات، يرى الإعلامي الجزائري محمد إيوانوغان أن السلطات في الجزائر ستستمر في محاكمة بوعلام صنصال، متوقعًا أن تتم إدانته بـ"عقوبة شديدة" قبل الإفراج عنه بعفو خاص.

ويشير إيوانوغان، في تصريحه لـ"الحرة"، إلى أن "من تقاليد السلطة في الجزائر معاقبة من يخرجون عن الصف بشدة، ثم الإفراج عنهم بطريقة توحي بالرحمة"

كما يعتقد الإعلامي الجزائري أن العدالة ستكون "الخاسر الأكبر" في قضية سجن ومتابعة الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال.

من متهم إلى مدان

في المقابل، يعتقد المحلل السياسي، سيف الإسلام عطية، أن اعتقال صنصال وطريقة الإخراج الإعلامية والسياسية لقضيته "ورطت السلطة بفعل الحماس الزائد والرغبة في تسجيل موقف لتحريك الرأي العام لصالحها".

واعتبر عطية في تصريحه لـ"الحرة" أن كل هذه العوامل حولت صنصال "من متهم إلى مدان"، معتبرا المواقف الرسمية التي واكبت قضية الكاتب من أسباب "الخلل في تسيير ملف قضائي وتحويله إلى قضية دولة".

قوات أمن خارج مقر محكمة في الجزائر
بعد صنصال.. مطالب بحسم ملف "معتقلي الحراك" في الجزائر
يشكل ملف معتقلي الحراك في الجزائر اهتماما خاصا بين الناشطين ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية.

وترى منظمة العفو الدولية (أمنيستي) أن ما بين 250 و 300 سجين رأي لازالوا في السجون الجزائرية، وذلك ضمن حملة لها تحت شعار "أطلقوا سراح معتقلي الحراك في الجزائر".

ويرى المتحدث أن وصف السلطة للصحفيين المعتقلين، في وقت سابق، بـ "الخبارجية" (الجواسيس)، و"صم آذانها" عن المناشدات للإفراج عن معتقلي الرأي، كلها "سوابق تؤكد أنه لا وجود لمخرج سياسي قريب، في انتظار إحالة صنصال على المحكمة وانتظار الأحكام التي ستصدر، خاصة أنه متابع بتهم جد خطيرة".

إجراء "سيادي"

وبعكس ذلك، ينتقد المحامي فاروق قسنطيني، في تصريحه لـ"الحرة"، حجم "الضغط" الحاصل من طرف الفرنسيين على السلطات الجزائرية للإفراج عن بوعلام صنصال.

وأضاف أن الفرنسيين "سيسوا القضية"، ومارسوا "التضليل والتهويل الإعلامي والسياسي"، موضحا أن سجن صنصال لا زال ضمن "الآجال القانونية المعقولة قبل محاكمته".

ويرى المتحدث أن باريس تتجاهل بأن بوعلام صنصال أدلى بتصريحاته التي "تمس الوحدة الوطنية"، في وقت "لم يكن قد تحصل فيه على الجنسية الفرنسية".

واعتبر المحامي فاروق قسنطيني أن محاكمته تتم "على هذا الأساس"، وهي إجراء "سيادي من اختصاص القضاء الجزائري" لا يمكن لأي جهة التدخل فيه.

الكاتب الفرانكو جزائري بوعلام صنصال
الكاتب بوعلام صنصنال يواجه تهما ثقيلة أمام القضاء الجزائري

طالبت النيابة العامة بمحكمة الجنح في العاصمة الجزئرية، الحكم بعقوبة عشر سنوات سجنا نافذا في حق الكاتب الجزائري الفرنسي، بوعلام صنصال بتهمة المساس "بوحدة الوطن".

كما طالبت النيابة بغرامة مالية بمليون دينار جزائري بحق الكاتب الذي ساهم اعتقاله في تفاقم التوتر المتواصل بين فرنسا والجزائر.

ومثل صنصال أمام قاضي الجنح، صبيحة الأربعاء، للرد على الأسئلة المتعلقة بالتهم المنسوبة إليه، وفق ما نقلت وسائل إعلام جزائرية.

ويتهم الكاتب بالمساس بوحدة الوطن وإهانة هيئة نظامية والقيام بممارسات من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني، وكذا حيازة فيديوهات ومنشورات تهدد الأمن والاستقرار الوطني.

ونقل موقع "أوراس" الجزائري إن صنصال نفى خلال استجوابه من طرف المحكمة، وجود أي نية للإساءة إلى الجزائر من خلال منشوراته.

وأوضح صنصنال أمام القضاة أن منشوراته مجرد تعبير عن الرأي، كما يفعل أي مواطن جزائري، موضحا أنه لم يدرك "ما قد تحمله بعض عباراته من مساس بالمؤسسات الوطنية"، بحسب ذات المصدر.

وقرّرت المحكمة تأجيل النطق بالحكم إلى تاريخ 27 مارس الجاري، بعد الاستماع إلى أقوال المتهم ومرافعات النيابة، والتماس العقوبة المذكورة.

وصنصال كاتب جزائري يحمل الجنسية الفرنسية، وسبق له العمل في وزارة الصناعة الجزائرية. اشتهر بمواقفه المعارضة والناقدة للنظام، كما عُرف بمناهضته للإسلاميين المتشددين. وهو حاصل على الجائزة الكبرى الفرنسية للرواية مناصفة مع الكاتب الفرنسي التونسي، الهادي قدور، في 29 أكتوبر 2015.

وأوقفت الشرطة الجزائرية صنصال (75 سنة) يوم 16 نوفمبر الماضي، بالمطار الدولي هواري بومدين، بينما أشارت وكالة الأنباء إلى أن تصريحاته حول تاريخ الجزائر "كانت تجاوزا للخطوط الحمر".

وأثار صنصال جدلا أعقب مقابلة مع "فرانتيير ميديا" الفرنسية، قال فيها إن "مدنا بالغرب الجزائري كانت تاريخيا جزءا من المغرب مثل تلمسان ووهران ومعسكر"، وردا على ذلك وصفت الجزائر صنصال بـ "محترف التزييف".

كما انتقد النظام الجزائري، مشيراً إلى أن قادته "اخترعوا جبهة البوليساريو لضرب استقرار المغرب". وانتقدت أوساط سياسية وجزائرية هذه التصريحات واعتبرتها "مجانبة للصواب".

وطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإطلاق سراح الكاتب الذي تسبب اعتقاله في توتر العلاقات بين باريس والجزائر.