تجددت النقاشات بين الجزائر وفرنسا عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بشأن قضية الكاتب بوعلام صنصال بعد مضي أكثر من مائة يوم على اعتقاله.
وفي هذا السياق، كتب وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو تدوينة على منصة إكس قائلاً "أولئك الذين اعتقلوه تعسفًا وحرموه من الرعاية والزيارات، ألحقوا العار بالجزائر".
وأشار إلى أن اعتقاله جاء لأنه كان "حرًا للغاية: حرًا في أن يصبح فرنسيًا، حرًا في التفكير ضد الإسلاموية، وحرًا في أن يكون كاتبًا".
Aujourd’hui, cela fait 100 jours que Boualem Sansal est enfermé dans une geôle algérienne pour avoir été trop libre : libre de devenir Français, libre de penser contre l’islamisme, libre d’être écrivain.
— Bruno Retailleau (@BrunoRetailleau) February 24, 2025
Ceux qui l’ont enfermé arbitrairement, qui le privent de soins ou de… pic.twitter.com/HwcYMoFA4i
وتصاعدت حدة النقاش بفرنسا بعد أن رفض رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دو فيلبان، وصف الجزائر بـ"الديكتاتورية"، في حوار له مع قناة "BFMTV".
وفي المقابلة، تحدث دو فيلبان عن قضية الكاتب صنصال، موضحا "إذا قلت لكم اليوم إنها دكتاتورية فإنني أدخل في سيناريو يقودني، على المستوى السياسي والدبلوماسي، إلى طريق مسدود تماما في علاقاتنا مع الجزائر ".
Pour Dominique de Villepin, l’Algérie n’est pas une dictature 🤦🏻♂️ pic.twitter.com/Fhr8O11K8w
— Destination Télé (@DestinationTele) February 23, 2025
وبعكس ذلك، تساءلت صحيفة "ماريان" الفرنسية" عما إذا كانت أوروبا "تغض الطرف" عن الاعتقال "التعسفي" لبوعلام صنصال".
واعتبرت الصحيفة أن الاعتقال يشكل "انتهاكا لحرية التعبير، وإهانة لكل القيم التي تقوم عليها أوروبا، واختبارا حاسما للديمقراطيات التي تدعي الدفاع عن الحقوق الأساسية".
من جهة أخرى، لم تُظهر السلطات الجزائرية أي تغيير في موقفها تجاه بوعلام صنصال.
وكان الكاتب قد صرّح في أكتوبر الماضي لوسائل إعلام فرنسية بأن مناطق من الغرب الجزائري "تعود تاريخيا للمغرب"، مما أثار موجة غضب واسعة في الجزائر على مختلف الأصعدة.
وفي منتصف نوفمبر الماضي، اعتقلت السلطات الجزائرية صنصال في مطار العاصمة لدى عودته من باريس، وانقطعت أخباره عن عائلته وأصدقائه.
وبعد أسبوع، نشرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية تعليقًا وصفت فيه صنصال بـ"دمية التحريف"، ردًا على الحملة الفرنسية ضد صمت السلطات الجزائرية، مع اعتراف ضمني باعتقاله.
ووُجهت إلى صنصال تهم بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، التي تُعرّف الأعمال الإرهابية أو التخريبية بأنها كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي. أثارت هذه التهم موجة تضامن واسعة في الأوساط السياسية والثقافية داخل فرنسا وخارجها.
ولاحقًا، وصف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الكاتب صنصال بـ"اللص" خلال حديثه لصحيفة فرنسية، بينما اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن "الجزائر تسيء لسمعتها".
وبعد مرور مائة يوم على اعتقاله، أعلن محامي بوعلام صنصال أن موكله بدأ إضرابًا عن الطعام.

وأوضح المحامي أنه حصل على هذه المعلومات من مصدر قضائي. وعبّر المحامي فرنسوا زيمراي عن قلقه بشأن صحة صنصال، وكذلك حول إمكانية حصوله على محاكمة عادلة.
غير أن نقيب المحامين في الجزائر، محمد بغدادي، نفى الثلاثاء أن يكون صنصال قد بدأ إضرابا عن الطعام أو أوقف علاجه.
وأشار إلى أن الكاتب "ألغى توكيلات جميع وكلاء الدفاع عنه"، وفق ما نقلته عنه فرانس برس.
عقوبة قبل الإفراج
وفي تعليقه على هذه التطورات، يرى الإعلامي الجزائري محمد إيوانوغان أن السلطات في الجزائر ستستمر في محاكمة بوعلام صنصال، متوقعًا أن تتم إدانته بـ"عقوبة شديدة" قبل الإفراج عنه بعفو خاص.
ويشير إيوانوغان، في تصريحه لـ"الحرة"، إلى أن "من تقاليد السلطة في الجزائر معاقبة من يخرجون عن الصف بشدة، ثم الإفراج عنهم بطريقة توحي بالرحمة"
كما يعتقد الإعلامي الجزائري أن العدالة ستكون "الخاسر الأكبر" في قضية سجن ومتابعة الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال.
من متهم إلى مدان
في المقابل، يعتقد المحلل السياسي، سيف الإسلام عطية، أن اعتقال صنصال وطريقة الإخراج الإعلامية والسياسية لقضيته "ورطت السلطة بفعل الحماس الزائد والرغبة في تسجيل موقف لتحريك الرأي العام لصالحها".
واعتبر عطية في تصريحه لـ"الحرة" أن كل هذه العوامل حولت صنصال "من متهم إلى مدان"، معتبرا المواقف الرسمية التي واكبت قضية الكاتب من أسباب "الخلل في تسيير ملف قضائي وتحويله إلى قضية دولة".

وترى منظمة العفو الدولية (أمنيستي) أن ما بين 250 و 300 سجين رأي لازالوا في السجون الجزائرية، وذلك ضمن حملة لها تحت شعار "أطلقوا سراح معتقلي الحراك في الجزائر".
ويرى المتحدث أن وصف السلطة للصحفيين المعتقلين، في وقت سابق، بـ "الخبارجية" (الجواسيس)، و"صم آذانها" عن المناشدات للإفراج عن معتقلي الرأي، كلها "سوابق تؤكد أنه لا وجود لمخرج سياسي قريب، في انتظار إحالة صنصال على المحكمة وانتظار الأحكام التي ستصدر، خاصة أنه متابع بتهم جد خطيرة".
إجراء "سيادي"
وبعكس ذلك، ينتقد المحامي فاروق قسنطيني، في تصريحه لـ"الحرة"، حجم "الضغط" الحاصل من طرف الفرنسيين على السلطات الجزائرية للإفراج عن بوعلام صنصال.
وأضاف أن الفرنسيين "سيسوا القضية"، ومارسوا "التضليل والتهويل الإعلامي والسياسي"، موضحا أن سجن صنصال لا زال ضمن "الآجال القانونية المعقولة قبل محاكمته".
ويرى المتحدث أن باريس تتجاهل بأن بوعلام صنصال أدلى بتصريحاته التي "تمس الوحدة الوطنية"، في وقت "لم يكن قد تحصل فيه على الجنسية الفرنسية".
واعتبر المحامي فاروق قسنطيني أن محاكمته تتم "على هذا الأساس"، وهي إجراء "سيادي من اختصاص القضاء الجزائري" لا يمكن لأي جهة التدخل فيه.