تطرح الجزائر مقاربة اقتصادية لمواجهة الهجرة والإرهاب المتنامي في مناطق الساحل والصحراء الكبرى، بإقامة مشاريع شراكة اقتصادية وتجارية للوكالة الوطنية للتضامن والتنمية الدولية مع عدد من دول المنطقة خصوصا النيجر ومالي وبوركينافاسو.
وفي هذا السياق وقع وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أمس الثلاثاء، مع نظيره النيجري، بكاري ياوسانغاري، اتفاقية للتسهيلات الإدارية والجمركية "الكفيلة بتنفيذ المشاريع المخصصة لدولة النيجر من قبل الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية”، وفق بيان الخارجية.
تهدف الجزائر من خلال هذه المشاريع إلى معالجة التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في منطقة الساحل، وذلك بخلق فرص اقتصادية تُشجع السكان على الاستقرار، وتحدّ من الهجرة غير الشرعية، وتعيق أنشطة شبكات تهريب الأسلحة والمخدرات، وتضعف الجماعات الإرهابية المسلحة. وتعتبر هذه الشراكات ركيزة أساسيةً في استراتيجية الجزائر لمكافحة هذه الظواهر.
وتشكل الوكالة الوطنية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية "اليد الناعمة" للجزائر في المنطقة، وفق محللين، وقد تأسست في فبراير 2020، وهي مؤسسة حكومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، تتبع رئاسة الجمهورية، ويمكن لها أن تتوفر على ممثليات في الخارج، ومقرها بالعاصمة الجزائرية.
ومن مهامها المشاركة في إعداد وتنفيذ السياسة الوطنية للتعاون الدولي في المجال الاقتصادي والاجتماعي والإنساني والثقافي والديني والتربوي والعلمي والتقني، والمساهمة في تحضير مشروع ميزانية التعاون الدولي وضمان تنفيذها، وفق المرسوم التنفيذي لإنشائها.
كما تقدم الوكالة المساعدة لعمل الجهاز الدبلوماسي والوزارات المعنية من أجل التعبئة المثلى للمساعدة التقنية والمالية الخارجية في خدمة التنمية الوطنية، ضمان متابعة التسيير التقني والمالي لمشاريع المساعدة والتعاون الدولي لصالح بلدان أخرى.
وتنسق الوكالة تنفيذ سياسة تكوين الأجانب في الجزائر وتكوين الجزائريين في الخارج، وذلك بالاتصال مع الوزارات المعنية، وترقية توظيف الكفاءات الوطنية في الخارج في إطار التعاون الدولي وضمان متابعة ذلك، وتنظيم دورات التكوين، في مجال إدارة مشاريع التعاون الدولي العمل الإنساني والتضامن لفائدة بلدان أخرى، وفق تقرير سابق لوكالة الأنباء الجزائرية.
ويسير الوكالة مدير عام برتبة مستشار لدى رئاسة الجمهورية، بينما يتألف مجلسها من مدير ديوان الرئاسة، ووزراء الخارجية والداخلية والمالية إلى جانب الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني، حسب المصدر نفسه.
وفي ماي 2023، أعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، عن تخصيص ميزانية لهذه الوكالة تقدر بنحو واحد مليار دولار، لإنجاز مشاريع في مجالات الصحة والتعليم والمياه في مالي والنيجر، ومشاريع أخرى لتكوين إطارات من دول الساحل.
خلفيات ديبلوماسية وسياسية
وفي تعليقه على آلية التعاون الدولي للجزائر في أفريقيا، أكد خبير الحسابات المالية، نبيل جمعة، أن نشاط الوكالة الوطنية يتضمن خلفيات "ديبلوماسية وسياسية، لكسب ثقة حكومات دول الساحل"، خصوصا المجاورة حدوديا للجزائر.
وتباعا لذلك يرى نبيل الجمعة، في حديثه لموقع "الحرة"، أن الاستثمارات التي تقوم بها البلاد عن طريق هذه الوكالة "ترسخ حضور الميداني للجزائر في الساحل، رغم مخاطر النزاعات المسلحة والانقلابات التي تغذيها أطراف خارجية".
وحسب المتحدث، فإن الوكالة الوطنية للتعاون الدولي "تسعى لتأمين المشاريع الضخمة التي تخطط الجزائر لإنجازها"، في مستهلها خط أنبوب الغاز من نيجيريا إلي شمال البلاد.
وأضاف أن المشاريع تهدف أيضا "لكبح" تدفق المهاجرين من بلدان أفريقية الذين يعبرون الحدود الجنوبية بالآلاف، إضافة ـ يقول جمعة ـ إلى قطع الطريق أمام الجماعات الإرهابية في المنطقة.
الأمن والهجرة
وبالنسبة لخبير الشؤون السياسية والأمنية، عبد الرحمان بن شريط، فإن عمل الوكالة الوطنية للتعاون الدولي "يمزج ما بين الجهد السياسي والاقتصادي" خدمة لعدد من الأهداف على رأسها المساهمة في استتباب الأمن بوسائل اقتصادية، معتبرا أن دول الساحل بحاجة إلى "استثمارات جريئة لإخراجها من دائرة التخلف وتحريرها من قبضة الجريمة العابرة للحدود".
وقال بن شريط، لموقع "الحرة"، إن الجزائر تسعى إلى "المساهمة الفعلية" في الاستقرار السياسي والأمني بالمنطقة، و"الحد من الهجرة غير النظامية وتدفق السلاح والمخدرات، وقطع الطريق أمام اتساع نفوذ الجماعات المسلحة في المنطقة"، بتلبية احتياجات السكان في التنمية.
وعليه فإن المتحدث يتوقع المزيد من الاستثمارات في "اليد الناعمة" للجزائر بمنطقة الساحل، مبررا ذلك بأن ضبط الأمن على الحدود الجنوبية "مكلف" ماليا وبشريا للجزائر، ومن "الأفضل" الاستثمار في جوانب أخرى لضبط الأمن والهجرة.