جانب من الحدود بين الجزائر والمغرب (أرشيف)
المناورات تقام على قرب الحدود المغربية مع الجزائر

جاء خبر المناورات العسكرية بين المغرب وفرنسا قرب حدود الجزائر ليصب مزيدا من الزيت على نار أزمة دبلوماسية هي "الأخطر" بين الجزائر وفرنسا، وفق توصيف المؤرخ الفرنسي والخبير في شؤون الجزائر بنجامان ستورا.

ولم يصدر أي بيان رسمي مغربي أو فرنسي بشأن المناورات، إلا أن الخارجية الجزائرية قالت إنها ستنظم في سبتمبر القادم وأن اسم هذه المناورات له "دلالات" دون تقديم المزيد من التفاصيل عن ذلك.

ولا تعد هذه المرة الأولى التي تجري فيها مناورات "شرقي 25"، لكنها المرة الأولى التي تثير حفيظة الجزائر، فهل الأمر يتعلق بتغير دبلوماسي جديد أم أنه مرتبط بالأزمة المتواصلة بين فرنسا والجزائر.

والخميس، وصف بيان غاضب من الخارجية الجزائرية المناورات العسكريّة الفرنسيّة-المغربيّة بأنها "عمل استفزازي سوف يُسهم في تأجيج الأزمة" الحالية.

وقالت وزارة الخارجيّة الجزائريّة إنّ الأمين العام لوزارة الخارجيّة لوناس مقرمان استقبل الخميس في مقرّ الوزارة سفير فرنسا في الجزائر ستيفان روماتي.

وأشار البيان إلى أنّ الغرض من هذا اللقاء كان "لفت انتباه الدبلوماسي الفرنسي إلى خطورة مشروع المناورات العسكرية الفرنسية-المغربية المزمع إجراؤها في شهر سبتمبر المقبل في الراشيدية بالقرب من الحدود الجزائرية".

ولفت البيان إلى أنّ "الطرف الجزائري ينظر إلى هذا التمرين على أنه عمل استفزازي ضد الجزائر"، مضيفا أنّ "تصرفا من هذا القبيل سوف يسهم في تأجيج الأزمة" التي تشهدها حاليا العلاقات الجزائرية-الفرنسية في المرحلة الراهنة و"يرفع من حدّة التوتر بين البلدين إلى مستوى جديد من الخطورة". 

لماذا الآن ؟

سبق أن أجرى المغرب بمشاركة فرنسا سنة 2022 في منطقة الرشيدية قرب حدود الجزائر، مناورات "شرقي22" لكنها لم تثير حفيظة الجزائر، فلماذا الغضب الآن ؟

يقول المحلل الجزائري، حكيم بوغرارة، أن الغضب الجزائري "نابع من تمادي الاستفزازات سواء من المغرب أو من فرنسا، خاصة بعد موجة الاختلافات الجزائرية الفرنسية ولجوء دوائر فرنسية للانتقام من الجزائر باعتراف مزعوم بمخطط الحكم الذاتي لقضية الصحراء الغربية، ثم توالي زيارت مسؤولين فرنسيبن للأراضي الصحراوية المحتلة"، بحسب تعبيره.

ويوضح بوغرارة في حديث لموقع "الحرة" أن الغضب نابع من تواصل التآمر والاستفزاز، والذي قد يتطور أكثر إذا لم ترد الجزائر وفقا للأعراف الدبلوماسية، لأن "الأمن القومي الجزائري" خط أحمر، وفق تعبيره.

من جهته، يرى الإعلامي المغربي والباحث في العلوم السياسية، يوسف منصف، أن الغضب الجزائري تجاه المناورات مبالغ فيه، لأن "المغرب وفرنسا تربطهما اتفاقيات تعاون دفاعي ويجريان بصفة دورية مناورات عسكرية ترجمة لهذا التعاون الثنائي".

ويوضح منصف في حديث لموقع "الحرة" أن "تزامن هذه المناورات مع أزمة دبلوماسية عميقة بين باريس والجزائر، رفع منسوب التوجس لدى حكام المرادية الذي يعتبرون كل تقارب للمغرب مع باريس أو غيرها من القوى المؤثرة دوليا يكون على حسابها، وهذا أمر لا يستساغ في منطق العلاقات الدولية القائمة على التعاون وعلى استشراف ممكنات التعاون الثنائي في المجالات العسكرية وغيرها".

وتعرضت العلاقة بين فرنسا والجزائر لضربة قوية في نهاية يوليو حين دعمت باريس خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية التي هي محور نزاع مستمر منذ خمسين عاما بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) المطالبة بحق تقرير المصير والمدعومة من الجزائر. وردّت الجزائر بسحب سفيرها في باريس.

وتفاقمت الأزمة مع سجن الكاتب الجزائري الذي يحمل الجنسية الفرنسية بوعلام صنصال في الجزائر منتصف نوفمبر بسبب بتصريحات أدلى بها في فرنسا لموقع فرنسي معروف بقربه من اليمين المتطرف، وتبنّى فيها موقفا مغربيا يقول إن أراضٍ مغربية انتُزعت من المملكة في ظل الاستعمار الفرنسي لصالح الجزائر.

وأدّى توقيف السلطات الفرنسية في بداية العام مؤثرين جزائريين بتهمة التحريض على العنف، ومحاولة ترحيل جزائريين رفضت الجزائر استقبالهم، إلى تفاقم الوضع.

وصف البيان الجزائري الغاضب اسم مناورات "شرقي 2025" بأنه يحمل دلالات حساسة، دون أن يقدم المزيد من التفاصيل عن ذلك.

"الأمر لا يحتاج للكثير من الذكاء" وفق المحلل بوغرارة، الذي يقول إن ذلك يلمح إلى "الأطماع التوسعية" للمغرب، وهي بعض الأراضي التي يدعي ملكيتها رغم ترسيم الحدود والاعتراف بالحدود المورووثة، وفق المحلل.

وأرجعت صحيفة "تليكسبريس" الغضب الجزائري من اسم المناورات إلى ماقالت إن قضية "الصحراء الشرقية" وهي أراضي يقول المغرب إنها اقتطعت من أراضيه خلال عهد الاستعمار الفرنسي.

لكن الباحث المغربي، منصف يشير إلى أن "طبيعة جغرافية المناورات المرتقبة ذات صلة بالتحديات الأمنية بمنطقة الساحل التي تعج بالمشاكل الأمنية كالإرهاب والتهريب وتجارة المخدرات والاتجار بالبشر، التي يعد جنوب الجزائر أحد أهم محطات تلك الأنشطة الغير مشروعة" بحسب تعبيره.

والصحراء الغربيّة مستعمرة إسبانية سابقة مطلة على المحيط الأطلسي تصنفها الأمم المتحدة ضمن "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي" ويسيطر المغرب على 80 بالمئة من أراضيها الغنية بالفوسفات والأسماك.

في نهاية أكتوبر 2024، جدد مجلس الأمن الدولي دعوة المغرب وبوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى "استئناف المفاوضات" للتوصّل إلى حلّ "دائم ومقبول" من طرفي النزاع.

لكن المغرب يشترط التفاوض فقط حول مقترح الحكم الذاتي، بينما تطالب بوليساريو بتنظيم استفتاء لتقرير المصير وفق ما تم الاتفاق عليه بعد وقف إطلاق النار في 1991.

علاقات الجزائر وفرنسا تدهورت خلال الأشهر الأخيرة ـ رويترز

رفضت الجزائر استقبال قائمة مواطنيها الذين صدرت بحقهم قرارات إبعاد من التراب الفرنسي، مشددة على ضرورة اتباع القنوات الرسمية المتفق عليها بين البلدين لمعالجة مثل هذه الحالات.

وحسب بيان لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، الثلاثاء، استقبل الأمين العام للوزارة لوناس مقرمان القائم بأعمال سفارة الجمهورية الفرنسية بالجزائر.

وأكدت الجزائر في ردها "رفضها القاطع للغة التهديد والوعيد والمهل وكافة أشكال الابتزاز"، كما اعترضت على "المقاربة الانتقائية" التي تنتهجها فرنسا إزاء الاتفاقيات الثنائية والدولية التي تربط البلدين.

وفيما يخص رفض قبول قائمة المواطنين المبعدين، أوضحت الجزائر أنه "لا يمكن لفرنسا أن تقرر، بصفة أحادية وانفرادية، إعادة النظر في القنوات الاعتيادية المخصصة لمعالجة حالات الإبعاد".

ودعت الطرف الفرنسي إلى "احترام الإجراء المعمول به في هذا المجال" من خلال اتباع القنوات المتفق عليها بين المقاطعات الفرنسية والقنصليات الجزائرية المختصة.

وشدد الرد الجزائري على أن بروتوكول اتفاق عام 1994 لا يمكن تطبيقه بمعزل عن اتفاقية العلاقات القنصلية لعام 1974، مؤكداً أنه "لا ينبغي أن يكون تنفيذ أحد هذين النصين القانونيين على حساب الآخر، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بضرورة ضمان احترام حقوق الأشخاص المعنيين بتدابير الإبعاد".

وقررت السلطات الجزائرية، لهذه الأسباب، عدم دراسة القائمة التي قدمتها السلطات الفرنسية، داعية إياها إلى اتباع القنوات الاعتيادية المتفق عليها بين المقاطعات الفرنسية والقنصليات الجزائرية.

وشهدت العلاقات بين الجزائر وفرنسا في الآونة الأخيرة تصعيدًا ملحوظًا على خلفية عدة قضايا. 

وبدأ التوتر عندما سعت فرنسا لترحيل عدد من "المؤثرين" الجزائريين المقيمين على أراضيها، مما أثار ردود فعل قوية من الجانب الجزائري.

في هذا السياق، هدد وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، بالاستقالة إذا لم تستعد الجزائر مواطنيها الذين يعتبرهم خطرًا، مشيرًا إلى أن ذلك قد يؤدي إلى مراجعة اتفاقية 1968 التي تمنح امتيازات خاصة للمواطنين الجزائريين في فرنسا.

من جانبها، أعربت الجزائر عن رفضها للغة التهديدات والإنذارات، مؤكدةً تمسكها بحقوق مواطنيها المقيمين في فرنسا.