يعيد المسلسل الجزائري "اللي فات مات" فتح صفحات من أكثر الفترات حساسية في تاريخ الجزائر، حيث يوثّق مرحلة الحرب الأهلية في التسعينيات التي تعرف بالعشرية السوداء، وصولًا إلى الحراك الشعبي في عام 2019، الذي اندلع رفضًا لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.
يُعد هذا المسلسل الأول من نوعه الذي يتناول، بنوع من الجرأة، هذه الأحداث التاريخية، حيث يسلط الضوء على قضايا شائكة مثل حرية التعبير، والاغتصاب، والاضطرابات السياسية.
ويقدم العمل صورة درامية مكثفة عن سنوات كانت مليئة بالاضطراب، لكنها أيضًا كانت تحمل بعض الأمل في طياتها.
بين مرحلتين مفصليتين في تاريخ الجزائر، يعيد العمل الفني ذاكرة الشعب الجزائري إلى مظاهرات 5 أكتوبر 1988، وصولًا إلى 22 فبراير 2019.
هذه المقاربة الدرامية أثارت سجالًا فنيًا واسعًا، حيث قالت سارة برتيمة، كاتبة سيناريو المسلسل، في حديثها لموقع "الحرة"، إن العمل يعكس الواقع الجزائري، وأضافت أن هدفها كان نقل الحقيقة من منظور اجتماعي قابل للفهم والقبول.
وأوضحت أن "اللي فات مات" يمثل جزءًا من تاريخ الجزائر، وأن التركيز على الأحداث التي جرت في عام 2019 وأيضًا في حقبتي التسعينات والثمانينات "يعد مجرد تذكير بأن الجزائر اليوم قد طويت تلك الصفحة لكي نتقدم إلى الأمام ونتطور".
من خلال شخصيات درامية تمزج بين الجلاد والضحية، يطرح العمل إشكاليات جسدت واقعًا لا يزال يشكل جزءًا من الحياة اليومية للجزائريين حتى اليوم.
تتناول هذه الإشكاليات قضايا مثل الاغتصاب، ضحايا الإرهاب، وحق الإنسان في التعبير عن رأيه، بالإضافة إلى التطرق لمواضيع الوطن والغربة.
المسلسل هو عمل اجتماعي يستند إلى أحداث سياسية واقعية يتم استثمارها في الدراما لأول مرة. وحول هذا الموضوع، أشار الناقد الفني الطيب توهامي إلى أهمية عودة كتاب السيناريو إلى المراحل السابقة من تاريخ الجزائر، مؤكدًا أن الدراما تتطلب "قراءة ناضجة" لمتابعة أحداث سياسية مهمة.
مخرج العمل، كريم موسوي، اعتمد طاقمًا فنيًا جمع بين أجيال مختلفة من الممثلين، كل منهم يتمتع بخصوصيته الفنية، ما أضاف للعمل طابعًا فنيًا متنوعًا. وفي هذا الصدد، قالت الممثلة مريم آيت الحاج في حديثها لموقع "الحرة" إن العمل الفني لاقى استحسان الجمهور.
وبعيدًا عن الرقابة، يتناول المسلسل الواقع الجزائري بدون رتوش تارة، ومن خلال المتخيل تارة أخرى، في قالب سردي يدفع المشاهد إلى طرح المزيد من الأسئلة التي لا تزال معلقة منذ تلك الأحداث.
ويعود العمل الفني بذاكرة الجزائريين إلى الوراء، مما يدفعهم إلى استذكار فصول ثقيلة في تاريخ الجزائر السياسي، وفي الوقت ذاته، يشجعهم على المضي قدمًا والتصالح مع الماضي دون شروط.
والعشرية السوداء، فهي فترة من تاريخ الجزائر امتدت من عام 1991 إلى 2002، وتتميز بالصراع العنيف بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة، خصوصًا الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي فازت في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية عام 1991، قبل أن يلغي الجيش نتائجها.
أدى هذا الإلغاء إلى تصاعد العنف في البلاد، حيث شهدت الجزائر أعمال قتل واعتداءات استهدفت المدنيين والمناطق السكنية. ووفقًا للإحصاءات الرسمية، أسفرت أعمال العنف تلك عن مقتل حوالي 200 ألف جزائري.
انتهت هذه الفترة تقريبًا في عام 2002 بعد تبني السلطات الجزائرية خطة للمصالحة الوطنية التي ساعدت في استقرار الوضع الأمني. ويؤكد العديد من المؤرخين والمختصين أن العشرية السوداء كانت واحدة من أصعب الفترات في تاريخ الجزائر الحديث.