الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تثير عمليات تهريب المخدرات والجرائم المتعلقة بها مخاوف جمة في الجزائر، نظرا لارتباطها بالجرائم العابرة للحدود سواء في منطقة الساحل وجنوب الصحراء أو الحدود الغربية مع المغرب.

وبغرض احتواء ذلك، درست الحكومة مؤخرا مشروع "الاستراتيجية الوطنية متعددة الجوانب لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية للفترة 2024-2029"، بتشديد العقوبات المطبقة على الجرائم الخاصة بها.

وتحولت المخدرات في الجزائر إلى خطر اجتماعي يزيد من عدد المدمنين، ويفكك التماسك الأسري، ويرفع من نسبة الجرائم المرتبطة بهذه الظاهرة.

ويشكل القنب الهندي أكثر أنواع المخدرات تهريبا نحو الجزائر التي سجلت حجز أكثر من 37 طن منها خلال النصف الأول لسنة 2022. 

بينما قدرت الكمية المحجوزة لنفس الفترة من سنة 2023 بنحو 22 طن، وفق إحصائيات نشرها الديوان الجزائري لمكافحة المخدرات وإدمانها لكافة الأجهزة الأمنية (الدرك والشرطة والجمارك).

وسجل الديوان حجز 60.5 طنا من المخدرات خلال سنة 2024، وفق ما كشفت عنه جريدة "الشروق" استنادا إلى أحدث تقرير من المتوقع أن يرفعه الديوان الوطني لمكافحة المخدرات إلى رئاسة الجمهورية.

كما أن "70 بالمائة من الكميات المحجوزة تمت غرب البلاد، أين حاول المهربون تمريرها من المغرب نحو الجزائر"، وفق المصدر نفسه.

"منظمات إجرامية" وسوق للاستهلاك

وتعليقا على هذه الأرقام، رأى عضو جمعية مكافحة الإدمان، حسين هواري، أن الجزائر "مستهدفة بشكل كبير من قبل منظمات إجرامية". 

وأضاف أن وجود نسبة كبيرة من الشباب الذين يمثلون 70 بالمائة من الخريطة الديموغرافية يشكل "سوقا لترويج مختلف أنواع المخدرات".

وأشار هواري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى أن الحدود الجزائرية المغربية (الجنوب الغربي) تشكل المصدر الرئيسي لتهريب القنب الهندي من قبل عدة شبكات محلية ودولية للمتاجرة في المخدرات"، مستدلا بكون النوعية المحجوزة (القنب الهندي) "منشأها المغرب".

وأحبطت وحدات الجيش الجزائري محاولة تهريب 2.5 طن من المخدرات عبر الحدود الجزائرية الغربية، شهر يناير الماضي، وهي أكبر كمية حاول مهربون تمريرها نحو البلاد دفعة واحدة.

كما كشفت خريطة لطرق التهريب أعدتها قيادة الدرك الجزائري أن الولايات التي عرفت منحى قياسيا من محجوزات المخدرات هي "تلمسان، البيض، النعامة وبشار" المحاذية للشريط الحدودي مع المغرب.

وتلجأ عصابات تهريب المخدرات "كل الطرق لإغراق الجزائر بالكيف المعالج والقنب الهندي"، حسب حصيلة أوردتها وسائل إعلام محلية، بينما ينفي المغرب هذه الاتهامات الموجهة له.

مخدرات الساحل

وإضافة إلى الحدود الغربية التي تشكل هاجسا أمنيا للسلطات الجزائرية بحكم التوتر السياسي مع المغرب، فإن الحدود الجنوبية "مصدر قلق كبير"، وفق ما يؤكده الديبلوماسي الجزائري السابق، مصطفى زغلاش، لموقع "الحرة". 

وعزا ذلك إلى "المخاطر" التي تشكلها منطقة الساحل، وهي مجموعة الدول الخمسة (بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر).

وتشهد هذه الدول نزاعات أعقبتها سلسلة انقلابات، فتحت الباب واسعا أمام تنامي الجريمة المنظمة والعابرة للحدود نتيجة نشاط التنظيم الواحد في أكثر من بلد.

وارتفعت كمية الكوكايين المضبوطة في هذه المنطقة الساخنة أمنيا "من متوسط 13 كغ سنويا خلال الفترة 2015-2020، في منطقة الساحل إلى 41 كغ في عام 2021 لتصل في السنة الموالية 1466 كغ، حيث تم حجز معظمها في بوركينافاسو ومالي والنيجر"، وفق تقرير سابق لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.

وأكد زغلاش في تحليله للوضع المرتبط بالجريمة وتهريب المخدرات، أن "البنية الهشة لدول الساحل، ساهمت في تزايد نشاط تجارة المخدرات والبشر المرتبطتين بتجارة السلاح، وكافة أشكال الجريمة العابرة للحدود"، تغذيها في ذلك الجماعات الإرهابية التي تهدد استقرار بلدان المنطقة.

الإرهاب والمخدرات

وتصنف مالي التي تتقاسم حدودها الشمالية مع جنوب الجزائر ضمن البلدان الأكثر تضررا من العنف، بعدما جاءت في المرتبة الرابعة لمؤشر الإرهاب لسنة 2024، تليها دولة النيجر الجارة الجنوبية للجزائر. 

بينما تأتي بوركينافاسو في صدارة الترتيب، ووفق المصدر نفسه فإن 4 تنظيمات إرهابية تنشط في منطقة الساحل ويتعلق الأمر بتنظيم داعش، ونصرة الإسلام والمسلمين، وحركة طالبان باكستان، وما يسمى بحركة شباب "المجاهدين".

ويشير محلل الشؤون الأمنية والسياسية، عبد الرحمان بن شريط، إلى أن منطقة الساحل "غارقة في الجريمة المنظمة" خصوصا تجارة المخدرات التي تشكل أحد الموارد "الرئيسية" للجماعات المتشددة والتنظيمات المسلحة الأخرى.

وعزز الفساد المستشري في بلدان الساحل قدرة تنظيمات الإرهاب والتهريب على "شراء المعلومات واختراق البنية الأمنية"، وفق تقرير نشره الموقع الرسمي لـ "التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب"، مشيرا إلى محدودية موارد هذه التنظيمات باستثناء "الاختطاف وطلب الفدية أو تهريب الممنوعات".

وفي هذا الصدد، أكد بن شريط لموقع "الحرة" أن هذه التنظيمات من "أخطر الجهات التي تقف وراء تهريب المخدرات نحو الجزائر"، ولا تقتصر تهديداتها على الجانب الأمني بل تمتد إلى الجرائم العابرة للحدود"، منوها بالتكلفة المرتفعة لتأمين الحدود الجنوبية للبلاد.

معادلة فاغنر

بداية من 2021، استغلت مرتزقة فاغنر الروسية التغييرات التي حدثت في عدة بلدان من منطقة الساحل خصوصا في مالي التي شهدت انقلابين إثنين، لتحكم قبضتها وتوسع نفوذها في المنطقة، وسط حاجة الحكام الجدد لقوة يستعينون بها لمواجهة خصومهم.

ولم تخف الجزائر قلقها البالغ من تواجد قوات فاغنر في دول الجوار، وهو ما أعلن عنه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لصحيفة "لوبينيون" الفرنسية، الشهر الماضي، عنما قال إن بلاده "ترفض وجود قوات مرتزقة على حدودها وأبلغت روسيا بذلك".

وبالنظر لسيطرة فاغنر على أجزاء هامة من بلدان الساحل، فإن اتهامات طالتها بالمتاجرة في المخدرات كمصدر لمواردها المالية.

و"تشارك مجموعة فاغنر الروسية في جميع أنواع الأعمال التجارية الغريبة في أفريقيا، من تسهيل التعدين إلى الرشاوى في مبيعات الأسلحة الروسية، مروراً بالاتجار غير المشروع بالأخشاب الثمينة والأعمال غير القانونية الأكثر ربحًا، من تجارة المخدرات إلى تجارة البشر"، حسب ما كشف عنه الجنرال الأكاديمي الإيطالي كارلو جان، لصحيفة "إل جورنالي"، وأعادت نشره وكالة آكي الإيطالية للأنباء في وقت سابق.

الضحايا..

وفي محاولة لاحتواء الإدمان والتكفل بضحايا المخدرات، تعج مراكز العلاج في عدة ولايات جزائرية بآلاف ضحايا الظاهرة الخطيرة على الصحة العمومية وعلى تماسك المجتمع، وفق الناشط حسين هواري.

ووفرت السلطات 40 مركزا لعلاج الإدمان عبر كامل البلاد، وخمس وكالات "لإزالة السموم"، وتتكفل هذه المراكز بآلاف المدمنين الذين يقصدونها إلى جانب 355 جمعية مختصة في مرافقة المدمنين الذين يسعون إلى الشفاء.

وتشير إحصائيات الديوان الوطني إلى أن أكثر من 6700 مدمن مخدرات استفادوا من تكفل طبي وعلاجي خلال النصف الأول لسنة 2021، ويمثل القنب الهندي 36.17 بالمائة من المخدرات التي تم استهلاكها من طرف هؤلاء.

ولم تعلن التقارير الرسمية عن أرقام موحدة بشأن العدد الإجمالي للمدمنين، إلا أن انتشار المخدرات على نطاق واسع يشير إلى أرقام ضخمة.

ويعتقد هواري أن "جبهات عدة يهددها انتشار المخدرات في الجزائر"، ما دفع الحكومة إلى "رسم استراتيجية جديدة لمكافحتها، ومواجهة انعكاسات الإدمان عليها في المجتمع".

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.