لوحات إشهارية خاصة بالانتخابات التشريعية في الجزائر
لوحات إشهارية خاصة بالانتخابات التشريعية في الجزائر

عاد الحديث عن قضايا "الفساد الانتخابي" في الجزائر مجددا، عقب سلسلة من المحاكمات التي طالت مقربين من الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة على إثر تنحيه عن السلطة في أبريل 2019.

وسيمثل 3 مترشحين سابقين للانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي للمحاكمة في السابع من أبريل القادم، في قضية "شراء توقيعات منتخبين" تسمح لهم بخوض سباق الرئاسة، ووفق ما أفادت وسائل إعلام محلية، فإن عدد المتهمين بلغ 79 شخصا.

ويتابع هؤلاء المترشحون السابقون، ومن معهم، أمام محكمة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بالعاصمة الجزائرية، بجنح "منح مزية غير مستحقة، استغلال النفوذ، تقديم هبات نقدية أو الوعد بتقديمها قصد الحصول أو محاولة الحصول على أصوات الناخبين، سوء استغلال الوظيفة، تلقي هبات نقدية أو وعود من أجل منح أصوات انتخابية"، وفق ما أوردته صحيفة "الشروق" الجزائرية.

ويلزم القانون العضوي للانتخابات، الراغبين في الترشح بتقديم قائمة من 600 توقيع فردي لأعضاء منتخبين في مجالس شعبية بلدية أو ولائية أو برلمانية على الأقل، موزعة على 29 ولاية على الأقل، أو قائمة بديلة تتضمن 50 ألف توقيع فردي على الأقل لناخبين مسجلين عبر 29 ولاية على الأقل، على ألا يقل العدد الأدنى من التوقيعات المطلوبة في كل ولاية عن 1200 توقيع.

وكان قاضي التحقيق لمحكمة سيدي امحمد بالعاصمة أمر في الخامس أغسطس 2024 بحبس 68 متهما بصفة مؤقتة، مع وضع 3 آخرين تحت نظام الرقابة القضائية، للاشتباه بتورطهم في القضية.

وتعليقا على هذه التطورات، يؤكد المحامي فاروق قسنطيني أن إحالة قضية شراء التوقيعات بغرض الترشح للانتخابات الرئاسية الماضية على القضاء "إجراء يتماشى ورغبة الحكومة في القضاء على المظاهر التي من شأنها المس بمصداقية الاستحقاقات، وحماية نزاهة وشفافية المنافسة الانتخابية".

ويشير قسنطيني في حديثه لـ "الحرة" إلى أن المرحلة الماضية من النظام السابق التي "تميزت بممارسات غير قانونية طالت الانتخابات، تواجه بقاياها اليوم بصرامة من قبل القضاء"، مشددا على أن هذا يشير لتغيير قوي في طرق التعامل مع الانتخابات وحمايتها من التجاوزات".

وفي رده عن الانعكاسات السياسية لهذه القضية على الساحة الوطنية، أوضح المتحدث أن "صرامة" التعاطي القانوني معها، "يبعث برسائل واضحة، من شأنها الحد من هذه الممارسات التي تحاول تقويض المنافسة العادلة بين المترشحين في أي انتخابات محلية".

وسبق للقضاء الجزائري أن فصل في أهم قضايا الفساد الانتخابي، عقب سقوط نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، فقد أدان القطب الجزائي المتخصص في الجرائم المالية والاقتصادية بمحكمة سيدي امحمد بالعاصمة، في يونيو 2022 السعيد بوتفليقة، المستشار السابق للرئيس الراحل بـ 8 سنوات حبسا نافذا في قضية التمويل الخفي للحملة الانتخابية لرئاسيات أبريل 2019 الملغاة.

في انتظار الأحكام

وفي هذا الصدد يذكر الإعلامي الجزائري محمد إيوانوغان، أنه من "السابق لأوانه استخلاص رسائل سياسية في غياب أحكام قضائية"، مشيرا إلى "وجود إجراءات قضائية لا يمكن إسقاطها بأمر سياسي في قضية شراء الأصوات"، كما كان الشأن في قضية التمويل الخفي للانتخابات الرئاسية الملغاة لسنة 2019 إبان حكم الرئيس السابق بوتفليقة.

وقال إيوانوغان في حديثه لـ"الحرة" إن الإجراءات القضائية في هذا الملف "وصلت إلى آجالها القانونية وبالتالي تمت برمجتها"، تمهيدا للمحاكمة التي ستنطلق في السابع أبريل القادم.

ووفق المتحدث فإن "مجريات المحاكمة، وطبيعة العقوبات التي ستصدر بحق هؤلاء المتهمين سواء المترشحين أو أصحاب التوقيعات هي التي ستحدد طبيعة الرسالة السياسية التي تريد السلطة إظهارها من مسار المتابعة القضائية" للرأي العام.

الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.