تجدد النقاش في الجزائر مرة أخرى بشأن "سجناء الرأي"، بعد أن غاب قرار العفو عن أخبار عيد الفطر هذا العام.
وبعيدا عن أجواء الفرحة بالعيد، يقضي هؤلاء لحظات صعبة وراء القضبان، كما أن لوعة الفراق التي يكابدونها لا تقل صعوبة عن معاناة عائلاتهم وأسرتهم.
وعبر ناشطون وحقوقيون عن تضامنهم الكامل مع السجناء، الذين تمت إدانتهم في قضايا ذات صلة بالحراك الشعبي الذي اندلع في فبراير 2019 وأطاح بحكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في 2 أبريل 2019، بعد نحو 20 عاما من توليه السلطة عام 1999.
مهما كانت حالتنا ، لكن هناك معتقلي في السجون بسبب آرائهم و مواقفهم ، عائلاتهم تتألم بصمت ، عيد ليس سعيد لهم ، و ألم لا...
Publiée par Zakaria Hannache sur Samedi 29 mars 2025
وكانت منظمة العفو الدولية قدرت، في تقارير سابقة، عدد هؤلاء ما بين 250 إلى 300 من "معتقلي الحراك"، داعية إلى الإفراج عنهم.
لا وجود لـ "سجناء رأي"
نفذت السلطات حملة توقيفات لمتظاهرين اعتبروا أن الخطوات السياسية التي قامت بها الحكومة، عقب استقالة عبد العزيز بوتفليقة، "لم تعكس مطالب الحراك الشعبي بالذهاب نحو مرحلة انتقالية وكتابة دستور توافقي جديد".
واعتبرت الحكومة تلك المطالب مسارا من شأنه أن "يزج بالبلاد في أتون مرحلة غامضة"، وقررت وقتها تنظيم انتخابات رئاسية في 12 ديسمبر 2019 حصد الرئيس عبد المجيد تبون غالبية أصواتها.
ونفى الرئيس الجزائري في أكثر من مرة وجود "سجناء رأي"، وأكد في لقاء دوري أجراه شهر أغسطس 2022 مع وسائل إعلام محلية، "عدم وجود سجناء رأي في الجزائر"، مشيرا أن "من يسب ويشتم تتم معاقبته، وفقا لأحكام القانون العام".
ومنذ انتخابه رئيسا للبلاد وقع عبد المجيد تبون على إجراءات عفو استفاد منها سجناء حراك إلا أن ذلك "لم يكن كافيا"، بحسب ناشطين وحقوقيين في الجزائر وخارجها.
عيد "غير سعيد"
لكن، ومع حلول الأعياد، تطفو مشاعر إنسانية وعاطفية، إذ يقضي المحكوم عليهم أوقاتا عصيبة بسبب ابتعادهم عن أجواء الفرحة بين أفراد الأسرة والعائلة.
ويستحضر الإعلامي، السجين السابق، حسان بوراس، لـ"الحرة" ذكريات أيام العيد التي قضاها وراء القضبان في سجن الحراش الشهير بالجزائر العاصمة، وسجن البيض أقصى الجنوب الجزائري.
يستعيد بوراس أنفاسه متأثرا بتلك الفترات التي يقول إنها كانت "قاسية جدا في جانبها الإنساني، بصرف النظر عن مدة المحكومية أو التهم المنسوبة إليك كناشط حقوقي وصحفي".
"كانت أثقل ليالي العمر، تلك التي يستعد فيها الناس لاستقبال العيد، بينما كنت وحيدا بين جدران زنزانتي"، يقول بوراس، وكأنه عاد ليعيش تلك الفترة بتفاصيلها "المؤلمة".
يعرف عن حسان بوراس أنه ناشط حقوقي وصحفي ومدون، كان عضوا في الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان التي حلها القضاء لاحقا، وأدين سنة 2016 بالسجن خلال فترة حكم بوتفليقة في قضايا ذات صلة بنشاطه الحقوقي.
وفي 6 سبتمبر 2021، أوقفت عناصر الأمن حسان بوراس بولاية البيّض (جنوب)، وبعد تحويله للجزائر العاصمة، أمر قاضي التحقيق للقطب الجزائي المتخصص، بإيداعه الحبس المؤقت قيد التحقيق "بتهم جنائية"، وفق ما أورده تقرير سابق لمنظمة شعاع الحقوقية.
وبعد مسار من المحاكمات، أيدت محكمة الجنايات الاستئنافية بالعاصمة، في 5 ديسمبر 2023، الحكم الابتدائي بعامين حبس، منها عام نافذ وغرامة مالية، عن جنحتي “إهانة هيئة نظامية ونشر وترويج أخبار مغرضة باستعمال التكنولوجيا من شأنها المساس بالوحدة الوطنية".
وتمت تبرئته من التهم الجنائية عن "جناية المؤامرة بغرض تغيير نظام الحكم، وجناية الإشادة بالإرهاب".
ويشير المتحدث إلى أنه قضى 17 شهرا في السجن، عاش خلالها أوقاتا صعبة خلال عيدين متتاليين، بعيدا عن دفء العائلة والأهل والأصدقاء في تلك المناسبات التي "لم تكن سعيدة أبدا"، وهو وراء القضبان.
معاناة عائلات السجناء
لكن المحامي يوسف بن كعبة يروي لـ "الحرة" جانبا آخر لمعاناة أشخاص "لم يرتكبوا أي فعل يجرم عليه القانون، إلا أن أبناءهم وأشقاءهم قاموا بما يعتبر في نظر القانون جنحة أو جريمة".
ويشير بن كعبة إلى أنه وقف على حالات كثيرة لأقارب سجناء حكم عليهم في سياق نشاطاتهم ذات الصلة بالحراك، من بينها والدة سجين من مدينة مغنية (غرب)، تتنقل لرؤية ابنها في سجن مدينة سعيدة (جنوب) مقابل 15000 دينار (120 دولارا أميركيا)، ثمن سيارة الأجرة و"رغم ظروفها الاجتماعية الصعبة، فهي لا تتوانى عن التردد عليه كلما تحصلت على رخصة لزيارته".
ويضيف المحامي بن كعبة، الذي ترافع كثيرا لصالح نشطاء من الحراك في عدة ولايات جزائرية، أن تكلفة النقل ليست الوحيدة، فهي "مضطرة لملأ قفة من المواد الغذائية المسموح بها لا تقل تكلفتها عن 10000 دينار ( 75 دولارا)، كل ذلك من بين العديد من الصعوبات التي يعاني منها أقارب هذه الفئة، بما في ذلك حالات لعائلات اضطرت لرعاية أسر أبنائها المسجونين رغم محدودية دخلهم.
عفو "مؤجل"
ورغم رسائل التفاؤل التي بعثت بها الحكومة قبل أشهر بخصوص إطلاق حوار "حقيقي" فإن إجراءات العفو غابت في هذا العيد.
ويرى الحقوقي عبد الغني بادي، أن حديث الرئيس تبون عن حوار وطني، "عزز احتمال صدور عفو بالصياغة المعتادة (إفراج مؤقت)"، مضيفا أن هذه الخطوة كانت "منتظرة" من سجناء الرأي وذويهم، إلا أن ذلك لم يحدث "للأسف".
ويتحدث بادي لـ "الحرة" عن هامش التفاؤل الكبير عشية العيد، قائلا إن البعض "توقع إفراجات واسعة النطاق تشمل حتى السجين المثير للجدل بوعلام صنصال، خاصة أن محاكمته تمت بشكل سريع نوعا ما مقارنة بقضايا أخرى كانت أقل خطورة".
لكن بالنسبة للمتحدث فإن الحكومة "لم تفصل في مسألة العفو"، مرجعا ذلك إلى "التقلبات السياسية التي عاشتها في الفترة الأخيرة والتي تكون قد وضعتها أمام أبعاد أخرى قد يغلب عليها التأثير والضغط".
ويعتقد الحقوقي ومحامي نشطاء من الحراك، أن الحكومة "تركت لنفسها فسحة من الوقت تؤجل من خلالها الفكرة إلى الخامس من يوليو المقبل"، بمناسبة عيد الاستقلال والشباب، الذي عادة ما تقوم عشيته بالإعلان عن إجراءات عفو.