الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس
الجماعات المسلحة تنشط في دول الساحل الأفريقي الخمس (أرشيف)

تفاقمت حدة الخلافات بين الجزائر ودول تحالف الساحل (مالي، النيجر وبوركينافاسو)، بقرار هذه الدول سحب سفرائها على خلفية اسقاط الجزائر لطائرة درون حربية مالية، اخترقت مجالها الجوي، بينما نفت بماكو ذلك، ولاحقا أغلقت الجزائر مجالها أمام الطيران المالي. 

ونتيجة احتدام الخلاف والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع، تُطرح قضايا مستقبل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل التي تنشط بها جماعات إرهابية محسوبة على القاعدة وداعش، وكيانات ذات صلة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات.

وتواصلت الأزمة بقرار مالي الانسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، وهو تحالف اختص في مكافحة الإرهاب، ويضم دول الساحل بالإضافة للجزائر، كما قررت رفع شكوى أمام الهيئات الدولية الجزائر بتهمة ارتكاب ما وصفته بعمل "عدواني".

ولجنة أركان العمليات المشتركة هي هيئة عسكرية تضم كلا من الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر، تأسست سنة 2010 بمدينة تمنراست جنوب البلاد، لتكون بديلا للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.

وفي 2017 أسست فرنسا تحالفاً عسكرياً موازياً خاصاً بمكافحة الإرهاب، ضم بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، قبل أن تسحب قواتها العسكرية من المنطقة.

"زيادة" في نشاط الجماعات الإرهابية

وتعليقا على هذه التطورات، رأى المحلل من دولة مالي، محمد ويس المهري، أن الخلاف بدأ منذ إنهاء باماكو، قبل سنة، العمل باتفاق السلام الموقع عام 2015 في الجزائر بين الحركات المسلحة المعارضة والحكومة المالية.

هذا الخلاف وفق ويس المهري "أثر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري ضمن لجنة الأركان المشتركة"، وأدى ذلك إلى "تسجيل هجمات كبرى من قبل جماعات جهادية على مطار باماكو، وبعض الأهداف العسكرية في العاصمة منذ أشهر".

وأشار المحلل الأمني والسياسي ويس المهري، في حديثه لموقع "الحرة"، إلى تسجيل "هجمات على الجيش المالي واتساع نطاق نشاط الجماعات الجهادية في النيجر وفي بوركينافاسو، و"زيادة نشاط" التنظيمات الإرهابية الموالية لداعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدولة النيجر وبوركينافاسو "بوتيرة كبيرة جدا".

كما نبه المتحدث إلى عمليات نزوح للمهاجرين من دول أفريقية تعرفها المنطقة نحو الجزائر، بسبب تجدد الاشتباكات منذ إعلان "انهيار" اتفاق السلام بين مالي والجماعات المسلحة المعارضة، كما أشار إلى "عودة عمليات الاختطاف التي تطال أجانب".

وكان سائح إسباني تعرض للاختطاف بتاريخ 14 يناير الماضي على الحدود الجزائرية المالية، ضمن نطاق الناحية العسكرية السادسة، من قبل عصابة مسلحة تتكون من خمسة أفراد، قبل أن تحرره وحدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري وتعيد تسليمه لبلاده.

وكشف محمد ويس المهري عن محاولات متكررة، قامت بها جماعات إرهابية في الفترة الأخيرة، "لاستهداف أو اختطاف أجانب، بسبب توقف التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مالي والجزائر"، مضيفا أن التداعيات امتدت إلى "زعزعة" الاستقرار في شمال مالي.

ووصف المتحدث الوضع الحالي بـ "الخطير جدا"، بعد توقف "الدعم العسكري والأمني الذي كانت تقدمه الجزائر لدول المنطقة، بما في ذلك شحنات عسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية"، مرجعا الوضع الحالي إلى انهيار اتفاق السلام، باعتباره"النقطة الخلافية الرئيسية بين البلدين".

الجزائر "تكرس تواجدها"

وتعرضت منطقة الساحل الصحراوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص"، وفق إحصائيات قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة في يناير الماضي.

كما تحولت منطقة دول الساحل إلى "بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"، وفق المصدر نفسه.

ورأى الإعلامي الجزائري، محمد إيوانوغان، أن التطورات الحاصلة بمنطقة الساحل تتجاوز البعد الأمني، وهي تعكس "تحولا سياسيا إيجابيا يكرس التواجد الفعلي للجزائر بالمنطقة"، دون التخلي عن باقي المهام، ويوضح المتحدث قائلا: إن الجزائر ولأول مرة "تتحول من موقف ودور المتفرج إلى دور الفاعل".

وأضاف إيوانوغان، لموقع "الحرة"، أن الجزائر وهي ماضية في لعب دورها، بما في ذلك محاربة الإرهاب، قررت منع تحليق الطيران المالي فوق أجوائها وهي من "ستحمي الأزواد"، بعد تخلي باماكو عن اتفاق السلام معهم، مما يؤدي لاحتواء أي انزلاق أمني.

وأشار المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة للجزائر تعني أن "كل الأطراف يجب أن تعيد حساباتها، بما يحفظ مصالح الجزائر"، فيما تواصل مختلف وحدات الجيش الجزائري عمليات مكافحة الإرهاب، وحماية أمن الحدود.

المحكمة رأت أن المفوضية الأوروبية "انتهكت حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير"
جنود مغاربة في الصحراء الغربية - أرشيفية

عاد الجدل بشأن الصحراء الغربية إلى واجهة الأحداث عقب تأكيد وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أن الولايات المتحدة "تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية".

وخلال لقائه، الثلاثاء، في واشنطن بنظيره المغربي، ناصر بوريطة، قال ريبو إن بلاده "تدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والموثوق والواقعي باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع".

وتفاعلت الجزائر مع الموقف الأميركي المتجدد، إذ عبرت عن "أسفها" من تجديد الولايات المتحدة لموقفها الداعم "لسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية"، ومخطط الحكم الذاتي الذي اقترحته الرباط كحل وحيد للنزاع.

وتأسفت الخارجية الجزائرية، في بيان له، لتأكيد هذا الموقف من قبل عضو دائم في مجلس الأمن "يفترض فيه الحرص على احترام القانون الدولي بشكل عام وقرارات مجلس الأمن بشكل خاص".

توتر

ومن نيويورك، اعتبر ممثل جبهة البوليساريو بالأمم المتحدة، سيدي محمد عمار، أن الموقف الذي أعلنته الإدارة الأميركية "لا يغير أي شيء على الإطلاق".

لكن في المقابل أشار عمار لـ"الحرة" أن الموقف المتجدد من شأنه أن "يزيد من تعقيد جهود الأمم المتحدة لإيجاد حل سلمي للنزاع"، مضيفا أن تأثير ذلك قد يؤدي إلى "المزيد من التوتر في المنطقة وخارجها".

والصحراء الغربيّة مستعمرة إسبانية سابقة مطلة على المحيط الأطلسي تصنفها الأمم المتحدة ضمن "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، ويسيطر المغرب على 80 بالمئة من أراضيها الغنية بالفوسفات والأسماك.

وكان المغرب قد اقترح الخطة لأول مرة عام 2007، وفي العاشر من ديسمبر 2020، أكد ترامب في ولايته الأولى دعم بلاده للمقترح المغربي بشأن الصحراء الغربية، وقال إنه يعترف "بسيادة المغرب على المنطقة بأكملها".

"تسوية نهائية"

من جهته شدد المحلل السياسي ورئيس "المرصد الدولي للدراسات الاستراتيجية"، المغربي الحسين كنون، على أن تجديد إدارة ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، "سيعزز الموقف المغربي بشكل كبير"، مؤكدا أن هذا التوجه يحمل "تأثيرا إيجابيا على المستوى السياسي والدبلوماسي داخل مجلس الأمن وخارجه".

ويتابع كنون حديثه لموقع "الحرة"، أن القرار الأميركي الأخير يعد "تجديدا" رسميا لاعتراف موثق في السجل الفيدرالي خلال ولاية ترامب الأولى، مشيرا إلى أن "استمرارية الموقف، رغم تغير الإدارات، تعكس توجها مؤسساتيا نحو تسوية نهائية لا رجعة فيها، بالنظر للرهانات الأمنية والإقليمية المرتبطة بالملف".

ويشير كنون إلى أن المغرب يعد "بوابة استراتيجية" للولايات المتحدة نحو العمق الإفريقي، بالنظر إلى استقراره في محيط إقليمي مضطرب، مضيفا أن هذا ما يدفع واشنطن إلى "تعميق" شراكتها مع الرباط في مختلف المجالات.

ويرى المحلل السياسي المغربي أن واشنطن بصفتها حاملة القلم في مجلس الأمن، تعد "فاعلا أساسيا في توجيه مسار ملف الصحراء نحو الحسم النهائي"، مبرزا أن تعيين سفير جديد في الرباط يندرج ضمن خطوات عملية أبرزها فتح قنصلية في الداخلة.

ويكشف المتحدث ذاته أن المقر المخصص للقنصلية الأميركية في الداخلة قد تم "كراؤه بالفعل"، معتبرا أن "افتتاحها مسألة وقت فقط، ما يترجم الموقف السياسي إلى خطوات واقعية على الأرض تعزز السيادة المغربية".

"أصل الحق"

بينما يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، إسماعيل معراف، أن القرار الأميركي "لن يؤثر في المسار الأممي لملف الصحراء الغربية التي سُجلت منذ 1975 في الهيئة الأممية كقضية تصفية استعمار"، موضحا أن هذا التصنيف "لا يمكن تغييره أو تعديله تحت أي ظرف".

ويضيف معراف قائلا لـ "الحرة" إن الموقف الأميركي "لن يتعدى سياقه الديبلوماسي الذي يدعم معنويا المغرب".

وفي نفس الوقت يشير المتحدث إلى أن "أصل مقترح الحكم الذاتي لم يكن مغربيا"، مضيفا أن المبعوث الأممي الأميركي جيمس بيكر هو أول من طرحه ضمن أربع مقترحات عقب تعيينه في هذا المنصب من لدن الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق كوفي عنان سنة 1997 وتم تجاوزه بعد أن رفضته أطراف النزاع"، مشددا على أنه "لا يمكن المس بأصل الحق".

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية، أن هذه التطورات ستدفع بقضية الصحراء الغربية إلى حالة "اللاحرب واللاسلم" في المنطقة، مشككا في "قدرة مقترح الحكم الذاتي على تثبيت الأمن والاستقرار في المغرب".

وأضاف معراف أن خيارات الجزائر "متعددة سياسيا واقتصاديا" في التعامل مع هذا الموقف، مشيرا إلى أهمية "المصالح الاقتصادية والاستثمارية" في قطاع المحروقات للشركات الأميركية في الجزائر، وكذا "أهمية التعاون الأمني والعسكري بين البلدين التي تعول عليها واشنطن".