ارتفاع الأسعار يثير احباط الشعب الروسي
ارتفاع الأسعار يثير احباط الشعب الروسي

رغم محاولات الكرملين لإخفاء حقيقة الهجوم على أوكرانيا عن الشعب الروسي، لدرجة أنه يغلق وسائل الإعلام التي تسميها "حربية"، إلا أن العواقب الاقتصادية والاضطرابات المجتمعية التي سببها الغزو تعقد من هذه المهمة، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

ألغت شركات الطيران الروسية رحلاتها إلى أغلب دول أوروبا. وسارع البنك المركزي لتسليم سندات الروبل مع ارتفاع الطلب على السيولة بمقدار 58 ضعفًا. 

كما حذر الاقتصاديون من زيادة التضخم وهروب رؤوس الأموال وتباطؤ النمو. وخفضت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز تصنيف روسيا إلى "غير المرغوب فيه".

تعتبر محاولات موسكو إخفاء المدى الذي يمكن أن تصل له الحرب دليل على أن الكرملين يخشى من أن الروس قد لا يوافقون على غزو عنيف وواسع النطاق لأوكرانيا، البلد الذي يعيش به الملايين من أقاربهم وأصدقائهم.

وذهل الروس من سرعة الشعور بالتأثير الاقتصادي للحرب، فقد وصل الروبل إلى أدنى مستوى له على الإطلاق مقابل الدولار، حيث تم تداوله عند حوالي 84 روبل يوم السبت مقارنة بـ 74 روبل قبل أسابيع قليلة، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار. كما تسببت العقوبات المفروضة على أكبر البنوك الروسية في إحداث فوضى في الأسواق المالية.

قالت لاليا ساديكوفا، صاحبة سلسلة من صالونات التجميل في سانت بطرسبرغ: "أولئك الذين يصرخون بأن بوتين عظيم وبارع له لم يعودوا يقولون ذلك بصوت عالٍ. إنهم في حالة صدمة مما يحدث، من مدى سرعة تغير الأسعار وتوقف الموردون عن التسليم".

وذكر الرئيس التنفيذي لأحد أكبر شركات بيع الإلكترونيات بالتجزئة في روسيا "DNS"، دميتري ألكسييف، الخميس، أن أزمة الإمداد أجبرت شركته على رفع الأسعار بنحو 30 بالمئة قبل أيام. وأضاف "بالنسبة لي، لا أستطيع أن أفهم لماذا تحتاج روسيا إلى الحرب".

وتابع ألكسييف: "أفهم أن ارتفاع الأسعار في المتاجر يثير الإحباط. لكن هذا هو الواقع".

"البلد في حال توقف تام"

كما أوقفت ثاني أكبر شركة طيران في روسيا "S7"، جميع رحلاتها إلى أوروبا بسبب إغلاق المجال الجوي أمام الشركات الروسية، وهي إشارة مبكرة على أن السفر الرخيص والسهل إلى الغرب الذي اعتاد عليه الروس من الطبقة المتوسطة قد يصبح شيئًا من ماضي. 

وقالت أناستاسيا بارانوفا، مديرة فندق في سانت بطرسبرغ: "نحن جميعًا ننتظر ما سيحدث بعد ذلك. يبدو الأمر كما لو أن البلد بأكمله في حالة توقف."

سارع الكرملين إلى الحفاظ على روايته، وشدد قبضته على وسائل الإعلام المعارضة. فقد حذرت هيئة الاتصالات الحكومية 10 منافذ إخبارية روسية من إمكانية حظر مواقعهم على الويب، بسبب وصفها ما يحدث بالحرب والغزو.

حتى مع اندلاع المعركة الشرسة للسيطرة على كييف صباح السبت، لم يشر بيان وزارة الدفاع الروسية بشأن الوضع في أوكرانيا ولم يتحدث عن أي ضحايا روس. 

يقول المحللون إنه على الرغم من الألم الاقتصادي، فمن غير المرجح أن تغير العقوبات مسار روسيا على المدى القريب. وأكدوا أن روسيا تمتلك من الاحتياطيات اللازمة لدعم الروبل.

وبعيدًا عن الأثر الاقتصادي للحرب، ليس بوسع العديد من الروس بعد أن يتصالحوا مع الحياة في بلد شن هجومًا غير مبرر على جاره. فقد تدفق العشرات على السفارة الأوكرانية في موسكو ووضع الزهور على أبوابها، تعبيرا عن رفضهم لهذه الحرب.

وقال مصمم أزياء روسي، رفض ذكر اسمه: "أخشى مقابلة الأوكرانيين والنظر في أعينهم. هذا هو الشيء الأكثر رعبا على الإطلاق".

زيلنسكي بلقطة أرشيفية - فرانس برس
زيلنسكي بلقطة أرشيفية - فرانس برس

وصف الكرملين، الأربعاء، إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي استعداده لإجراء مفاوضات مباشرة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين وقادة آخرين لإنهاء النزاع بأنه "كلام أجوَف".

وبعد مرور حوالى ثلاث سنوات على بدء الهجوم الروسي في أوكرانيا، أصبحت الدعوات لإجراء محادثات سلام أكثر إلحاحا مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتأكيده أنه يريد إنهاء الحرب بسرعة.

ورد زيلنسكي على سؤال بشأن إمكان التفاوض مع بوتين في مقابلة بُثت الثلاثاء، قائلا إنه سيفعل ذلك "إذا كان هذا هو الشكل الوحيد الذي يمكننا من خلاله تحقيق السلام لمواطني أوكرانيا وعدم خسارة المزيد من الأرواح".

وتحدّث عن صيغة تضم "4 مشاركين"هم مبدئيا أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف للصحفيين، الأربعاء "حتى الآن لا يمكن اعتبار هذا الأمر سوى كلام أجوَف" مضيفا أن "الاستعداد يجب أن يرتكز على شيء ما".

وكرر بيسكوف حجة روسيا بأن زيلنسكي لا يستطيع التحدث إلى بوتين بعدما أصدر مرسوما في أكتوبر 2022 يحظر أي مفاوضات مع روسيا طالما كان بوتين رئيسا، وذلك ردا على إعلان الكرملين ضم أربع مناطق أوكرانية.

وأعلن بيسكوف أنه "رغم ذلك، نبقى منفتحين على المحادثات"، معتبرا أن "الواقع على الأرض يشير إلى أن كييف يجب أن تكون أول من يبدي انفتاحه واهتمامه بمحادثات مماثلة"، في إشارة على ما يبدو إلى التقدم العسكري الروسي ميدانيا.

وكرر بوتين مرارا أنه مستعد للتفاوض بشرط أن تمتثل أوكرانيا لمطالبه: التنازل عن أربع مناطق في جنوب وشرق البلاد بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو في العام 2014 والتخلي عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهي شروط غير مقبولة بالنسبة لكييف.

وفي توضيح لتصريحاته، قال زيلنسكي، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي إن الاستعداد للنقاش مع بوتين هو في حد ذاته "تنازل" من جانب أوكرانيا.

ووصف الزعيم الروسي بأنه "قاتل وإرهابي". وقال "التحدث إلى قاتل هو بمثابة تنازل من جانب أوكرانيا والعالم المُتَحضِّر بأكمله".

وأقرّ بأن حلفاء كييف "يعتقدون أن الدبلوماسية هي الطريق للمضي قدما".

وفي المقابلة التي نُشرت الثلاثاء، أثار زيلنسكي مجددا احتمال حصول أوكرانيا على أسلحة نووية في حال عدم انضمامها بسرعة إلى حلف شمال الأطلسي.

وقال بيسكوف، الأربعاء، إن هذه التصريحات "تلامس الجنون"، داعيا حلفاء كييف إلى إدراك "المخاطر المحتملة لمناقشة هذا الموضوع في أوروبا".

وإلى ذلك تحدث بيسكوف عن "اتصالات" بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن مواضيع محددة، لافتا إلى أن الاتصالات "تكثفت أخيرا"، من دون أن يذكر تفاصيل إضافية.